•التسول من أبرز أسباب حالات فصل الأطفال عن ذويهم
كشف قانونيون و قضاة أحداث في ندوة وطنية احتضنتها أمس جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، أن من أبرز أسباب فصل الأطفال عن ذويهم، استغلالهم في التسول، و ذكروا بعض الثغرات الموجودة في قانون 15/12 الخاص بحماية الطفل في شقه المتعلق بالحماية الفضلى للطفل، حيث أن المواد التي يتضمنها ردعية، أكثر منها حامية للبراءة، فيما دقت قاضية أحداث بمجلس قضاء قسنطينة ناقوس الخطر، بخصوص تنامي ظاهرة جنوح الأطفال، حيث زاد عدد الأطفال الجانحين بأكثر من 50 بالمئة، مقارنة بالسنة الفارطة.
في ندوة علمية بعنوان « فصل الأطفال عن ذويهم، بين الضرورة و القيود»، نظمتها كلية أصول الدين، بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، بالشراكة مع مجلس قضاء قسنطينة و مديرية النشاط الإجتماعي للولاية، أكد مختصون في القانون و قضاة، أن الأسرة قد تتحول في بعض الحالات، إلى محيط خطير، يهدد سلامة الطفل و مصلحته الفضلى، كالإساءة إليه بدنيا أو إهماله و حرمانه و استغلاله في التسول، و في ممارسات لا أخلاقية، ما يستدعي، حسب النائب العام المساعد لدى مجلس قضاء قسنطينة عبد الغاني بن عميرة، اتخاذ تدابير لتوفير الحماية له، كفصله عن أحد الوالدين أو كليهما، فصلا مؤقتا، لمدة ستة أشهر أو سنتين قابلة للتجديد أو فصلا نهائيا، ليتم بعد ذلك دمجه في بيئة جديدة تضمن رعاية بديلة، سواء كانت أسرة حاضنة، أو أسرة بديلة من خلال كفالته، أو بمؤسسات الرعاية المختصة، مع إبقاء الاتصال بأسرته الطبيعية متاحا، وفق شروط معينة، أو اللجوء إلى منع الاتصال به و نقله إلى مكان غير معلوم لذويه، لضمان حمايته، كما تحدث النائب العام المساعد عن دور الجهاز القضائي في التعامل مع هذه الإشكالية، و كيفية الاستعانة بأعوان الوسط المفتوح.
و استهلت مريم عواطي، قاضي الأحداث بمحكمة قسنطينة، مداخلتها حول «المصلحة الفضلى للطفل في ضوء التشريع الجزائري»، بالحديث عن آليتين قانونيتين وضعهما المشرع الجزائري لحماية المصلحة الفضلى للطفل في حالة خطر، و هما الحماية الاجتماعية و القضائية، مشيرة إلى أن المشرع الجزائري ميز بين أنواع الخطر، فهناك المادية و أخرى معنوية، و تشمل المادية فقدان الطفل لوالديه و بقائه دون سند عائلي، و تعرضه للإهمال و التشرد، و سوء المعاملة و التعذيب أو حرمانه من الأكل، أو أي سلوك يؤثر سلبا على عاطفته و توازنه النفسي، كالتسول به، وهي من الظواهر الأكثر شيوعا، التي أخذت منحى تصاعديا.
كما أن هناك أخطار أخرى تستدعي تدخل الجهات الوصية و إبعاد الطفل عن ذويه ، كاستخدامه في الممارسات اللاأخلاقية، و كذا الاستغلال الاقتصادي كحرمانه من مواصلة الدراسة، و حثه على العمل وغيرها، أما الأخطار المعنوية فتشمل المساس بحقه في التعليم، و سوء التربية و عجز الوالدين على التحكم في تصرفات الطفل و التقصير في مراقبة سلوكه و تنشئته على عادات و تقاليد منافية لمجتمعنا و ديننا، و الإخلال بأمنه النفسي و العقلي، ما يجعل نموه غير طبيعي و يؤدي إلى انحرافه.
في المقابل انتقدت القاضية ضمنيا قانون 15/12 الخاص بحماية الطفل، و ذلك في شقه المتعلق بالحماية الفضلى للطفل، قائلة بأنه تضمن مواد ردعية أكثر منها مواد لحمايته، حيث تضمن مادة فقط حول المصلحة الفضلى للطفل، و هي المادة 7. و أشارت إلى أن هذا القانون لم يتضمن تدابير حماية للطفل، و لم يعرف مصلحته الفضلى، و تركها مفتوحة للقاضي، الذي يعد الوحيد المخول له اتخاذ التدابير التي يراها مناسبة، فيما لا توجد وسائل حماية كافية للطفل، و طرحت في هذا السياق بعض العراقيل التي تقف عائقا أمام الجهات الوصية، و بالأخص قاضي الأحداث لضمان تدخل أسرع و أنجع، في مقدمتها نقص الهياكل و المؤطرين ما يحول دون بلوغ الأهداف المرجوة، و يجعل القاضي مقيدا، حيث لا يمكنه مثلا في حالة إبلاغه بوجود طفل في حالة خطر التنقل تلقائيا.
و بخصوص الجهة المخول لها إجراء التحقيق الإجتماعي، قالت بأن الوسط المفتوح هو المسؤول عن ذلك، فبعد التحقيق الذي يجريه القاضي مع الطفل و الولي، يتم إجراء البحث الاجتماعي، و بناء عليه يتخذ القاضي التدابير اللازمة لحماية الطفل و هي موجودة في المادتين 34 و 35 .
و شددت المتحدثة على ضرورة مراجعة القانون الذي تنص معظم مواده على التدابير التي يتخذها القاضي خلال مراحل التحقيق، و مراحل إجراء المحاكمة و طريقة الوضع في المراكز، لكنه لم ينص، كما أوضحت، على الإجراءات التي تحمي الطفل، لوضع حد لظاهرة جنوح الأطفال التي تشهد تناميا خطيرا.و قدمت القاضية عينة من قسم الأحداث بمحكمة قسنطينة ، حيث تم تسجيل العام الفارط أكثر من 200 حالة، فيما فاق العدد في السداسي الأول من السنة الجارية ما يفوق 200 حالة، و تتعلق بأطفال يبلغون 10 سنوات فما فوق، بعد أن كانت الظاهرة منتشرة وسط الأطفال الكبار، مرجعة السبب إلى عدم قيام الأسرة بالدور المنوط بها، و ارتفاع معدل الطلاق، و غيرهما.
و تطرق المفتش كمال بن رجم، ممثل عن مديرية النشاط الاجتماعي لولاية قسنطينة ، إلى الآليات و الأجهزة و المؤسسات التي وضعتها وزارة النشاط الاجتماعي للتكفل بهذه الشريحة، منها المؤسسات المتخصصة في حماية الطفولة و المراهقة في وضع اجتماعي صعب و المعرضة لخطر معنوي، و تتمثل في المراكز المتخصصة في إعادة التربية و عددها 31 مركزا على المستوى الوطني، فيما بلغ عدد المراكز التي تتكفل بحماية الطفولة حوالي 9 مراكز، و عدد المراكز المتعددة الخدمات لوقاية الشباب 5 مراكز، و هي مؤسسات تسير وفق نظام داخلي ، تحت إشراف قضاة الإحداث، حيث يخول لقاضي الأحداث و الجهات القضائية الخاصة بالأحداث فقط، وضع الأطفال فيها ، كما يجوز للوالي أن يأمر في الحالات الاستعجالية، بوضع الطفل في خطر في هذه المؤسسات لمدة لا تتجاوز 8 أيام و يجب على مدير المؤسسة إخطار قاضي الأحداث فورا بذلك. أسماء بوقرن