ارتكبت فرنسا عشرات الجرائم و المجازر بمنطقة بني ميسرة بأعالي جبال حمام ملوان بولاية البليدة، ويتحدث في هذا الإطار الكاتب والأديب رابح خدوسي أحد سكان المنطقة للنصر عن هذه المجازر والأعمال الإجرامية البشعة التي لم يسلم منها حتى الأطفال الذين تم قصفهم بواسطة مروحية داخل الغابات، كما قتلت القوات الفرنسية 27 شهيدا في مجزرة مروعة بمنطقة السباغنية في 22 فيفري 1957، وأغلب الضحايا من الطلبة الذين التحقوا بالثورة، وشاركت في قصف المكان خمس عشرة طائرة مروحية، ومن الضحايا عائلة بوحميدي، وسي الزبير قائد الكتيبة وطفلة عمرها 6 سنوات .
يذكر في هذا السياق الكاتب والأديب رابح خدوسي الذي ألف كتابا حول المنطقة بعنوان «بني ميسرة ،الأطلس البليدي ومتيجة، تاريخ وثقافة» بأن الاستعمار الفرنسي ارتكب بالمنطقة جرائم بشعة لا تنسى، وبالمقابل لم يستسلم السكان بالمنطقة للمستعمر و شاركوا بأعمال بطولية في الثورة من خلال عدة عمليات وكمائن ضد المستعمر كلفته خسائر فادحة.
ويتحدث خدوسي في هذا الإطار عن حادثة قصف أطفال لا تتجاوز أعمارهم 11 سنة في عام 1960 بواسطة مقاتلات أقلعت من القاعدة الجوية ببوفاريك في اتجاه منطقة آقني (غلاي) بالجنوب الشرقي لجبل الشريعة، وذلك بعد الإشارة التي تلقتها من ثكنة 117 بيما حليمة على وجود تحركات ثوار في الناحية المذكورة التي هي ضمن المنطقة الممنوعة، وبدأت في قنبلة المكان والأشخاص الذين لم يكونوا سوى أطفال مغامرين انتقلوا من يما حليمة إلى غلاي على مسافة 14 كلم بحثا في أطلال البيوت التي أحرقتها فرنسا عن سيوف الأوائل( سيوف مغناطيسية قاوم بها سكان الأطلس البليدي فرنسا عند دخولها الجزائر عام 1830) فتسللوا بين أشجار القصب ونجوا بأعجوبة.
ترحيل السكان وقنبلة البيوت والمداشر بالمدافع والطائرات
يتحدث الكاتب رابح خدوسي المهتم بتاريخ مسقط رأسه ببني ميسرة بحمام ملوان عن المحتشدات التي أقامتها فرنسا سنة 1957 المحيطة بالأسلاك الشائكة كمحتشد المقطع الأزرق، يما حيلة، تافرنت، ومزرعة الباشاغا الذي قامت مجموعة من المجاهدين بإحراق منزله في سنة 1956، ويشير خدوسي إلى أن السكان كانوا في هذه المحتشدات تحت وطأة الجوع والعراء فراشهم الأرض وغطاؤهم السماء إلا من أغصان أشجار وضعوها كستائر بينهم، كما قامت القوات الاستعمارية بإحراق بيوتهم وأملاكهم بنيران الطائرات، بالمقابل عرضت عليهم إغراءات للالتحاق بصفوف الجيش الفرنسي، غير أن أغلب سكان المحتشد ظلوا تحت هذه الظروف القاسية، ومنهم من بقي متواصلا مع قيادة الثورة بشتى الطرق والوسائل لإيصال المؤونة إلى المجاهدين رغم المخاطر.
وفي نفس الإطار فرضت الإدارة الاستعمارية سياسة الأرض المحروقة بالمنطقة وأعطت الأوامر للجيش الفرنسي بإطلاق النار على كل شخص يتحرك خارج المحتشد، واعتبرت بني ميسرة حسب الكاتب خدوسي منطقة محرمة، مشيرا إلى أن أول مدني قتل بسبب هذا الإجراء الشهيد قاسمي قرب يما حليمة، حيث جيء به إلى المحتشد وألقى النقيب الفرنسي مورا الضابط ب(لاصاص) كلمة أمام جثمان الشهيد، وعد فيها السكان بالمصير نفسه، إذا حاولوا الخروج عن المحتشد.
منطقة العش التي سقط فيها 14 شهيدا
يقول خدوسي في توثيقه لجرائم المستعمر بالمتيجة عن منطقة العش التي سقط فيها 14 شهيدا في ليلة واحدة، مشيرا إلى أن هذه المنطقة التي تقع في الجهة الجنوبية لهضبة سيدي سرحان قرب مدينة بوينان، تم فيها محاصرة جنود جيش التحرير وقنبلة السكان بالطائرة يوم 26 جوان 1956، مشيرا إلى أن من بين الضحايا أطفال، وتحدث في هذا الإطار عن مواطنين شاهدوا في ناحية العش طائرة استطلاع تحوم ثم تبعتها 6 طائرات هيليكوبتير، وبعد حين بدأ الجيش الفرنسي بما فيه المرتزقة من السنغال في تجميع السكان وتوقيف المارين عبر المكان وتفتيش الحاضرين وضربهم بأخمص البنادق على ظهورهم ورؤوسهم، ومنعهم حتى من الجلوس في الظل في يوم حار، وكان عددهم 35 جزائريا، ثم شرع في قتل بعض الموقوفين اثنين اثنين غير بعيد عن المكان، في حين تمكن اثنين من الفرار وهم محمد خدوسي وعلي قنيع وصوت طلقات البارود خلفهم، وكتب الله لهما النجاة والعيش بعد الاستقلال.
ومن جرائم المستعمر بالمنطقة تحدث خدوسي عن مجزرة وقعت بتاريخ 2 ديسمبر 1959 على الساعة الثانية والنصف زوالا من طرف العناصر (1/65 « أر أ» بمنطقة بني قنيع، وأعمار الضحايا تتراوح ما بين 25 و45 سنة، كما تحدث عن عشرات الجرائم الأخرى، وكان السكان يعثرون من حين لآخر على جثث لشهداء بمواقع مختلفة من المنطقة.
عمليات بطولية خلفت خسائر فادحة في صفوف المستعمر
كما تطرق إلى عمليات عسكرية وفدائية نفذها المجاهدون بمنطقة بني ميسرة خلفت خسائر فادحة في صفوف جنود المستعمر ومنها عملية وادي الآخرة في 23 ماي 1957 حيث نصب المجاهدون كمينا لفيلق فرنسي في نواحي العمارية شرق المدية وكانت خسائر الفرنسيين فيها كبيرة، وبلغت أخبار الكمين وخسائره أسماء جنرالات فرنسا، فتحرك الجنرال بيجار يقود بنفسه قوات كبيرة من الجيش الفرنسي مكونا من ضباط وجنود مشاة ومظليين وطائرات من سلاح الجو، وكانت المواجهة مع جيش التحرير في معركة دامت ثلاثة أيام، وفي هذه المعركة واجه جنود جيش التحرير القوات الفرنسية ببسالة وكانوا(حسب وثائق فرنسية) تحت قيادة سي أمحمد بوقرة وسي لخضر وسي عزالدين وبوعلام أوصديق.
ومن المعارك البطولية التي قادها المجاهدون بالمنطقة معركة فرعون التي نصب فيها المجاهدون كمينا لشاحنة عسكرية فرنسية بتاريخ 26 ديسمبر 1956 في مرتفعات المقطع الأزرق بالمنطقة المسماة « فرعون» وأشار محدثنا إلى أن الشاحنة كانت في طريقها إلى قرية يما حليمة، وخسائر العدو كانت كبيرة، وتمثلت في هلاك سبعة فرنسيين والاستيلاء على أسلحتهم، ومن المجاهدين المشاركين في هذه العملية مرنيز أحمد المدعو البليدي وموسى الوهراني وبوعلام المدعو( الصغير) من القصبة، وأحمد سحلي المدعو المصري ابن الناحية الذي عرف رفاقه على مسلك الانسحاب بسلام، وتحدث خدوسي عن معارك أخرى وقعت بمرتفعات بوينان، بني قنيع، الحمايدية، تاورقة، بوزيري، تفاحة، العيون، تباينت، تيزغوين، تاغزولت وغيرها.
واقعة تدمير الكوماندو الأسود
ويتطرق الكاتب إلى واقعة مهمة نفذها المجاهدون وتمثلت في تدمير الكوماندو الأسود، مشيرا إلى أن هذا الكوماندو وحدة تابعة للجيش الفرنسي لكن مهمتها لا تركز على مهاجمة الجنود، بل أن رجالها يقدمون الحلوى للأطفال ويعالجون الناس ولا يعتدون عليهم، مشيرا إلى أن فلاحي المنطقة يميزونهم عن باقي الجيش الفرنسي، وأشار إلى أن وحدة ثانية للكوماندو الأسود كانت تنشط في الناحية الثانية للبليدة في غابة بني مراد ومرتفعات تمزقيدة والشريعة بقيادة الملازم « غيوم» ابن المقيم العام الفرنسي في المغرب، وقد تولى الملازم موسى من شرشال مهمة مواجهة هذه الوحدة وتدميرها، بحيث كان صاحب خبرة واسعة ومقاتلا بارعا، وكان نائبا للملازم حمداني، مشيرا إلى أن الوحدتين التقتا تحت سماء ملبدة بغيوم داكنة على قمم جبال الشريعة المغطاة بالثلوج، ودارت بينهما اشتباكات رهيبة انتهت بانتصار المجاهدين الذين غنموا أسلحة كثيرة، إضافة إلى وثائق الملازم غيوم التي أرسلت إلى المغرب.
المرأة تركت بصماتها في مقاومة المستعمر بالمنطقة
يقول خدوسي إن المرأة كانت لها بصمات بارزة في مقاومة المستعمر بالمنطقة، وتحدث عن استشهاد 4 نساء بدوار السباغنية في سبيل حرية الوطن، كما تحدث عن أنواع التعذيب النفسي الذي عاشته المرأة بالمنطقة ومنها زوجة جندي من دوار تاغزوت التي اقتحم الفرنسيين منزلها واقتادوها مكبلة اليدين من غابة إلى أخرى ومن جبل إلى جبل ينادون زوجها المدعو أحمد لتسليم نفسه، كما تحدث عن الإغارة على الطلبة الجزائريين الذين التحقوا بالثورة في السباغنية في 22 فيفري 1957 والحادثة معروفة بمعركة الزبيرية، وبعد عملية تمشيط واسعة هربت السيدة المدعوة يسعد خوخة وتاهت في الغابة كثيفة الأشجار، لكن تم القبض عليها وعلى عائلتها من قبل الفرنسيين، فقتلوا والدها أمام عينيها وبعد استنطاقها لمعرفة مخبأ المجاهدين الذين كانوا على مقربة من المكان تم تعذيبها بطريقة وحشية، بحيث كانوا يعلقونها في أعلى الشجرة ثم يطلقون الحبل لتسقط على رأسها سقوطا حرا ويتفننون في تعذيبها، لكنها صبرت ولم تدلهم على مخبأ المجاهدين، كما صبرت على استشهاد أبنائها خلال الثورة، وبعد الاستقلال في صدفة عجيبة التقت بزوجها في مستشفى بالبليدة أثناء زيارتهما مريضة قريبة منها، بعد أن كان يظن كل واحد منهما أن الآخر قد استشهد.
نورالدين ع