تسبب تأخر وصول طلبية شحنة الفحم لمركب الحجار بعنابة، في توقف نشاط الفرن العالي رقم 2 خلال اليومين الأخيرين، وعدم إمداد جميع الوحدات بالحديد الزهري، الموجه لصناعة المواد الحديدية الطويلة والمسطحة.
و قال مصدر عليم للنصر، إن نفاد مخزون الفحم لتشغيل المركب سابقة لم تحدث من قبل، حيث تقدم طلبات الاستيراد بشكل دوري حسب معدل الاستهلاك، لضمان العمل المستمر للفرن العالي دون انقطاع. وترجع مصادرنا سبب تأخر وصول الشحنة إلى عدم قدرة المركب على دفع القيمة المالية للشحنة، مما تطلب تقديم طلب للبنوك للحصول على قرض، لكن البنوك ترفض تقديم القروض للمركب بدون ضمان، إذ في كل مرة تتدخل السلطات المركزية لحل هذه الإشكالية، حيث تم تقديم اقتراح بعد تسوية الملكية العقارية للمركب ونقل الملكية من المؤسسة المحلة للمؤسسة الحالية، برهن الوعاء العقاري مقابل الحصول على القروض، وهو الاقتراح الذي لم يحظ بالإجماع لدى أعضاء مجلس الإدارة.
وتشير مصادر أخرى، إلى وجود أطراف افتعلت مشكل نفاد الفحم، عن طريق تعطيل الإجراءات الإدارية لتقديم طلب الشراء، لتحميل المسؤولية للإدارة الحالية، وهي قضية محل تحقيق من قبل الأجهزة الأمنية، إلى جانب ملفات أخرى تجري متابعتها داخل المركب.
للتذكير فقد توقف الفرن العالي رقم 2 في سنتي 2019 و 2020 عدة مرات، لأسباب مختلفة، منها توقف الإمداد بالمادة الأولية من منجمي بوخضرة و الونزة على مرتين، الأولى بسبب إضراب عمال المنجمين، والثانية على خلفية حادث خروج عربات القطار من السكة، و توقف أيضا بسبب أزمة الجفاف وتوقف الإمداد بالمياه من سد ماكسة، و كذا الفيضانات التي ضربت عنابة و تسببت في شلل كامل بوحدات المركب، إضافة إلى وقف العمال المضربين للإنتاج، و سقوط رافعة نقل المواد الأولية، و صولا إلى توقف الإنتاج بسبب الوباء.
وأمام المشاكل التي تؤدي لتوقف الفرن العالي رقم 2 أصبحت تقنية التشغيل بالفحم عائقا أمام استمرار نشاط المركب، وفي ذات السياق كان الوزير الأول عبد العزيز جراد، قد أعطى بتاريخ 13 سبتمبر 2020 إشارة تفكيك هيكل الفرن العالي رقم 1 و الشروع في استغلال بقايا المواد الحديدية المكدسة كمادة أولية بالمركب في إنتاج مواد صناعية، تستغل لبعث صناعات تحويلية أخرى، حيث يمثل الفرن العالي رقم 1 غير المستغل منذ سنة 2009 حوالي 150 ألف طن من بقايا مواد حديدية غير مستغلة ستغطي احتياجات المركب لمدة تقارب 6 أشهر.
وأوضح تقنيون سابقون بمركب الحجار للنصر، بأن إنتاج الحديد الزهري عن طريق الفرن التقليدي الذي يشتغل بالفحم، أصبحت تقنية غير مجدية ومكلفة من جانب الصيانة، ولا تسمح بتطوير الإنتاج، ما يستوجب الاعتماد على تقنية الأفران الكهربائية وخلق خط إنتاج جديد، كما هو معمول به في بطيوة وبلارة.
و يعيش مركب الحجار حالة لا استقرار، بظهور أزمة تلو الأخرى، لم تسمح له بتحقيق انطلاقة حقيقية، وبلوغ الأهداف المسطرة بالوصول الى إنتاج 1 مليون طن سنويا من الحديد، بالمقابل نجح مركب بلارة في ظرف وجيز في تحقيق قدرة إنتاج وصلت 2 مليون طن، بالاعتماد على مادة أولية مستوردة، عكس مركب الحجار الذي يتزود بمادة الحديد الخام من منجمي بوخضرة و الونزة بتبسة.
كما تشير معلومات إلى وجود مشاكل على مستوى الطاقم الإداري المسير بمركب الحجار، وعودة الصراع من جديد بين المديرية العامة ومجلس الإدارة، و تلويح المدير العام الحالي رضا بلحاج بالاستقالة، حيث تم في التعيينات الأخيرة فصل منصبي رئيس مجلس الإدارة والمدير العام عن بعضهما بتعيين بلحاج مديرا و السيدة لبيوض رئيسة لمجلس الإدارة، فيما كان يجمع معطى الله شمس الدين قبل إجراء التغيير، بين منصبي المدير العام ومجلس الإدارة.
وكانت الإدارة الجديدة، قد طرحت إستراتيجية جديدة، ترتكز على التقليل من التكاليف والنفقات والتوجه الى استكمال مخطط الاستثمار، من أجل المنافسة في السوق، بعد أن واجه المركب أزمة كساد مادة الحديد الموجه في البناء بنقاط البيع، لارتفاع ثمنه مقارنة بالمنتجات المصنعة في مركبي بلارة و بطيوة وحتى المستوردة منها.
كما عملت الحكومة على إصدار تعليمة وجهت للمؤسسات العمومية تلزمها باقتناء مادة الحديد من مركب الحجار، لتسهيل تسويق منتجاته، و أرجع المدير العام للمركب في تصريح سابق للنصر سبب ارتفاع تكلفة الإنتاج إلى قدم العتاد و إنفاق أموال كبيرة على الصيانة والترميم،
و كانت وزارة الصناعة قد تبنت إستراتيجية جديدة في نشاط صناعة الحديد والصلب، بخلق التخصص في كل مركب للتقليل من حدة المنافسة وحماية مردودها، وتم وضع مركب الحجار كمورد للصناعة التحولية بمجال صناعة الأنابيب وتمويل شركات سونلغاز سونطراك وكذا نفطال، فضلا عن تقديم نماذج لصناعة الغيار الثقيلة، سواء في تركيب السيارات، أو صناعة الأجهزة الكهرومنزلية وغيرها من الصناعات.
و رغم الخطط والحلول المتنوعة التي قدمتها السلطات المركزية لإنعاش مركب الحجار، إلا أنها تبقى محدودة النجاعة، بسبب المشاكل المتجددة التي تظهر في كل مرة، سواء تقنية أو عمالية وحتى تسييرية.
في سياق متصل، أكد الوزير الأول عبد العزيز جراد في زيارته الأخيرة للمركب، بأن الدولة غير قادرة على تحمل ضخ أموال جديدة ، داعيا المسيرين إلى تحمل مسؤولية النهوض بالمركب وتجاوز المشاكل المطروحة، بعد رصد أرصدة مالية ضخمة في تجسيد مخطط الاستثمار.
حسين دريدح