* تحديث الجيش و دخول الصناعة من بابها الواسع
من معاقلِ الثورة إلى معركة البناء و العصرنة، يسير الجيش الشعبي الوطني بخطواتٍ ثابتةٍ على درب جيش التحرير، وفاء لمبادئ الشهداء و تطلعا للرقيّ بالمؤسسة العسكريّة إلى مصاف الجيوش الرائدة في العصرنة و التحكّم في التكنولوجيات الحربيّة الحديثة، في تناغم بين الأمس و اليوم، ما سمح للجزائر بتعزيز مكانتها الجديدة و دورها على الساحة الإقليمية و الدولية، في التعامل مع النزاعات و الأزمات التي تحيط بها و كذا مساهمتها الفعالة في حلحلة خلافات دولية، بفضل حيادها و دبولوماسيتها المتوازنة و المشهود لها بالحنكة و تجارب السنوات.
إعداد: خالد ضرباني
و في هذا الموضوع تناولنا أهم العناصر التي تربط بين جيش التحرير و الجيش الشعبي الوطني، في إشارة إلى مراحل تطور المؤسسة العسكرية و الأشواط التي قطعتها في هيكلة الجيش، إلى غاية مرحلة دخول الاحترافية و الإنتاج الصناعي، و ذلك بالاعتماد على العديد من الوثائق التاريخية و كذا مجلة الجيش كمرجع موثوق لكل ما يتعلق بالجيش الوطني الشعبي.
الثورة الجزائرية..النواة الأولى لهيكلة الجيش
جيش التحرير الوطني لم يؤسس بمرسوم أو قرار فوقي، بل خرج من رحم المعاناة التي ألمت بالشعب الجزائْري إبان الاستعمار الفرنسي، و الإستراتيجية التي اعتمدت آنذاك لبلوغ الاستقلال، فتكون جيش التحرير الوطني من عناصر مؤمنة بالكفاح المسلح، أدركت تمام الإدراك أنه لا يمكن تنظيم جيش كلاسيكي لمواجهة القوات الاستعمارية، بل كانت ترى في الزخم الشعبي قوة حقيقية يمكن الاعتماد عليها، من خلال تبنيها لقضيتها العادلة.
و قد أخذ قادةُ الثورة على عاتقهم مسؤولية وضع هياكل جيش وطني تحريري و ذلك بتشكيل مجموعات صغيرة قادرة على خوض حرب عصابات تبعا لظروف المعركة التي كان ينبغي خوضها مع الجيش الاستعماري، الذي كان متفوقا عدة و عددا و كان السند الشعبي المتعاظم الذي لقيه جيش التحرير الوطني و ازدياد عدد المنخرطين في صفوفه إيمانا بالثورة و دفاعا عن الوطن، قد مكنه من متابعة مسيرة الكفاح و بدأ في تحسين وتطوير هياكله بصفة تدريجية وفقا لمعطيات الحرب.
وحسب الخبير الأمني «بن جانة بن عمر»، فإن الأمر ظل كذلك إلى غاية 20 أوت 1956، تاريخ انعقاد مؤتمر الصومام، حيث تم تثبيت هيكلة جيش التحرير و كيفية تسييره و تحديد مهامه في إطار كفاح التحرير، مع ترسيم الرتب لكل التشكيلات المكونة له، إلى غاية الأشهر الأولى من الاستقلال، حينما تم تغيير الاسم من جيش التحرير إلى الجيش الشعبي الوطني، شعبي لأنه نابع من الشعب و ليس جيشا إقطاعيا، طائفيا أو أوليغارشيا و وطني لأنه يجمع كل مقومات الشعب الجزائري دون استثناء.
بداية الطريق نحو التحديــث
ابتداء من سنة 1976، سارت المؤسسة العسكرية في طريق التحديث، حيث أصبحت الوحدات مجهزة بآليات ممكننة و من ثم يمكن القول بأن عصرنة الجيش قد بدأت من هذا التاريخ مع إدخال وسائل قتال متحركة و لم تقتصر العصرنة على عامل العتاد بل كان التنظيم و التكوين و التدريب محل اهتمام و انشغال القيادة. و من ثم كان إنشاء أركان الجيش الوطني الشعبي في 28 نوفمبر 1984 و في 3 ماي 1986، تم إنشاء القوات البرية.
و أعيد تشكيل و هيكلة القوات بالحجم الذي يؤمن القيام بنشاطات عملياتية. وقد شهدت سنوات الثمانينات أعمالا تنظيمية كبيرة مست مختلف القوات انطلاقا من دراسة ميدانية عميقة، حيث أدخلت تحسينات نوعية على المورد البشري من حيث مستواه التكويني النظري و التطبيقي و من هذا المنظور، أعيد تشكيل و هيكلة القوات بالحجم الذي يؤمن القيام بنشاطات عملياتية ترتكز على قدرات النار و الحركة المتناميين، مع ضبط ميكانيزمات و قنوات ملائمة للقيادة و الاتصال، و بذلك ظهر تشكيل وحدات قتالية من نوع الفرق و التي تعتبر نموذجا بالنسبة للقوات البرية.
كما تم تنظيم قوام المعركة بتزويدها بمنظومات أسلحة جد متطورة، إلى جانب الأجهزة الأخرى اللازمة للاستعمال و صيانة هذه المنظومة و التدريب عليها و قد تم ذلك بالنسبة لأسلحة القتال الثلاثة التي استمر تنظيمها وفق المهام الموكلة إليها وهكذا تم في 27 أكتوبر 1986 إنشاء القوات البحرية، القوات الجوية، المفتشية العامة للجيش و مندوبية الدفاع الشعبي.
و في سنة 1987، أعيد تنظيم عدة مديريات بوزارة الدفاع الوطني، كما أنشئت قيادة الدفاع الجوي عن الإقليم في 5 ديسمبر 1986 و بذلك اكتمل بناء الجيش الوطني الشعبي بهياكله و فروعه.
الاستعراض العسكري الأخير..دلالة قوية على المضي نحو الاحترافية
و لعل الاستعراض العسكري الضخم المنظم بمناسبة الاحتفالات المخلدة لذكرى ستينية الاستقلال في 5 جويلية الماضي، له دلالة قوية على حرص رئيس الجمهورية بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة وزير الدفاع الوطني و كذا قيادات الجيش الوطني الشعبي و على رأسهم رئيس الأركان الفريق أول، السعيد شنقريحة، على أهمية عصرنة الجيش و الرقي به إلى مصاف الجيوش المحترفة، حيث خلفت عملية تنظيم هذا الاستعراض الذي كشف عن نوعية الأسلحة التي يحوزها جيشنا، سواء البرية أو البحرية و الجوية و غيرها، ردود أفعال مشيدة باحترافية و قوة المؤسسة العسكرية من قبل دول عربية و أخرى دولية اعترفت بتطور الجيش الجزائري خلال السنوات الأخيرة، و هو ما تؤكده مكانة الجيش الوطني الشعبي في التصنيفات الدولية، حيث وحسب تصنيف «غلوبال فاير باور» المختص في الشأن العسكري لأقوى جيوش العالم لسنة 2022، مثلا، فقد حل الجيش الجزائري في المرتبة الأولى مغاربيا و الثالث عربيا و إفريقيا لعام 2022، حيث احتلت الجزائر المرتبة 3 بعد كل من مصر والسعودية و إفريقيا جاء الجيش الجزائري في المرتبة الثالثة بعد مصر وجنوب إفريقيا .
وبالعودة لحجم الاستعراض العسكري الأخير، فقد أوضحت مجلة الجيش في افتتاحيتها لشهر أوت الماضي، أن «الصورة الناصعة التي قدمها الجيش الوطني الشعبي في مناسبة تعد بالنسبة للجزائريين من بين أعظم المناسبات الوطنية، هي قبل كل شيء، رسالة وفاء لشهدائنا الأبرار للذود عن الوطن و التفاني في الدفاع عنه تحت أي ظرف».
فقد تمكن الجيش الوطني الشعبي --تضيف المجلة-- من «كسب الرهان، كما في كل مرة، في يوم له رمزيته و دلالته في الضمير الجمعي للأمة، كيف لا و الأمر يتعلق بعيد استرجاع السيادة الوطنية في ذكراها الستين» و استطردت بالقول: «لقد قدم جيشنا الباسل استعراضا عسكريا في مستوى الحدث، فبقدر ما أشعر الشعب الجزائري بالفخر و الاعتزاز، أبهر الحضور من ضيوف الجزائر و كل من تابعه عبر القنوات التلفزيونية العالمية التي تناقلت تفاصيله».
و أشارت الافتتاحية، إلى أن «المستوى الرفيع الذي أظهرته التشكيلات المشاركة في الاستعراض دون استثناء، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أنها لم تكن لتبلغه و تترك انطباعا حسنا لدى الجميع لولا التكوين والتدريب الجيدين اللذين يتلقاهما الأفراد بمختلف مؤسسات التكوين التابعة للجيش الوطني الشعبي و التكوين المستمر على مستوى الوحدات، تنفيذا لمخططات التحضير القتالي».
و أبرزت أن «النجاح الباهر للاستعراض العسكري الضخم والمبهر الذي نفذه الجيش الوطني الشعبي باحترافية وإتقان صبيحة الخامس يوليو 2022، إنما هو وليد شعور أفراده بالمسؤولية تجاه الوطن والمواطنين و سعيهم الدؤوب لإنجاحه».
وشددت على أن الاستعراض «تضمن في المقام الأول رسالة طمأنة للشعب الجزائري وأخرى إلى الخارج مفادها أن العتاد المتطور الذي يمتلكه جيشنا، إنما هو موجه حصرا للدفاع عن الوطن، مثلما أكده السيد الفريق أول السعيد شنقريحة رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي».
الصناعة..فخر المؤسسة العسكرية
ولوج المؤسسة العسكرية مجال الصناعة، يعتبر من التحديات الكبرى للجيش في المساهمة في ترقية الاقتصاد الوطني و توظيف المزيد من الشباب في ورشات الصناعة العسكرية المنتشرة عبر الوطن، حيث تهدف وزارة الدفاع الوطني من خلال مديرية الصناعة العسكرية، لتطوير صناعة محلية تعتمد بالأساس على التوطين و نقل التكنولوجيا و تنويع استخداماتها، و تتلخص أهمية هذا التحدي في وصف رئيس الجمهورية للصناعة العسكرية بكونها قاطرة للصناعات الوطنية إجمالا، حسب ما جاء في مجلة الجيش في عددها 711 أكتوبر 2022.
و الأهم من ذلك كله، هو رفع مديرية الصناعة العسكرية لتحد آخر يتجاوز تلبية الاحتياجات المحلية للجيش و مختلف الأسلاك الأمنية الأخرى و كذا المؤسسات العمومية، يتعلق باقتحام أسواق التصدير و هو ما أكده الفريق أول، السعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش الشعبي الوطني في ذات العدد من مجلة الجيش، بالقول: « يتعين علينا في الجيش الشعبي الوطني توسيع دائرة اهتمامات الصناعة العسكرية، لتشمل ليس فقط احتياجات الجيش و الأسلاك المشتركة و السوق المحلية، بل تتعداه إلى الولوج إلى الأسواق العالمية، بل وحتى الدولية و التفكير جديا في تصدير منتجاتنا».
التوجه نحو صناعة عسكرية محلية، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك، مساعي رئيس الجمهورية و قادة المؤسسة العسكرية، لوضع الجيش في سكة الإنتاج الصناعي و المساهمة في ترقية الاقتصاد الوطني للبلاد، بجعله جيشا قادرا على صناعة حاجياته بنفسه و تزويد المؤسسات المحلية من هذه الصناعة، فضلا عن اكتساح الأسواق الدولية و على رأسها إفريقيا.
خ.ض
أساتذة و مختصون للنصر
الجيش الوطني الشعبي قطع أشواطا كبيرة في إطار العصرنة
أكد متدخلون في ندوة أعدتها النصر، أن عصرنة الجيش الوطني الشعبي، هو مشروع سطرته المؤسسة العسكرية منذ بزوغ فجر الاستقلال، بالنظر لأزمات متاعقبة، حتمت على الجيش التوجه نحو تكوين جيش احترافي، بما يمكنه من التعامل بحزم مع كل التحديات مهما كان نوعها و أن الدولة عملت على هذا المشروع لتجهيز الجيش تحت أي ظرف من الظروف، مشيرين إلى الجهود الكبيرة التي بذلتها الدولة في سبيل تحقيق هذا المسعى الاستراتيجي لجيشنا و ذلك بتوفير كل مقومات العمل و النجاح و هو ما تناولناه في هذه الندوة التي جمعت أساتذة و مختصين في الشأن العسكري.
المختص في الشؤون الأمنية و العسكرية الأستاذ أحمد ميزاب
العصرنة خيار استراتيجي للجيش الوطني الشعبي
قال المختص في الشؤون الأمنية و العسكرية «أحمد ميزاب»، إن الجيش الوطني الشعبي خاض أشواطا كبيرة في إطار عصرنة المؤسسة العسكرية على المستويات الثلاثة، المستوى الوظيفي والتكويني و الهيكلي، و يمكن أن نستشف ذلك من خلال تكييف برامج التكوين و التدريب وفق هذا المسار، من ناحية أخرى كذلك فإن الجيش الوطني الشعبي تحرك على ثلاثة مسارات إستراتيجية أساسية سواء في إطار توريد الأسلحة التكتيكية و الإستراتيجية التي تعتمد على مقياس العصرنة أو من حيث إضافة البصمة الجزائرية على مختلف العتاد و الأسلحة و التجهيزات، ناهيك عن مستوى تطوير قدرات الصناعات العسكرية في الجزائري بما يتماشى و مسار العصرنة.
و يمكن الحديث في مجال الصناعة العسكرية، حسب «ميزاب»، عن الصناعة العسكرية بالمقياس الاستراتيجي بشكل متميز، بالإضافة إلى أن التصنيفات العالمية التي تصنف الجزائر على المستوى الدولي ضمن الصفوف الأولى للجيوش التي تمتلك القدرات العسكرية و المرود البشري و من بين المؤشرات هناك الاعتماد على مسألة مدى التحكم في أدوات العصرنة و كذلك في مسار آخر أن نتكلم على مختلف التمارين و المناورات التكتيكية التي يجريها الجيش الوطني الشعبي في نهاية كل سنة، كتدريب قتالي يعطينا القدرة على التحكم و التميز في هذا المجال، لذلك نحن نتحدث على أننا أمام تحول استراتيجي في مسار مؤسسة الجيش الوطني الشعبي، باعتبار أنها خطت خطوات متقدمة في هذا السياق و حققت العديد من النتائج و ترافع لآفاق جد متقدمة و ما افتتاحية مجلة الجيش هذه المرة، إلا تأكيد على ذلك باعتبار أن الافتتاحية تحدثت عن مجموعة من النقاط الإستراتيجية التي تشكل محاور أساسية في إطار أخذ الجزائر لموقعها كقوة إقليمية و رقم في المعادلة الدولية لمجموعة من الاعتبارات التي ترتبط بالسياق الإقليمي و التحولات الدولية، فأولا حددت الامتيازات الإستراتيجية على المستوى الإقليمي في ظل التدهور الذي يؤهلنا لما نكتسبه من إمكانيات في أن نكون لاعبا محوريا و أساسيا، ثانيا القدرات و المؤهلات التي نمتلك من خلالها خياراتنا الإستراتيجية، سواء من خلال تنوع الشركاء أو الصناعة العسكرية التي انتقلت إلى مستوى الصناعة الإستراتيجية، و ثالثا شكل التهديدات و التحديات الأمنية التي تسير في نسق تصاعدي، كل هذا يدفع أكثـر من أي وقت آخر للاستثمار الأمثل في العصرنة و السير بخطوات متقدمة في هذا السياق، ما يمنحنا القدرة على تصدر الترتيب و تعزيز قدراتنا الدفاعية، باعتبار أن طموح الجزائر هو أن تكون فاعلا رئيسيا في صناعة الاستقرار في المنطقة و أخذ موقع في المعادلة الدولية في خضم التحولات العالمية و التي لا مكان فيها للضعفاء، و على هذا الأساس يعتقد المختص «أحمد ميزاب»، أن ما تم تحقيقه في هذا المسار و ما يصبو إليه من خلال التفكير الاستراتيجي في مجال العصرنة، أنه يفتح آفاقا عليا نحو المستقبل.
الخبير الأمني بن جانة بن عمر
التسليح النوعي حتمية لمواجهة الحروب الهجينة
يرى الخبير الأمني بن جانة بن عمر، أن تسليح الجيش الوطني الشعبي بأسلحة نوعية خلال السنوات الأخيرة، هو حتمية فرضتها حروب الجيل الرابع و الخامس أو ما يعرف بالحروب الهجينة، مؤكدا أن عصرنة الجيش ليس لها ارتباط بالأزمات الإقليمية و الدولية الحاصلة، بقدر ما هو مواكب لتطور المجتمع الجزائري على حد قوله، إلا أن هذه الأزمات انعكست على المؤسسة العسكرية من حيث تزويده بأسلحة نوعية لمجابهة أي مخاطر محتملة، لحماية الشعب و الوطن، مشيدا في هذا السياق باحترافية قادة الجيش المتخرجين من مدارس عليا و ذوي كفاءات عالية و هو ما سمح لقيادة الجيش بالتفكير و تجسيد ما يسمى بأصناف القوات، ذلك أن الجيش الشعبي الوطني حاليا أصبح لديه أجنحة متخصصة في كل ميادين القتال و نوعية السلاح، و هو ما يؤكده قادة الجيش الجزائري بخصوص الاستعداد للأشكال الجديدة من الحروب، خاصة ما يتعلق بالحرب الإلكترونية و الافتراضية و الأمن السيبراني.
و في هذا الصدد، قال الفريق أول السعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش الجزائري، خلال إشرافه على تخرج الدفعة 15 بالمدرسة العليا الحربية، في جوان الماضي، إن الجزائر «تعيش على وقع تحديات ورهانات جديدة غيرت مفهوم الأمن و الدفاع و هو ما تطلب تبني مقاربة مدروسة لتحيين التكوين الموجه للإطارات العسكرية العليا، من أجل استيعاب التحولات الطارئة في فنون الحرب و علوم تسيير قضايا الدفاع و في ظل الوضع الجيوسياسي و التقدم التكنولوجي المتسارع و توسع مجالات الصراع».
و أضاف المتحدث، أن الأشكال الجديدة من الحروب تغلب عليها الحروب التكنولوجية و قال «في خضم ما يشهده عالم اليوم من نزاعات و تجاذبات غير مسبوقة و في ظل التحديات الأمنية الكبرى التي تعرفها منطقتنا و فضاؤنا الإقليمي، نعيش على وقع تحديات و رهانات جديدة، زادت من تعقيداتها التطورات الهائلة التي تشهدها تكنولوجيات الإعلام و الاتصال، حيث تلاشت معها كل الحدود بين الدول و تغيّر معها مفهوم الأمن و الدفاع، خاصة مع بروز ما يعرف بحروب الجيل الجديد أو الحروب الهجينة».
أستاذ العلاقات الدولية زهير بوعمامة
العصرنة لم تتوقف عند السلاح بل شملت العنصر البشري
أكد الأستاذ الجامعي في العلاقات الدولية زهير بوعمامة، أن مشروع العصرنة هو خيار سطرته الدولة و قادة المؤسسة العسكرية منذ الفترة التي تلت نيل الاستقلال، حيث تم أخذ الأمر كأولوية نظرا لمعطيات جيوبوليتيكة و من بينها أطماع المغرب في التوسع على حساب الجزائر مع الاستقلال، حيث وجدت الجزائر نفسها خلال ذلك الوقت في ظرف اضطرها للمحافظة على الاستقلال و بالتالي فإن القيادة السياسية حينها، كانت تولي أهمية بالغة للجيش و حاولت تخصيص كل القدرات الممكنة و التي تجعل المؤسسة العسكرية قادرة على تأدية مهامها في الدفاع عن البلد.
و أضاف الأستاذ زهير بوعمامة أن هناك سياقات أخرى دفعت بالجيش الوطني الشعبي إلى الاحترافية، نذكر منها مثلا أزمة العشرية السوداء و مكافحة الإرهاب، في وقت كانت فيه الجزائر شبه محاصرة دوليا و بالنظر إلى مواجهة تهديدات لا تماثلية في فترة مع بعد الإرهاب و سنوات الجمر، اقتضت المرحلة تجهيز الجيش بطريقة مختلفة، فيما ساعدت الوفرة المالية للبلد خلال السنوات الماضية، في التوجه قدما نحو تعزيز قدرات الجيش و هنا أكد المتدخل، أن العصرنة و الاحترافية لا تخص اقتناء العتاد و التكنولوجيا فقط، بل ركزت القيادة كذلك على استثمار العنصر البشري، من خلال اعتماد برامج تكوين عالية و تكييفها مع متطلبات المرحلة، و ذلك بتمكين العسكريين من التكوين في الداخل و حتى في الخارج لدى دول صديقة لها علاقات تاريخية مع الجزائر.
كما عمل الجيش، حسب «بوعمامة»، على الرفع من مستوى معيشة الفرد العسكري لأن العصرنة كل متكامل، على حد قوله، مشيرا إلى أن الدولة خصصت اعتمادات مالية ضخمة لتمكين الجيش من تحسين وضعية الأفراد و اقتناء كل ما تتطلبه حماية الشعب و الوطن.