خلّــف حادث مرور مروع وقع في ساعة مبكرة من صبيحة أمس، على مستوى الطريق الوطني رقم 16، عند مخرج بلدية المشروحة بولاية سوق أهراس 8 قتلى و26 جريحا، ثلاثة منهم في حالة حرجة، وذلك بعد انحراف حافلة لنقل المسافرين عن مسارها، واصطدامها بالجدار الخرساني المنصوب وسط الطريق المزدوج، لتنقلب إلى الجهة الثانية من المسلك.
هذه المجزرة المرورية وقعت في حدود الساعة السابعة صباحا و15 دقيقة، لما بلغت حافلة لنقل المسافرين من نوع «كينغ لونغ»، كانت متجهة من سوق أهراس إلى عنابة، على متنها 41 راكبا، منعرجات منطقة بولحرش بمخرج بلدية المشروحة، حيث فقد السائق القدرة على التحكم في المركبة، جراء تعطل نظام «الفرامل»، فزادت سرعة سير الحافلة، لتصطدم بالحاجز الخرساني المنصوب وسط الطريق المزدوج، ثم تحيد عن مسارها.
وبمجرد تلقي الخبر سارعت السلطات المحلية لولاية سوق أهراس إلى مكان الحادث، في الوقت الذي تم فيه تشكيل خلية مشتركة بين جميع القطاعات، ليتقرر شل حركة تنقل المركبات على مستوى الشطر الرابط بين ولايتي قالمة وسوق أهراس، مع اعتماد طريق اجتنابي انطلاقا من منطقة المقفل ببلدية وادي الشحم بقالمة، وصولا إلى مدخل بلدية عين سنور، وهذا لتسهيل عملية إجلاء الضحايا على متن سيارات الاسعاف، باتجاه المؤسسة العمومية الاستشفائية السبتي كعرار بسوق أهراس.
وتوافد مئات المواطنين إلى مكان الحادث، سواء من أجل المساهمة في تقديم المساعدة للجرحى أو حتى من باب الفضول، بتناقل الصور وفيديوهات على المباشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لأن بعض المواقع تناقلت أرقاما مروعة بخصوص الحصيلة الأولية، الأمر الذي زاد من توافد المواطنين على منعرجات بولحرش.
الحماية المدنية: وجدنا ناجين في حالة هستيرية
وكشف المكلف بالإعلام على مستوى المديرية الولائية للحماية المدنية بسوق أهراس النقيب رضا مسعي للنصر، بأن مصالح الحماية تلقت إشعارا بوقوع الحادث في حدود السابعة والربع صباحا، ليتم تسخير ثلاث وحدات فرعية، إضافة إلى وحدة رئيسية ومركز متقدم، والتي تنقلت على جناح السرعة إلى إقليم بلدية المشروحة، حيث وُجد ـ كما صرّح ـ «ضحايا في حالة هستيرية، منهم من تمكّن من النزول من الحافلة بعد توقفها، ومنهم من ظل عالقا على مستوى المقاعد، فكانت الحصيلة الأولية التي سجلناها بعين المكان 7 قتلى و 27 جريحا، تم تحويلهم جميعا إلى مستشفى سوق أهراس، بينما تنقّل بعض الضحايا إلى المركز الصحي بالمشروحة لتلقي إسعافات أولية، لأن إصاباتهم لم تكن خطيرة».
من جهة أخرى أكد قائد سرية أمن الطرقات بالمجموعة الإقليمية للدرك الوطني بسوق أهراس العقيد عبد القادر بلوعزاني في تصريح خص به النصر، بأن مصالح الدرك فتحت تحقيقا معمقا للوقوف على الأسباب الحقيقية التي كانت وراء وقوع هذا الحادث، موضحا في نفس الصدد بأن الحافلة كان على متنها قرابة 40 راكبا، والانحراف كان ـ على حد قوله ـ «على مستوى منعرج خطير، بعد الاصطدام بجدار خرساني يتوسط الطريق المزدوج، وقوة تصادم الحافلة بالجدار الفاصل كانت السبب الرئيسي في انقلابها، ولحسن الحظ أن الجهة الثانية من الطريق المؤدي من وادي الشحم إلى المشروحة كانت خالية من المركبات لحظة وقوع الحادث، مما جنبنا كارثة كبرى».
والي سوق أهراس :
التحريات الأولية كشفت بأن السائق أفرط في السرعة
على صعيد آخر أكد والي سوق أهراس الوناس بوزقزة، بأن القرار الأول الذي وجب اتخاذه بمجرد وقوع هذا الحادث يتمثل في سحب رخصة الاستغلال لنقل المسافرين من المؤسسة الخاصة للمتعامل المالك للحافلة، في إجراء ـ كما قال ـ «احترازي، اتخذته اللجنة الأمنية بالولاية على جناح السرعة، لأن هذه المؤسسة المعنية تسببت في حادثين خطيرين في ظرف زمني وجيز، الأول كان في نهاية الأسبوع الفارط بإقليم ولاية البليدة، والتحريات الأولية كشفت بان السائق تهور في استعمال السرعة على مستوى منعرج خطير، والظروف المناخية لم يكن لها أي تأثير، كما أن الحادث وقع في طريق مزدوج، والانحراف كان بسبب الإهمال، دون مراعاة وجود العديد من المسافرين على متن الحافلة، منهم من كان متوجها إلى العمل أو الدراسة، وهناك حتى من كان قاصدا المستشفيات للعلاج، لكن المصير كان وفاتهم».
وأضاف والي سوق أهراس في تصريح للنصر، بأن قرار السحب الفوري لرخصة الاستغلال من المؤسسة الخاصة يمس كل خطوط ولاية سوق أهراس، في خطوة تحفظية، تأتي بعد يوم واحد من التعليمات الصارمة التي أصدرها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون خلال اجتماع مجلس الوزراء، وذلك عند التطرق لقضية حوادث المرور المميتة التي تشهدها العديد من ولايات الوطن في الآونة الأخيرة، والتي تلزم كل الهيئات باتخاذ اجراءات ردعية صارمة في حق المتسببين في هذه الحوادث.
و فند مدير الصحة لولاية سوق أهراس عبد الغني فريحة، كل الأخبار التي تم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأوضح في تصريح للنصر بأن الحصيلة الرسمية للحادث تمثلت في 8 قتلى، سبعة منهم هلكوا في مكان وقوعه، وقد تم تحويلهم مباشرة إلى مصلحة حفظ الجثث بمستشفى السبتي كعرار، بينما لفظ شاب يبلغ من العمر 18 سنة أنفاسه الأخيرة بمصلحة الاستعجالات بالمستشفى، لما كان الطاقم الطبي يتأهب لاخضاعه لعملية جراحية استعجالية، إلا أن حالته الحرجة جدا أدت إلى ارتفاع عدد القتلى، لكن دون ـ كما استطرد ـ « أن تبلغ الحصيلة الأرقام التي تم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
وأشار مدير الصحة في معرض حديثه للنصر إلى أن جميع الجرحى بقوا على مستوى المؤسسة الاستشفائية بسوق أهراس، دون تحويل أية حالة إلى مستشفى ابن رشد الجامعي بعنابة، مع تأكيد إخضاع ثلاثة جرحى لعمليات جراحية استعجالية، بسبب حالتهم الخطيرة جدا.
رضيع فقد والدته بينما كانت تحتضنه
وقد تحوّل مستشفى السبتي كعرار إلى قبلّة قصدها الآلاف من المواطنين، في الوقت الذي بادرت فيه بعض الجمعيات بالتنسيق مع مديرية النشاط الاجتماعي إلى تنظيم حملة استعجالية للتبرع بالدم، بينما توافد أهالي الضحايا على مصلحة الاستعجالات، في مشهد طغا عليه الصراخ وذرف الدموع، لأن رضيعا لم يطفئ بعد شمعته الثانية كان ضمن الجرحى، لكنه فقد والدته، التي كانت تحتضنه على متن الحافلة، في رحلة كانت خاتمتها مأساوية، خاصة وأن الطفل الصغير ظل يصرخ ويطلب أمه.
وأكد شهود من ضحايا الحادث في تصريحات للنصر بأن المشكل يكمن في نظام الفرامل، حيث صرح المسافر (رضا .خ) البالغ من العمر 27 سنة قائلا :” لقد كانت الرحلة عادية إلى غاية مغادرة بلدية المشروحة، لأننا تفاجأنا هناك بزيادة سرعة الحافلة، وفي تلك الأثناء أخبرنا القابض بأن نظام الفرامل تعطّل عن العمل، وأن السائق يحاول تدارك الوضع والتحكم في المركبة، إلا أنه لم يتمكن من ذلك، فلم يجد أي طريقة للتحكم في المركبة، التي اصطدمت بالجدار الخرساني، ومنذ تلك اللحظة فقدت الوعي، ولم أستفق سوى وأنا في المستشفى”.
“تفاجأنا بزيادة سرعة المركبة عند المنعرجات”
أما (العمري . ح) فصرح للنصر بالقول: “ لقد ركبت الحافلة من بلدية المشروحة، وكنت متجها إلى عنابة، لكن وبعد تجاوز نقطة الدوران في مخرج المشروحة تفاجأنا بزيادة سرعة المركبة، وفي تلك الأثناء كان هناك تواصل بين السائق والقابض، والذي طلب منه معاينة نظام الفرامل، فقام القابض بفتح علبة صغيرة وسط الحافلة، في محاولة لاصلاح العطب، وقد طمأننا السائق بأنه سيتمكن من التحكم في المركبة بعد تجاوز هذه المنعرجات، وهو ما فشل فيه، بعدما أصبحت الحافلة تسير بسرعة جنونية في المنحدر، وبعد الاصطدام بالجدار الاسمنتي انقلبت الحافلة، وقد كنت راكبا في الكراسي الخلفية، وإصابتي كانت بكسر على مستوى اليد اليسرى، وقد نزلت من الحافلة على مستوى الواجهة الزجاجية الخلفية، لأنني صدمت بوجود الكثير من الركاب مرميين على مستوى الرواق الداخلي للمركبة، وسط صراخ العديد من الجرحى، دون أن نعلم بوجود قتلى”.
و حمّل المسمى (مصطفى - ب) كامل المسؤولية في الحادث لسائق الحافلة، وصرّح بالقول : “ لقد امتطيت الحافلة من بلدية المشروحة، متجها إلى بلدية عين بن بيضاء، كوني أعمل على مستوى مصالح الأمن العمومي، و المركبة كانت قد انطلقت من محطة سوق أهراس على متنها 8 ركاب فقط، وحتى القابض كان في الانتظار معنا على مستوى المشروحة، وقد شرع بمجرد ركوبه في منح التذاكر لبعض الركاب، ولو أننا لاحظنا منذ الوهلة الأولى بأن الحافلة تسير بسرعة كبيرة، وقد طلبت حينها من السائق التوقف عند مخرج بلدية المشروحة قبل الوصول إلى المنعرجات، إلا أنه أصر على مواصلة الرحلة، وكان قد تواصل مع القابض، وطلب منه معاينة نظام الفرملة، لكن هذا الطلب جاء بعد فوات الأوان، لأن الحافلة كانت قد بلغت منحدرا خطيرا، ليفشل في التحكم في المركبة، فوقعت الكارثة، وشخصيا أحمّله كامل المسؤولية، ويجب أن يحاسب، خاصة وأن الركاب الذين امتطوا الحافلة من المشروحة لم تكن بحوزتهم التذاكر، كما أن السائق وبعد وقوع الحادث قفز من المركبة، ولاذ بالفرار إلى الغابة المحاذية لبلدية المشروحة”.
قائمة الضحايا
ـ بن رجم عبد الوهاب (42 سنة) من ولاية قالمــة
ـ بن سلطان دنيا (21 سنة) من ولاية سوق أهراس
ـ بن سلطان التوهامي (17 سنة) من ولاية الطارف
ـ حزايمية مسعود (52 سنة) من ولاية سوق أهراس
ـ مخلوف نوال (37 سنة) من ولاية سوق أهراس
ـ بلهاني إبتسام (27 سنة) من ولاية الطارف
ـ عجايلية فتيحة (58 سنة) من ولاية سوق أهراس
ـ جوايدية بوجمعة ( سن غير محدد) من ولاية الطارف
صالح فرطــاس
الرئيس تبون يعزي عائلات ضحايا الحادث
تقدم رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، بتعازيه الخالصة إلى عائلات ضحايا حادث المرور الذي وقع صبيحة أمس الثلاثاء بين عنابة وسوق أهراس وأسفر عن هلاك ثمانية أشخاص وإصابة 22 آخرين بجروح.
وكتب السيد تبون في تغريدة له على حسابه الرسمي في تويتر: "بحزن شديد، أعزي عائلات ضحايا حادث المرور المأساوي الذي وقع بين عنابة وسوق أهراس ونزل علينا خبره هذا الصباح كالصاعقة".
وأضاف الرئيس تبون قائلا: "أمرت الوزير الأول ووزير العدل منذ حادث مماثل بوادي سوف، قبل أيام، ببحث سبل تجريم هذه الظاهرة وتنظيم صارم للمهنة على الفور. إنا لله وإنا اليه راجعون".
ولدى ترأسه الاثنين اجتماعا لمجلس الوزراء، أمر الرئيس تبون بتشديد الإجراءات الصارمة بالتنسيق مع وزارة العدل ضد السلوك الإجرامي في السياقة وخاصة بالنسبة لوسائل النقل الجماعي والمدرسي, ووجه باستعمال الوسائل العصرية لمراقبة السرعة عن بعد, وحث على الانتقال إلى مرحلة الردع المضاعف للغرامات للحفاظ على الأرواح البشرية.
كما أمر السيد تبون بإضاءة الطرق السريعة وتفقد إشارات الطرق بشكل منتظم, طالبا باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لتجريم سلوك سائقي حافلات النقل العمومي والمدرسي الذين يتسببون في ضحايا بسبب خطأ بشري ناجم عن الإهمال أو التهور واللامسؤولية, اضافة الى وجوب أن تشمل الإجراءات المستخدمين الذين وظفوا السائقين قبل التأكد من صحتهم النفسية والعقلية ومسارهم المهني.
وطلب بالمناسبة من وزارة الشؤون الدينية المشاركة في التحسيس للوقاية من حوادث المرور عن طريق المساجد والأئمة.