أفصحت بداية الحملة الانتخابيّة عن وجوه جديدة في أولى القوائم التي اطلع عليها الجمهور، ويتعلّق الأمر بشابات وشبان اقتحموا العمل السياسي، سواء عبر القوائم الحرة أو حتى في القوائم الحزبيّة التي خلت لأول مرة من وجوه ظلت تتكرّر في كل مناسبة انتخابية.
و تجري الحملة التي انطلقت، أمس الأول، في ظل ظروف ومتغيرات جديدة لم تعرفها الاستحقاقات الانتخابية السابقة، إن على المستوى التنظيمي و القانوني و التأطيري، أو على مستوى التحديات السياسية والاجتماعية، ولكن أيضا على المستوى الصحي في ظل القيود التي تفرضها جائحة كوفيد 19 على العالم بأسره.
أعطيت أول أمس الخميس إشارة انطلاق السباق نحو قبة المجلس الشعبي الوطني بين المتنافسين على 420 مقعدا من أحزاب سياسية وقوائم مستقلة عازمة على قول كلمتها هذه المرة، وينظم استحقاق 12 يونيو المقبل في ظل ظروف «متميزة» و»متغيرات جديدة» لم تشهدها الاستحقاقات الانتخابية الماضية
فعلى المستوى السياسي تأتي هذه الانتخابات بعد حراك شعبي سلمي دام عامين ترك بصماته على الحياة السياسية والعامة بكل تأكيد، و بكل ما حمله من تغييرات كبيرة في البلاد ومؤسساتها، وبالمسارات الجديدة التي رسمها للجزائر تبعا لذلك والتي تسير فيها اليوم، وكذلك في ظل التحديات السياسية والاجتماعية الكبيرة التي تواجهها البلاد، و تحديات وأخطار الظرف الدولي والإقليمي غير السهل السائد حاليا.
و تأتي تشريعيات 12 يونيو أيضا بعد حل المجلس الشعبي الوطني السابق الذي لم يكمل عهدته، وبعد الاستفتاء على التعديل الدستوري للفاتح نوفمبر الماضي، وأيضا بعد إقرار قانون انتخابات جديد الذي أطر بشكل واضح ودقيق العملية الانتخابية مستقبلا من جميع جوانبها ورسم حقوق وحدود تدخل كل طرف فيها.
و تعتبر الانتخابات التشريعية القادمة الأولى في تاريخ البلاد التي تشرف عليها السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات من البداية إلى إعلان النتائج وفي جميع مراحلها، إشراف قانوني و إداري ولوجيستي كامل، وهي الجهة الوحيدة التي يلجأ إليها الراغب في الترشح لطرح أي انشغال قد يطرأ.
أما العامل الآخر الجديد الذي يضاف إلى هذه الانتخابات فهو الوضع الصحي الذي فرضه انتشار فيروس كورونا كوفيد 19 والذي سيكون له التأثير الواضح على الحملة الانتخابية من حيث استبعاد عقد التجمعات والمهرجانات الشعبية الضخمة التي كانت تنظمها الأحزاب السياسية في وقت سابق في القاعات والملاعب الكبيرة والتي كانت تضم الآلاف، والاكتفاء بالتالي باللقاءات المصغرة والمحدودة فضلا عن العمل الجواري.
شباب يُقبل على السياسة ومنافسة كبيرة
وبالعودة إلى طبيعة السباق الذي فرضته انتخابات 12 يونيو وطبيعة المتنافسين تبقى الملاحظة التي تسجل للوهلة الأولى هي كثر المتنافسين وشجاعة الشباب في اقتحام هذا الميدان، فلا يخفى على أحد أن أي انتخابات سابقة لم تعرف هذا الكم من المقبلين على خوض غمار هذا الاستحقاق، والأرقام التي قدمتها السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات أحسن دليل على ذلك.
ويمكن القول دون مبالغة ولا حرج أن هذا الكم من المترشحين قد شكل مفاجأة لأكثر من متابع، فقد ساهمت التغييرات و التسهيلات التي جاء بها قانون الانتخابات -خاصة اعتماد نظام القائمة المفتوحة- و القرارات التي أوصى بها رئيس الجمهورية، بشكل كبير في خلق هذا الزخم من التدافع نحو الترشح لعضوية المجلس الشعبي الوطني.
وقد صنعت القوائم المستقلة المفاجأة بحق وهي التي فاق عددها لأول مرة عدد القوائم التي تقدمت بها الأحزاب السياسية، وهي عازمة ومصممة على قول كلمتها في نهاية الأمر.
وقد فاجأت أسماء لشباب وشابات الجميع مع بداية ظهور القوائم الانتخابية وصور المرشحين أول أمس الخميس في اليوم الأول للحملة الانتخابية خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد بدا أن شباب في مقتبل العمر من الجنسين قد اقبلوا على خوض غمار هذه المنافسة السياسية بشجاعة كبيرة ومغامرة واضحة، والكثير منهم يخوضون تجربتهم الأولى في دهاليز السياسة.
وعلى هذا النحو أظهرت مواقع وشبكات الواصل الاجتماعي صورا لشابات وشباب من مختلف الشرائح والمهن والشهادات وهم يقدمون أنفسهم بكل ثقة للناخبين في الدوائر الانتخابية التي ينتمون إليها، شباب جامعيون يحملون شهادات في مختلف التخصصات العلمية وفي مختلف الرتب الجامعية، ومن مهن مختلفة وحرة .
وقد ساعدت وسائل الاتصال الحديثة خاصة مواقع التواصل الاجتماعي كثيرا هؤلاء الشباب الذين يخوض الكثير منهم تجربة العمل السياسي لأول مرة في حياته.
ويؤشر هذا الزخم ودرجة الإقبال على الترشح للانتخابات التشريعية من هذه الفئات على أن الطبقة السياسية وتركيبة المجلس الشعبي الوطني مستقبلا مقبلة على تغييرات كبيرة في الوجوه، ومن ناحية المستوى وطريقة ممارسة العمل السياسي، وأيضا من ناحية المنابع الاجتماعية والسياسية التي عادة ما ينبثق منها النواب.
انطلاقة محتشمة كالعادة
وكما جرت العادة في مثل هذه المناسبات الانتخابية فقد كان اليوم الأول من الحملة الانتخابية محتشما بما أنه أول اتصال بين المترشحين و الأحزاب السياسية والناخب أو المواطن بصفة مباشرة، وعليه فقد اختلفت صور اليوم الأول من الحملة الانتخابية حسب إستراتجية وبرنامج كل حزب وكل مترشح في القوائم المستقلة.
فقد فضلت أحزاب مثل جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي في اليوم الأول عقد لقاءات داخل مقراتها الوطنية لمترشحين ومنتخبين بولايات الوسط المحيطة بالعاصمة، كما نظم الأمين العام لحركة النهضة لقاءا شعبيا بحي باش جراح الشعبي بالعاصمة، فيما فضل جيلالي سفيان عقد لقاء جواري والالتقاء مباشرة مع المواطنين، وأعلن القيادي في جبهة العدالة والتنمية لخضر بن خلاف- مفوضا من الشيخ جاب الله- انطلاق حملة حزبه بوقفة رمزية في العاصمة أمام مقر البريد المركزي وتنظيم تنقل في بعض شوارع العاصمة.
هو الأمر بالنسبة لقادة أحزاب سياسية أخرى التي فضلت لقاءات جوارية في اليوم الأول مثل جمال بن عبد السلام رئيس جبهة الجزائر الجديدة الذي عقد لقاء جواريا بغرب البلاد، أما عبد القادر بن قرينة وبلعيد عبد العزيز وعبد الرزاق مقري وآخرين فقد عقدوا في اليوم الأول تجمعات شعبية في ولايات عدة.
وعلى العموم فقد تميز خطاب الحملة الانتخابية في يومها الأول بدعوة المواطنين للمشاركة بقوة في الانتخابات لبناء مؤسسات الدولة والمساهمة في بناء الجزائر الجديدة بغض النظر عمن سيصوتون لصالحه.
أما المترشحين في القوائم المستقلة فإن إستراتجيتهم ترتكز بالأساس على العمل الجواري واللقاء المباشر مع المواطنين في الشوارع والمقاهي وغيرها، وعيونهم أيضا على العمل عبر شبكات التواصل الاجتماعي التي تبقى من الوسائل الناجعة بالنسبة لهم.
إلياس -ب