تبنت الحكومة مقاربة جديدة في مجال التعاون الاقتصادي مع الدول الإفريقية، من خلال التركيز على مشاريع اقتصادية في قطاعات مختلفة، بعدما كانت مرتكزة أساسا في مشاريع نفطية تنفذها سوناطراك عبر عقود للتنقيب عن النفط في دول غرب إفريقيا والساحل، واتضح جليا وجود رغبة لدى السلطات الجزائرية، للعب دور اكبر في المجال الاقتصادي من خلال الدفع ببعض الشركات العمومية، والخاصة الجزائرية للاستثمار في إفريقيا، ويأتي تكملة للجهود المبذولة لمعالجة الأزمات والنزاعات الداخلية في بعض الدول.
بالموازاة مع المساعي السياسية والدبلوماسية التي تقوم بها الجزائر لحل الأزمات في منطقة الساحل، ودول غرب إفريقيا، تبنت الحكومة مقاربة جديدة تتمثل في توسيع التعاون الاقتصادي مع دول القارة، وتجلى ذالك من خلال اللقاءات التي جمعت وفود رجال الأعمال الجزائريين والأفارقة في الفترة الأخيرة والتي توجت بالتوقيع على اتفاقيات لإقامة مشاريع مشتركة في دول افريقية، في مبادرة لإعادة الجزائر إلى الخارطة الاقتصادية في إفريقيا بعد سنوات من التراجع.
ويتضمن برنامج الحكومة، شقين الأول يتمثل في إطلاق مشاريع شراكة مع مؤسسات عاملة في إفريقيا، تسمح بنقل التكنولوجيا وتحقيق أرباح قد تعوض الخسائر التي تتكبدها الشركات بالجزائر جراء المنافسة الأجنبية، وكذا من جانب أخر، رفع التبادل التجاري مع الدول الإفريقية المجاورة والبعيدة لكي يصل في غضون 10 سنوات إلى 5 مليار دولار. عبر مشاريع للبنى التحتية كشق الطرقات نحو دول افريقية وهي مشاريع تسمح بتطوير المدن الجنوبية وخلق مناص شغل بها.
وتم الشروع في تنفيذ أولى خطوات الإستراتيجية الحكومية الجديدة، من خلال عقد لقاءات مع رجال أعمال من التشاد والسنغال، على هامش زيارة رئيسي البلدين إلى الجزائر، وتم خلال اللقاء الذي عقد مع وفد الأعمال السنغالي توقيع اتفاق يتعلق بإنشاء شركة مختلطة لإنتاج المستلزمات الطبية بين المؤسسة الجزائرية للصناعات الطبية – الجراحية، و الشركة السنغالية “كارفور - ميديكال”، تتعلق بإنجاز وحدة لصناعة التجهيزات الطبية الموجهة لتغطية احتياجات المستشفيات فيما يخص تصفية الدم وغيرها. وتقدر قيمة المشروع بـ9 ملايين أورو، سيتكفل الطرفان بتمويله بنسبة 50 في المائة لكل طرف، كما سيتم إنجاز مقر الشركة بداكار، وهو المشروع الذي سيدخل حيز التشغيل خلال السداسي الأول من سنة 2016.
وأكد الرئيس السنغالي ماكي سال بان بلاده مستعدة لتشجيع الاستثمارات الجزائرية، وهو نفس الالتزام الذي قدمه الرئيس التشادي إدريس ديبي خلال الكلمة التي ألقاها أمام رجال الأعمال الجزائريين، حيث قال أن بلاده ترغب في استقبال الاستثمارات الجزائرية. فيما أعرب وزير الصناعة والمناجم عبد السلام بوشوارب، عن استعداد الحكومة الجزائرية لمرافقة المؤسسات الجزائرية من أجل انجاز مشاريع استثمارية في إفريقيا.
ولحد الآن اقتصر الاستثمار في إفريقيا على المشاريع التي تنفذها سوناطراك في بعض الدول على غرار موريتانيا ومالي، إلا أن هذه الأخيرة قررت في الفترة الأخيرة وبسبب تراجع مستوى الإنتاج في حقول النفط بالجزائر، توسيع عملياتها للاستكشاف والتنقيب عن النفط في 7 دول إفريقية والبحث عن البديل لتعويض خسائر تراجع سعر البترول، ومن المنتظر الشروع في تنفيذ البرنامج الجديد قريبا. بعد إبرام صفقات للتنقيب في مالي والنيجر وبوركينافاسو والتشاد وموريتانيا وخليج غينيا وغرب إفريقيا وتشمل مشاريع استخراج النفط والغاز والمعادن والأحجار الثمينة.
كما أبدى رجال أعمال خواص على غرار رجل الأعمال «يسعد ربراب»، صاحب شركة «سيفيتال»، رغبته في تطوير مشاريع في مجال الصناعة الغذائية في دول افريقية على غرار ساحل العاج، السودان وإثيوبيا.
حيث استقبل قبل فترة وفدا سودانيا رفيع المستوى تناول معه فرص الاستثمار في مجال التصنيع الغذائي والزارعة في السودان. كما قام بزيارات إلى ساحل العاج وكينيا وإثيوبيا والكاميرون، وفتح مفاوضات مع حكومة ساحل العاج لاستئجار 300 ألف هكتار من الأراضي الزراعية التي تنوي استخدامها في البداية لزراعة الأرز وإقامة مصنع للكاكاو.
ولمرافقة هذه المشاريع، قررت شركة الخطوط الجوية الرفع خلال الثلاث سنوات المقبلة من عدد رحلاتها إلى عواصم إفريقية. وبذالك منافسة الخطوط الجوية الملكية التي تمتلك عدة خطوط جوية نحو عواصم افريقية. وهو ما يسمح للجوية الجزائرية في مرحلة لاحقة لعب دور الرابط بين دول إفريقية وعدد من العواصم الأوروبية ومنها روما وباريس ولندن وتكون العاصمة الجزائر نقطة محورية في هذه الرحلات.
وستسمح هذه الإستراتيجية الممتدة على عدة سنوات، بإعادة الجزائر إلى الخارطة الاقتصادية الإفريقية، بعدما كانت لسنوات حكرا على الشركات الأجنبية، وبعض الشركات المغربية، خاصة وان المغرب أضحى من بين اكبر المستثمرين في القارة، وهو ما مكنها من استغلال تواجدها الاقتصادي، للتأثير على بعض القضايا السياسية خاصة فيما يتعلق بملف الصحراء الغربية، و تمثل إفريقيا سوقا ضخمة لأكثر من 800 مليون نسمة، ويتوقع أن تصل، وفقا لتقديرات الأمم المتحدة، إلى أكثر من 1.3 مليار نسمة في عام 2030.
أنيس نواري