هــذه أبــرز التحديــات التي تنتظــر الرئيــس الجديـد
يتولى الرئيس الجديد، عبد المجيد تبون، مهامه رسميا غدا الخميس بعد أداء اليمين الدستورية، وسيكون بعدها مباشرة في مواجهة أول تحدّ وهو «تشكيل حكومة ترضي الجميع»، وهي مهمة قال عنها الرئيس تبون إنها أصعب مهمة تعترض طريقه لأنها: «مهمة تمرّ عبر مجهر الشعب الذي على إثرها يحكم إن كان هناك تغيير أم لا» وأضاف تبون «أتمنى التوفيق من الله لكي يرى الشعب الجزائري في الحكومة المقبلة شبابًا وشابات من 26 سنة إلى 27 سنة».
ويؤكد مقربون من الرئيس الجديد، أن الحكومة الأولى في عهد تبون ستكون حكومة كفاءات لإدارة الأوضاع الصعبة التي تعيشها البلاد سياسيا واقتصاديا بل حتى اجتماعيا، كون المشاكل تراكمت، ما يستوجب اتخاذ قرارات حاسمة وسريعة لتصويب الوضع، حيث ذكر المدير الإعلامي لحملة الرئيس المنتخب، أن تبون قد يستعين بكفاءات جزائرية من الخارج، مضيفا بأن التوليفة التي سيختارها الرئيس سيتم انتقاؤها بعناية.
ولن تكون ورشة الحكومة العقبة الوحيدة التي تواجه الرئيس الجديد الذي سيكون مطالبا بتجسيد التزاماته التي قدمها أمام الشعب خلال الحملة الانتخابية، وتلك التي أعلن عنها خلال ندوته الصحفية الأولى، بداية بفتح حوار جاد مع «الحراك» من أجل الجزائر، والتوجه نحو إقرار دستور جديد ينهي الحكم الشخصي للرئيس، ومراجعة حزمة أخرى من القوانين.
ويتفق محللون أن أزمة الثقة التي أوجدها النظام السابق بين الشعب ومؤسسات الدولة، تشكل أكبر عقبة أمام الرئيس الجديد المطالب باتخاذ إجراءات قوية لترميم الشرخ الذي تفاقم طيلة السنوات الماضية، عبر عنها أحسن تعبير وكيل الجمهورية لدى محكمة سيدي أمحمد، وهو يحاكم مجموعة من الوزراء السابقين ممن يوصفون لدى الرأي العام بأفراد «العصابة»، واجههم بعبارة: «لقد خلقتم أزمة ثقة بين الشعب ومؤسسات الدولة بفسادكم، بل بات لا يصدق وأنتم اليوم تقفون أمام حساب العدالة».
مواصلة التطهير واستعادة الأموال المنهوبة
استعادة ثقة الشعب في مؤسسات الدولة، يمر حسب متتبعين في مواصلة تطهير دواليب الدولة من الفاسدين، وأن يشمل التطهير تفرعات الدولة وطنيا ومحليا إضافة إلى المؤسسات الاقتصادية والبنوك والأجهزة التي كلفت بمتابعة صرف الميزانيات والتي فشلت في أداء مهامها، وكذا أجهزة ترقية الاستثمار التي تحولت من مسهل للاستثمارات إلى معرقل لها.
وسيتابع الشعب كل تفاصيل وقرارات الرئيس الجديد فيما يخص مكافحة الفساد، واسترجاع الأموال المنهوبة، خاصة وأن الرئيس الجديد كان قد أكد في أكثر من مناسبة انه يملك الوصفة المناسبة لاستعادة تلك الأموال، بالموازاة مع المضي في تجسيد التزامه بفصل المال عن السياسة، والحد من نفوذ رجال الأعمال، واتخاذ إجراءات فعلية عبر فتح ملف الضرائب والمشاريع غير المنجزة. كما يقف تبون عند تحدٍ آخر، وهو رفع الظلم عن ضحايا العصابة، بعدما أكد أنه سيعمل مع الجميع دون تهميش أو إقصاء أو نزعة انتقامية، متعهدا باسترجاع هيبة ونزاهة ومصداقية الدولة لدى المواطن
تحريك العجلة الاقتصادية
لعل أبرز ورشة تنتظر الرئيس الجديد هي «الإصلاحات الاقتصادية» لوضع حد للانهيار المتواصل للاقتصاد الوطني والذي أدرك مستويات جد متدنية على أغلب المؤشرات الاقتصادية العالمية، فلا تزال تقديرات الهيئات والمنظمات الدولية تصنف مناخ الأعمال والاستثمار في الجزائر ضمن الأعقد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إذ تم تصنيفه عالميا ضمن 190 دولة في الرتبة 157، مع اعتبار عدم تسجيل تقدم كبير في المؤشرات المحددة لهذا المناخ، ولهذا فإن أمام رئيس الجمهورية الجديد تحدي إعادة جذب المستثمرين من دول عديدة، على غرار الشركاء التقليديين.
وسيعالج الرئيس الفاتورة الثقيلة التي تركها الرئيس السابق، بسبب قرارات خاطئة للحكومة السابقة والتي تمادت في طبع النقود ومنح القروض للاوليغارشية وغض الطرف عن الضرائب غير المسددة، وهي ممارسات جعلت البلاد تدخل في أزمة حقيقية، خاصة بعد انهيار أسعار النفط وعواقبه على عائدات البلاد، ما تسبب في تراجع القدرة الشرائية وانخفاض المستوى المعيشي، وانهيار احتياطي الصرف، الذي جر معه قيمة الدينار.
ويواجه تبون رهانا صعبا، حيث تظهر الأرقام الرسمية انخفاض الاحتياطات النقدية، وسيكون الرئيس الجديد مطالبا بتسيير عقلاني لاحتياطات الصرف التي انكمشت لتنخفض إلى مستوى 51 مليار دولار، أي ما يكفي تغطية 12 شهرا من فاتورة الاستيراد، ومهددة بالتراجع إلى حدود 39.7 مليار دولار سنة 2022، وذلك بسبب استمرار تسجيل عجز ميزان المدفوعات، هذا العجز المقدر بـ8.7 ملايير دولار في 2020، و6.6 ملايير دولار في 2021، و5.3 ملايير دولار في 2022.
وتتوجه الأنظار لتحقيق وعود الرئيس التي أقرها في برنامجه الانتخابي وما تحمله من حلول، خاصة حماية قدرتهم الشرائية، التي تتأرجح منذ بداية انهيار الدينار قبل 5 سنوات. وكانت الأزمات المعيشية أحد الأسباب الرئيسية في اندلاع احتجاجات ساخطة منذ شهور أطاحت بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. وما يمنح الجزائر بصيص آمل اقتصادي هي الردود الايجابية من عديد الدول الشريكة على روسيا والصين وتركيا وقطر والسعودية وغيرها من الدول، التي أبدت رغبتها في تعزيز علاقاتها الثنائية مع الجزائر، وهذا ما يفتح آفاق جديدة للبلاد، حيث سيكون على الرئيس كسب دعم الدول الصناعية الكبرى على غرار الصين التي وضعت الجزائر على رأس الشركاء الاقتصاديين في المنطقة.
ع سمير