صنعت مدينة قسنطينة التميّز والاستثناء، خلال بطولة إفريقيا للاعبين المحليين في نسختها السابعة، بنجاحها في تنظيم المباريات الأربعة التي احتضنها ملعب الشهيد حملاوي، إلى درجة جعلت مسؤولي الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، وعلى رأسهم الأمين العام موسونغو فيرون أومبا الذي كان متواجدا أمس الأول، رفقة بعض أعضاء المكتب التنفيذي لمتابعة لقاء مدغشقر والموزمبيق، لا يكفون عن الحديث عن روعة وجمال ما شاهدوه وعايشوه على مدار أكثر من أسبوعين، ضاربين موعدا للجماهير القسنطينية في مناسبات مستقبلية، وهي الأماني التي يمكن ربطها برغبتهم في فوز الجزائر، باحتضان النسخة 35 من الكان.
وكسبت مدينة «العلم والعلماء» التي تضرب بجذورها في عمق التاريخ، رهان التنظيم على كل المستويات، مُفتكة تقدير واحترام الجميع، كيف لا وهي التي أعطت بطولة «الشان» التي لم تكن تحظى بأي اهتمام من الأفارقة شأنا أكبر، لا سيما على مستوى الحضور الجماهيري القياسي، الذي لم يسبق أن عرفته هذه المنافسة في مباريات لا تتعلق بالبلد المنظم.
وصنع الجمهور القسنطيني الحدث في دورة «الشان»، وهو الذي كان الأحسن بشهادة الجميع، بداية بمسؤولي الكاف، مرورا بالوفود المشاركة، وصولا إلى الصحافة الأجنبية التي خصصت له حيزا مهما في عملها، كونها لم تقف على جمالية من هكذا أنصار في منافسات صغيرة كالشان التي حطم ملعب حملاوي خلالها كل الأرقام الخاصة بالنسخ السابقة، سواء من حيث عدد الحضور أو روعة اللوحات الفنية المصنوعة فوق المدرجات، وكذا التجاوب المثالي مع اللجان المنظمة من خلال تفادي التدخين بالملعب والقيام بتنظيف المدرجات، وغيرها من المكاسب المحققة من طرف أنصار قسنطينة، الذين وصل صداهم إلى كل ربوع إفريقيا.
تنظيم قسنطيني مثالي فاق أكبر المنافسات
وبالعودة إلى مباريات بطولة إفريقيا للاعبين المحليين التي احتضنها ملعب الشهيد حملاوي على مدار أكثر من عشرة أيام، فقد عرفت تنظيما محكما ومثاليا فاق كل توقعات هيئة باتريس موتسيبي، وهناك من اعتبر ما وقف عليه بمدينة قسنطينة أفضل من بعض البطولات الكبرى، على غرار الكان التي لعبت في أجواء غير مريحة في بعض النسخ، على غرار ما حدث في دورة 2015 بالغابون، وكذا كان 2021 بالكاميرون.
وكسبت السلطات المحلية في مدينة الجسور المعلقة الرهان، إلى جانب اللجنة المحلية المنظمة للشان، كيف لا والأمور كانت مضبوطة ولا أحد اشتكى من شيء، بل على العكس كان الثناء ينهال على المسؤولين، جراء التنظيم الناجح الذي صاحب اللقاءات الأربعة التي جرت في أجواء أكثر من مثالية، خصوصا على مستوى المدرجات التي تزينت بأجمل اللوحات.
جماهير حملاوي الأفضل في الدورة لهذا السبب
ومن الجوانب التي تفوقت فيها مدينة قسنطينة خلال هذه البطولة، الحضور الجماهيري القياسي، فالمتابع للمواجهات الأربعة التي احتضنها ملعب الشهيد حملاوي، يجد أنها لعبت جميعها بأكشاك مغلقة، وفي حضور فاق 20 ألف مشجع، في سابقة من نوعها بالنسبة لمثل هكذا منافسات قارية، خاصة وأن الأمر لا يتعلق بمساندة البلد المنظم، وكان جمهور لقاء أمس الأول بين منتخبي مدغشقر والموزمبيق، برسم الدور ربع النهائي الأكثر روعة وجمالا، نظير ما صنعه قبل، أثناء وبعد المواجهة، كما أن رفع «تيفو» بالمدرجات سيظل حدثا تاريخيا، على اعتبار أنها المرة الأولى التي يحدث فيها مثل هكذا أمور، كما أن هذه الخرجة جعلت جمهور قسنطينة يتفوق على نظيره العنابي الذي صنع الحدث هو الآخر، وينافس جمهور «نيلسون مانديلا» الذي يعتبر قدومه بتلك الأعداد شيء عادي، كون الأمر يتعلق بتشجيع المنتخب الوطني وليس فرقا أخرى.
« الموجة» حديث الصحافة الأجنبية
وقام الجمهور القسنطيني أمس الأول، بمناسبة لقاء منتخبي مدغشقر والموزمبيق بشيء خيالي وفريد من نوعه فوق المدرجات خلال المرحلة الثانية، بعد «الموجة» أو «لاهولا» التي فاقت العشر دقائق، وهو ما جعل الصحفيين الأجانب منبهرين لما رأوه، فحسب أحدهم فإن مثل هكذا أجواء لا تُعاش سوى في أكبر الملاعب الأوروبية واللاتينية، كما أنه لا يراها حتى في نهائيات «الكان» المسابقة الأكبر على مستوى القارة السمراء، وكان الجمهور القسنطيني في الموعد أمس الأول، وصنع الفرجة وسط ثناء خاص من كل الحاضرين، الذين لن ينسوا تلك اللوحات الجميلة قريبا.
تكريم مسؤولي الكاف بتلك الطريقة سابقة
لا يختلف اثنان، بأن التكريم الذي حظي به ممثلو الهيئة القارية ضمن لجنة التنظيم الخاصة بمدينة قسنطينة يعتبر سابقة، وذلك باعتراف الأعضاء خلال دردشة جمعتهم بالنصر سهرة السبت بملعب الشهيد حملاوي، حيث لم يكن أي شخص ينتظر قيام لجنة التنظيم المحلية، بالتنسيق مع السلطات المحلية بمفاجأة سارة للرسميين، بعد نهاية الندوات الصحفية لمدربي ولاعبي المنتخبين، ما يعني نهاية مأموريتهم بشكل رسمي، وهو ما زاد من حلاوة الحفل البسيط المقام.
وكانت تصرفات ممثلي الكاف عفوية، ما يؤكد انسجامهم مع أعضاء اللجنة المحلية وحتى المتطوعين، وإلا كيف نفسر ترديدهم أغاني جزائرية والهتاف بحياة الجزائر، بل أكثر من ذلك قالوا بأعلى صوت :»إن شاء الله كان 2025 في الجزائر»، كل ذلك في أجواء عائلية سادت بين مختلف اللجان على مدار أيام المباريات التي احتضنها ملعب الشهيد حملاوي.
وما يتوجب الإشارة إليه، هو أن آخر مباراة احتضنها ملعب الشهيد حملاوي، والصور الجميلة التي جابت مختلف مواقع التواصل الاجتماعي لم تعشها أي مدينة أخرى.
سحر المدينة على لسان كل الوفود
لم يكن ملعب الشهيد حملاوي الذي احتضن مباريات بطولة إفريقيا للاعبين المحليين، وبالضبط لقاءات المجموعة الثالثة إلى جانب الدور ربع النهائي بين منتخبي مدغشقر والموزمبيق حديث الوفود المشاركة فقط، بل تعدى الأمر إلى جمال مدينة قسنطينة، الذي بات حديث كل المنتخبات وأعضاء الكاف، خاصة وأن السلطات المحلية ارتأت استغلال الفرصة للترويج للتراث الجزائري، والقيام بخرجات سياحية لاقت استحسانا كبيرا من طرف الجميع، في خطوة غير مسبوقة في الدورات الماضية، بل حتى في المنافسة الأول في القارة، ويتعلق الأمر ب»الكان» لم يقم أي بلد بضبط برنامج مماثل.
وأكدت عديد الوفود المشاركة رغبتها في العودة مجددا إلى مدينة قسنطينة للقيام بزيارة خارج المنافسة الرسمية، للاستمتاع أكثر، وحتى رئيس الكاف باتريس موتسيبي، لم يتوان في حديثه مع رئيس الفاف جهيد زفيزف في القول بأنه سيعود مجددا إلى مدينة الجسور المعلقة رفقة عائلته الصغيرة، وهو ما صرح به المسؤول الأول على الفاف للنصر:»مدينة قسنطينة سحرت رئيس الكاف باتريس موتسيبي، وأكد لي بأنه سيعود إليها من جديد، ولكن ليس في إطار رسمي، خاصة وأنه قرأ العديد من الكتب عن مدينة الصخر العتيق»، وهو التصريح الذي يلخص كل شيء، بما أن المسؤول الأول عن الهيئة القارية، والذي سبق له وأن قام بزيارة إلى جميع القارات، إلا أنه عبر عن انبهاره بسحر مدينة الجسور المعلقة.
السلطات واللجنة المحلية يستحقان العلامة الكاملة
استحقت السلطات المحلية لولاية قسنطينة، ولجنة التنظيم على مستوى مدينة الجسور المعلقة بمختلف تركيباتها وحتى السلطات الأمنية العلامة الكاملة، نظير التنظيم المحكم لجميع المباريات، سواء داخل أو خارج مركب الشهيد حملاوي، وحتى من ناحية التعبئة والمساهمة في الحضور الجماهيري المميز، والذي فاق كل التوقعات.
وما يؤكد بأن الأجواء التي لعبت فيها مباريات حملاوي فريدة من نوعها، هو ما أكده مدربو جميع المنتخبات، بداية بأفضل مدرب في دور المجموعات ويتعلق الأمر بالمسؤول الأول على العارضة الفنية بمنتخب مدغشقر، الذي تمنى البقاء بملعب الشهيد حملاوي ولعب لقاء الدور نصف النهائي بملعب الشهيد حملاوي.
ومن بين النقاط التي وجب الحديث عنها، عدم وجود أي شكوى من جميع المنتخبات المشاركة بخصوص الإقامة أو عدم صلاحية ملاعب التدريبات أو حتى المعاملة، بل على العكس تماما الجميع غادر محتفظا بذكريات جميلة.
قسنطينة رفعت من شأن الشان
يبدو أن الشعار الذي رفعه سكان مدينة قسنطينة، قبل انطلاق الحدث القاري لم يكن م صدفة، بل لأنهم كانوا على يقين بقدرتهم على إعادة الاعتبار إلى بطولة إفريقيا للاعبين المحليين، بحكم تعودهم على صنع الفارق والتميز في الأحداث الرياضية السابقة، سواء تعلق الأمر بالأندية المحلية أو حتى على مستوى المنتخبات الوطنية، كيف لا والجمهور القسنطيني ملأ الملعب في لقاء لم يكن لديه أي أهمية، وكان ذلك في عهد الناخب الوطني رابح ماجر لما واجه الخضر نيجيريا. وتعتبر الأجواء التي عاشها ملعب الشهيد حملاوي منذ بداية الدورة وإلى غاية الآن فريدة من نوعها، حيث لعبت جميع المواجهات أمام مدرجات ممتلئة، والبداية بعنوان رد جميل منتخب السودان بذكريات ملحمة «أم درمان»، ثم التحول إلى تشجيع اللعب الجميل ومنتخب مدغشقر، الذي أسر القلوب بالأداء الرائع، وهو ما جعل مدينة قسنطينة ترفع حقا من شأن «الشان».
سمير. ك/ حمزة. س