حرص رئيس الجمهورية السيد، عبد المجيد تبون، خلال اجتماع مجلس الوزراء الأخير على ضرورة أن تأخذ الانتخابات التشريعية المنتظرة صورة أخرى مغايرة لتلك الصورة النمطية غير الطيبة التي ترسخت منذ سنوات لدى الرأي العام عن الاستحقاقات الانتخابية بجميع أنواعها، وذلك من خلال التوجيهات التي أسداها للحكومة، الخاصة بمضمون القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات.
ويتجلى حرص رئيس الجمهورية من خلال التوجيهات والتوصيات التي أكد وشدد عليها في ختام مناقشة مشروع القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات الذي صادق عليه مجلس الوزراء أول أمس، وهي التي كانت بمثابة تأطير حقيقي للعملية الانتخابية في المستقبل.
ولم يفوت رئيس الدولة المناسبة للإلمام- من خلال هذه التوجيهات- بجميع أوجه ومراحل ومناحي العملية الانتخابية من بدايتها إلى نهايتها، وسد بالتالي جميع الثغرات والنقائص التي قد تسجل هنا أو هناك.
فالتوصية برفع نسبة ترشيح الشباب في القوائم الانتخابية من الثلث إلى النصف ستعطي فرصة أكبر لهذه الفئة كي تكون في المجلس الشعبي الوطني القادم بقوة، وهي الفئة التي كانت تعاني من التهميش في وقت سابق بحكم عدة عوامل، وعلى هذا النحو فإن ضمان حصول نسبة معتبرة من الشباب على مقاعد البرلمان بات مؤكدا، ما يعطي في آخر المطاف صورة مغايرة لتشكيلة المجلس الذي وصف في وقت ما بأنه برلمان للشيوخ و كبار السن.
وما الحرص أيضا على خفض سن الشباب إلا تدعيم لما سبق ذكره، بحيث لا يمكن للأحزاب السياسية أن تتحايل على فئة الشباب بل من المفروض عليها أن تضع ضمن قوائمها شبابا في مقتبل العمر.
أما ما تعلق برفع حصة الجامعيين إلى الثلث ضمن القوائم الانتخابية التي أمر بها الرئيس تبون في ختام مناقشة مشروع القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات فإن الهدف منه واضح وهو إعطاء فرصة أكبر لحملة الشهادات كي يحصلوا هم أيضا على مقاعد عديدة في البرلمان، ما يرفع من مستوى النواب ككل، وينزع بالتالي الصفات التي أطلقت على المجلس الشعبي الوطني في العهدتين المنقضيتين بسبب ترشيح من هب ودب في قوائم الأحزاب السياسية ووصول العديد من الذين لا يملكون أي شهادة إلى مقاعد مبنى زيغود يوسف على حساب حملة الشهادات وخريجي الجامعات وأصحاب الكفاءات.
والأمر ينطبق أيضا على تمثيل المرأة ضمن القوائم الانتخابية، فقد حرص تبون في هذا الجانب على تشجيع التمثيل النسوي بالمناصفة والمساواة و منح المرأة مكانة طبيعية مثل مكانة الرجل في القوائم ما سيقضي مستقبلا على نظام المحاصصة ويفرض وجود المرأة بشكل طبيعي في القوائم وفي البرلمان.
ويبقى التشديد على إبعاد المال بصفة عامة والفاسد منه بصفة خاصة بشكل كلي عن العملية الانتخابية في جميع مراحلها و أخلقة الحياة السياسية هما «مربط الفرس» بالنسبة لرئيس الجمهورية، الذي سبق له في أكثر من مناسبة أن أكد على ضرورة الفصل التام بين السياسة والمال والأعمال، وشدد على هذا النهج خلال حملته الانتخابية وبعدها، إذ أن المال الفاسد واختلاطه بالسياسة هو الذي أدى في نهاية الأمر إلى تهميش الكفاءات وأصحاب الشهادات الجامعية والشباب و النزهاء من المترشحين، وفرض فئة من أصحاب المال الوسخ التي جعلت الرأي العام يطلق على البرلمان توصيف «برلمان الشكارة» وما تبع ذلك يعرفه الجميع.
ولم يكتف الرئيس عبد المجيد تبون بهذا، بل أوصى أيضا في إطار أخلقة الحياة السياسية وسد كل منافذ المال الفاسد والتمويلات غير الشرعية بالاعتماد على محافظي الحسابات والمحاسبين المعتمدين من ولايات المترشحين نفسها من أجل مراقبة مالية دقيقة لمصادر التمويل.
وحتى بالنسبة للحملة الانتخابية فقد ألح ذات المتحدث على التحديد الدقيق لمفهومها وعناصرها ومراحلها الانتخابية، والابتعاد عن استغلال الأوضاع الاجتماعية للمواطنين أثناء الحملات الانتخابية في مظاهر تجاوزها وعي المواطنين، ما يفرض نوعا من النظافة في الخطاب الانتخابي.
ومما سبق ذكره يمكن للحدود و الأفكار التي أسداها عبد المجيد تبون والتي ستضمن في قانون الانتخابات المنتظر أن تؤطر بشكل واضح العمليات الانتخابية القادمة وأولها الانتخابات التشريعية المنتظرة في الأسابيع المقبلة، وأن تقضي على بعض الممارسات السلبية التي طبعت العملية السياسية في بلادنا بصورة عامة والعمليات الانتخابية بصورة خاصة والتي دفعت المواطن إلى النفور من المشاركة السياسية.
وواضح أن الهدف الأسمى من وراء كل هذه العمليات والتوجيهات هو إعطاء صورة جديدة للعملية الانتخابية في بلادنا مستقبلا، صورة مغايرة لتلك التي ألفها الرأي العام الوطني منذ عشرين سنة على الأقل، تلك الصورة التي عنوانها الأبرز التزوير وتدخل المال الفاسد بشكل سافر، وفرض أسماء على الناخب في القوائم الانتخابية، وهي صورة سوداء وغير صحية بطبيعة الحال. إلياس -ب