تتجه العلاقات بين الجزائر وفرنسا نحو أزمة غير مسبوقة وباتجاه الانهيار التام والقطيعة، بسبب تصرفات جهات فرنسية تعمل على نسف أي تقارب بين البلدين وتحرص على قطع الطريق أمام أي انفراج، وتدمير كل ما تم بناؤه بين الرئيسين تبون وماكرون لفتح صفحة جديدة بين البلدين، وهو ما ينذر باحتمال «حدوث قطيعة» خاصة وأن أصابع الاتهام هذه المرة اتجهت بشكل مباشر صوب المخابرات الفرنسية ومصالح دبلوماسية عملت على تنفيذ خطة لتقويض العلاقات بين الجزائر وباريس.
تسببت ممارسات عدائية فرنسية في عودة العلاقات مع الجزائر إلى نقطة التأزم مرة أخرى، بعد فترة دفء أرادتها لوبيات فرنسية أن تنتهي بسرعة، بعد تورطها في ترحيل رعية جزائرية من تونس إلى فرنسا، بتدخل ديبلوماسي وأمني فرنسي يعد عملا عدائيا ينتهك كل التفاهمات بين البلدين، وهي الخطوة التي نسفت كل التفاهمات التي حصلت منذ زيارة الرئيس ماكرون إلى الجزائر في أوت الماضي، والتي توجت آنذاك بإعلان الشراكة المتجددة والذي على ما يبدو سيبقى حبرا على ورق بسبب تصرفات جهات في فرنسا تسعى لضرب أي تقارب بين البلدين.
واللافت أن قضية ترحيل الرعية الجزائرية، والتي تقف وراءها جهات دبلوماسية واستخباراتية فرنسية، جاءت مناقضة تماما لتعهدات الرئيس الفرنسي ماكرون وحكومته بالعمل على تطبيع «جدي و ودي» للعلاقات بين البلدين، ما يؤكد وجود أطراف في فرنسا منزعجة من حدوث التقارب الجزائري-الفرنسي، وهو ما أكده رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون مرات عديدة في تصريحات صحفية، تحدث عن لوبيات تعمل على إجهاض أي تقارب بين البلدين.
وجاءت القضية الجديدة لتنسف مسار «التطبيع» الذي جرى في أوت الماضي، خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر، والتي توجت بالتوقيع على «إعلان الجزائر لشراكة متجددة»، وتلاها في أكتوبر زيارة غير مسبوقة لرئيسة الحكومة الفرنسية إليزابيث بورن رفقة 16 وزيرا في الحكومة، وزيارات متبادلة بين الأمناء العامين لوزارة خارجية البلدين، كان آخرها زيارة الأمينة العامة للخارجية الفرنسية آن ماري ديسكوت نهاية الشهر الماضي.
انتهاك لتفاهمات رسمية واستفزازات متواصلة
ويؤكد محللون، بأن حماية فرنسا للرعية الجزائرية بهذه الطريقة، تعد خرقا للاتفاقية القضائية المبرمة بين البلدين سنة 1964 والمراجعة سنة 2019 والتي لا تسمح بإيواء الهاربين من العدالة للدولة الثانية. كما أن تهريب المعنية بتلك الطريقة يعد اعتداء صارخا على السيادة الجزائرية.
كما أن أعوان الدولة الفرنسية الذين أشرفوا على تهريبها يعلمون أنها محل منع من السفر ورغم ذلك سمحوا لها بالخروج وسهلوا لها المهمة. ويؤكد محللون بأن ردة فعل الجزائر القوية والحازمة، لم تكن مبنية على احتمالات أو تخمينات، وإنما على حقائق أظهرت تورط جهات دبلوماسية وأمنية فرنسية في القضية، وهو ما يستلزم من السلطات الفرنسية توضيح موقفها بدقة وتحديد حيثيات القضية في أقرب وقت.
وبحسب المحللين، فإن الجانب الجزائري ينظر إلى المسألة من زاوية أن الطرف الفرنسي لم يكن حريصاً على احترام تفاهمات أغسطس 2022، والتي نصت على بنود تخص في شق خاص التعاون والتنسيق الأمني وتبادل المعلومات في كنف احترام سيادة كل طرف، وأنه لم يستوعب دروس أزمة أكتوبر 2021، والتي استمرت نحو أربعة أشهر، إلى أن بدأت العلاقات تعود تدريجيا إلى طبيعتها، بعودة السفير الجزائري إلى باريس، وتبادل المكالمات الهاتفية بين الرئيسين، وصولا إلى زيارة ماكرون للجزائر.
وتدفع القضية الجديدة إلى الجزم بوجود محاولات من أطراف فرنسية ومجموعات يمينية بل وشخصيات دبلوماسية سابقة، لخلق حالة أزمة بين البلدين، وتسعى بكل قوة لتعطيل مسار إعادة بناء العلاقات ونسف كل محاولات لتحسين العلاقات بين الجزائر وباريس والتفاهمات وهو ما تبرزه التصريحات الاستفزازية التي أطلقها سفراء فرنسيون سابقون في الجزائر ومسؤولون سابقون في جهاز المخابرات الفرنسية، على غرار السفير كزافييه دريانكور الذي نشر مقالا حمل الكثير من المغالطات والأكاذيب.
وبدأت تلك الاستفزازات قبل أسابيع بعد استعادة الهدوء في العلاقات بين البلدين، وارتفعت وتيرتها بشكل لافت منذ الإعلان عن موعد الزيارة المرتقبة للرئيس تبون إلى فرنسا والمقررة في ماس المقبل، وانطلاق التحضيرات لتلك الزيارة التي كان يراد منها أن تكون بمثابة العودة الفعلية للعلاقات بين البلدين، قبل أن تأتي القضية الأخيرة لتعيد العلاقات بين البلدين إلى نقطة الصفر.
المصالح الفرنسية تسعى إلى القطيعة النهائية مع الجزائر
وتحدثت برقية لوكالة الأنباء الجزائرية، عن قضية المدعوة أميرة بوراوي، وتداعياتها على مستقبل العلاقات بين البلدين، وقالت بأن الأطراف التي تقف ورائها على وشك بلوغ هدفها المتمثل في إحداث القطيعة في العلاقات الجزائرية-الفرنسية. وجاء في نص البرقية «لم تعد المصالح الفرنسية (البربوز) تخفي مناوراتها، بل أضحت تعلنها أمام الملأ و في وضح النهار وها هي اليوم على وشك بلوغ هدفها المتمثل في إحداث القطيعة في العلاقات الجزائرية-الفرنسية .. امرأة، ليست صحفية ولا مناضلة ولا تحمل أي صفة... يتم إجلاؤها إلى فرنسا، وفي ظرف 48 ساعة يتم استقبالها وتمكينها من التحدث في بلاطوهات قنوات تلفزيونية عمومية و ذلك دليل على أن المخابرات الفرنسية أعلنت التعبئة العامة «لخبارجيتها» وبات هدفها واضحا».
وأضافت الوكالة "الجميع يعلم أنه يوجد على مستوى المديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسي، خطة تقضي بتقويض العلاقات الجزائرية-الفرنسية، يتم تنفيذها من قبل عملاء سريين و›خبارجية› وبعض المسؤولين على مستوى المديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسي ووزارة الخارجية الفرنسية وكذا بعض المستشارين الفرنسيين من أصل جزائري لا يخفون ولعهم وتبجيلهم للمخزن". وختمت البرقية "إنه لمن المؤسف رؤية كل ما تم بناؤه بين الرئيسين تبون وماكرون لفتح صفحة جديدة بين البلدين، ينهار وحدوث القطيعة لم يعد بعيدا على ما يبدو".
وتطابقت التحليلات مع ردود الأفعال الصادرة عن محللين أو قادة أحزاب سياسية، وحتى جمعيات، والتي أجمعت على أن عملية تهريب غير شرعية لمواطن جزائري، بمثابة انتهاك للسيادة الوطنية من قبل موظفين دبلوماسيين وقنصليين وأمنيين تابعين للدولة الفرنسية، ما من شأنه أن يلحق ضررا كبيرا بالعلاقات الجزائرية الفرنسية.
ع سمير