تستأنف اليوم العديد من النشاطات الاقتصادية والتجارية و الخدماتية بعد توقف لأزيد من شهرين ونصف، بسب تفشي فيروس كورونا كوفيد 19 في بلادنا وما تبعه من إجراءات صحية وقائية، وتضع هذه العودة المواطن في قلب معادلة الحفاظ على الصحة العمومية وعلى المكاسب المحققة و الأشواط المقطوعة في سبيل التغلب على هذه الجائحة.
يدخل اليوم المخطط الذي كشف عنه الوزير الأول، عبد العزيز جراد، مساء الخميس الماضي، و المتعلق بالخروج التدريجي والمرن من الحجر الصحي حيز التطبيق في مرحلته الأولى، والتي تخص استئناف العشرات من النشاطات الاقتصادية والتجارية والخدماتية، وفق خارطة وقائية مدروسة وتدابير صحية مرفقة يجب أن يتقيد بها كل معني بالعملية من التاجر إلى رب العمل والعامل، إلى الزبون.
ويأمل أغلبية المواطنين عدم تكرار تجربة شهر رمضان المنصرم عندما قررت خلاله الحكومة السماح بالعودة إلى ممارسة بعض النشاطات التجارية، لكن فئة من المواطنين لم يكونوا في المستوى المطلوب ولم يتقيدوا بالتدابير الوقائية، ما جعل عدد الإصابات بفيروس كورونا يرتفع و ترتفع معه أصوات المجتمع المطالبة بتوقيف هذه النشاطات وعدم المغامرة، وهو ما أقدمت عليه الحكومة بعد أيام قليلة فقط .
واليوم وبعد أزيد من شهرين ونصف منذ قرار السلطات العمومية توقيف النشاطات التجارية والخدماتية والاقتصادية وغلق المطارات والموانئ وتوقيف حركة النقل بمختلف أنواعه، بعدما سجلت البلاد في ذلك الوقت تزايد عدد الإصابات بالفيروس القاتل، ارتفعت أصوات تطالب بالعودة إلى ممارسة النشاطات التجارية والاقتصادية بالنظر للوضع الاجتماعي الصعب الذي خلفه الحجر الصحي، وآثاره على الفئات الهشة والضعيفة والذي لمسه الجميع.
وبدا منذ البداية أن الحجر الصحي والتدابير التي يحويها ستؤثر لا محالة ليس فقط على الفئات الهشة ضعيفة الدخل، بل على النشاط الاقتصادي العام للبلاد، لكن لم يكن هناك خيار آخر لمواجهة الفيروس في بداية الأمر، وهذا ما ذهبت إليه كل دول العالم، وواضح أيضا أن صحة المواطن تبقى هي الأهم في هذا المجال.
وبعد معركة يمكن القول أنها لم تكن سهلة مع جائحة كورونا تجندت فيها كل فئات المجتمع من أجل تجاوز هذه الأزمة الصعبة وبعد مراحل من التعامل مع الوباء، بدأت البلاد تتعافى شيئا فشيئا منه، كما تدل على ذلك الأرقام والإحصائيات التي تقدمها يوميا وعلى مدار أكثر من شهرين اللجنة العلمية المكلفة برصد ومتابعة تفشي وباء كورونا.
وبالموازاة مع هذا التحسن المسجل قدمت قبل أيام قليلة الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين الجزائريين عريضة للسلطات العمومية من أجل السماح باستئناف بعض النشاطات التجارية والاقتصادية تدريجيا للتخفيف من وطأة الأزمة على مئات الآلاف من العائلات الجزائرية التي تضررت من الحجر الصحي، وكانت هذه العريضة تعبر عما كانت أغلبية الناس تأمله، ولا يخفى على أحد حجم الآثار الاجتماعية للحجر الصحي، على الرغم من أن الدولة لم تتخل عن الفئات الهشة والضعيفة التي تضررت منه وسارعت إلى تقديم منحة خاصة للتعويض عن ذلك.
وقد استجابت الحكومة بعد تلقيها الضوء الأخضر من اللجنة العلمية المكلفة برصد ومتابعة انتشار الفيروس للمطالب ووضعت لذلك خارطة طريق للخروج التدريجي والمرن من الحجر الصحي عبر مراحل ، الأولى تبدأ اليوم بعودة 27 نشاطا اقتصاديا وتجاريا وخدماتيا، والثانية تستكمل بداية من 14 جوان الجاري.
وعلى الرغم من إرفاق خارطة الطريق هذه بتفاصيل وشروح كبيرة حول التدابير الوقائية والصحية التي على الجميع أن يتقيد بها بصرامة خلال العودة إلى النشاط، إلا أن العامل الحاسم في نجاح الخطة وفي المعادلة ككل هو المواطن، بل وعي المواطن.
فعلى هذا الوعي يتوقف نجاح الجزء الأول من خطة الخروج من الحجر الصحي والتمهيد للجزء الثاني المتبقي، ووعي المواطن هو السلاح الأول في هذه المرحلة لمواصلة التغلب على وباء كورونا، بعد المراحل السابقة التي لعبت فيها فئات اجتماعية أخرى في مقدمتها السلك الطبي دورها كما يجب.
إذن اليوم سيكون المواطن في الصف الأول وفي المقدمة في ما تبقى من مراحل الحرب ضد كورونا كوفيد 19، وعلى سلوكه وحسه المدني تتوقف نتيجة المعركة النهائية.
وليس المطلوب من كل فرد جزائري البحث عن دواء لعلاج الوباء أو المغامرة في وسط المصابين وفي المستشفيات والمخابر فلهذه المهمة نساؤها ورجالها، لكن المطلوب منه بسيط، وهو التقيد بالتدابير الوقائية التي أوصت بها السلطة الصحية في البلاد، والتي تختصر في ارتداء الكمامة واحترام التباعد الاجتماعي، و احترام قواعد النظافة و تجنب التجمعات خاصة إذا لم تكن الحاجة إليها ضرورية، وهذا كله لا يتطلب جهدا كبيرا بل سلوكا حضاريا بسيطا يستطيع أي فرد أن يقوم به بكل سهولة.
واليوم فإن الرهان منصب على وعي وسلوك المواطن للحفاظ على ما تحقق من مكاسب في سبيل التغلب على هذه الأزمة، وإضافة مكاسب أخرى.
إلياس -ب