شهدت مقبرة مون فاليريان في نانتير بضواحي باريس، أمس، تشييع جثمان الشاب نائل، الذي لقي حتفه برصاص شرطي في المدينة الثلاثاء الماضي. وجرت مراسم الدفن بعيدا عن وسائل الإعلام بناء على طلب محامي العائلة. وقد ألهب مقتله الأحياء الشعبية وأدى إلى اندلاع موجة غضب طالت عديد المدن الفرنسية. وأعلنت وزارة الداخلية توقيف أكثر من 1300 شخص في الليلة الرابعة على التوالي من اندلاع الاحتجاجات.
دفن جثمان الشاب نائل في جو من الهدوء بمقبرة مون فاليريان في نانتير بضواحي باريس، بدأت مراسم تشييع جنازة نائل وسط حشود غفيرة ودون حضور وسائل الإعلام .. وتم نقل جثمان نائل إلى مسجد ابن باديس في نانتير حيث أقيمت عليه صلاة الجنازة، ثم نقل إلى المقبرة غير البعيدة عن المسجد. وقام عمال الحراسة بتأمين المراسم ومنعوا الصحافيين من القيام بأي تسجيلات وأي تغطية.
وأكد محامو العائلة أن السبت سيكون «يوم صلاة» لعائلة نائل، طالبين من وسائل الإعلام عدم حضور المراسم «احتراما لخصوصية العائلات الثكلى». وقالت سيدة تشارك في المراسم لوكالة فرانس برس «لترقد روحه بسلام وتتحقق العدالة. أتيت لمساندة والدته، كان وحيدها». وقالت أنه رغم الهدوء النسبي، هناك خشية وتحسب من انفلات الأوضاع ومن تطور الأوضاع نحو الأسوأ بعد الجنازة.
وأعلنت الرئاسة الألمانية، أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أجَّل زيارة الدولة التي كانت مقررة لألمانيا ابتداء من مساء اليوم الأحد، بعد أعمال الشغب التي تشهدها فرنسا. وقالت الرئاسة الألمانية إن «الرئيس الفرنسي ماكرون تحدث هاتفيا اليوم مع الرئيس الألماني (فرانك فالتر) شتاينماير وأطلعه على الوضع في بلاده. وطلب الرئيس ماكرون تأجيل زيارة الدولة المقررة إلى ألمانيا». وأكد الإليزيه لوكالة الأنباء الفرنسية أن ماكرون يرغب بالبقاء في فرنسا خلال الأيام المقبلة. ولم يتم تحديد موعد جديد للزيارة، وفق مصدر فرنسي.
ومع استمرار الصدامات بين قوات الأمن ومحتجين في عديد المدن الفرنسية، عمدت السلطات إلى نشر 45 ألف شرطي ودركي مدعومين بآليات مدرعة لضبط أعمال الشغب التي تواصلت لليوم الرابع على التوالي في الكثير من الأحياء الشعبية في البلاد مع “تراجع حدتها بحسب وزارة الداخلية. التي أعلنت توقيف أكثر من 1300 شخص في أرجاء البلاد. وأوضحت الوزارة في حصيلة لا تزال مؤقتة إن “79 شرطيا ودركيا أصيبوا بجروح”. وأضاف المصدر نفسه أن النيران أضرمت في حوالي 1350 سيارة فيما تعرض 234 مبنى للحرق أو التخريب وأحصي 2560 حريقا على الطرقات العامة. وأوصت الوزارة 31 هجوما على مراكز للشرطة و16 على مراكز للشرطة البلدية و11 على ثكنات للدرك.
وعرفت مرسيليا ثاني مدن البلاد ليلة مضطربة ما دفع وزير الداخلية جيرارد دارماران إلى إرسال تعزيزات إليها. وكانت الشرطة أعلنت توقيف 88 شخصا فيها قرابة الساعة الثانية فجرا في صفوف مجموعات من الشباب غالبا ما يكونون مقنعين و”يتحركون بسرعة”. وصباح أمس، شارف عدد التوقيفات على الألف أي عند مستوى أعلى من الليالي السابقة التي أوقفت خلالها الشرطة نحو 900 شخص.
اشتباكات بين المحتجين وأنصار اليمين المتطرف
وفي تحول خطير لما يحدث في فرنسا، اندلعت اشتباكات عنيفة بين المحتجين المشاركين في أعمال الشغب وأنصار اليمين المتطرف. وأفادت قناة «فرانس 3» التلفزيونية بأن التحقيق يجري في ظروف الاشتباكات بين الجانبين، التي وقعت الليلة الماضية في بلدة أنجيه غرب البلاد. وأشارت القناة إلى أنه “تم فتح عدة قضايا جنائية بشأن حقيقة حيازة أسلحة بشكل غير قانوني بعد اشتباكات دارت بين المتظاهرين وجماعة اليمين المتطرف”.
في مدينتي ليون وغرونوبل في وسط البلاد الشرقي، جرت مواجهات حتى ساعة متقدمة من ليل الجمعة إلى السبت، بين جماعات من الشباب الملثمين في غالب الأحيان يتنقلون مهرولين أو على دراجات ويطلقون المقذوفات باتجاه عناصر الشرطة الذين كانوا يردون بإطلاق الغاز المسيل للدموع. في فول أن فلان في ضاحية ليون أطلق أحد المشاغبين النار من بندقية باتجاه عناصر من الشرطة على ما أفادت وزارة الداخلية.
ولم تسلم منطقة باريس من موجة الغضب، وقررت ثلاث مدن قريبة من العاصمة الفرنسية فرض حظر التجول على غرار مدن أخرى في المناطق الداخلية. كما اندلعت احتجاجات في منطقة البحر الكاريبي، وتحديدا في غويانا التي تخضع للحكم الفرنسي، وقتل شخص واحد على الأقل، عندما أشعل محتجون النار في صناديق للقمامة، وألحقوا أضرارا بالمباني.
إلغاء حجوزات سياحية جراء الاضطرابات
الاحتجاجات امتدت إلى أنحاء مختلفة في فرنسا، بدأت تلقي بثقلها على قطاع السياحة الذي يشهد إلغاء حجوزات، عدا عن تعرض فنادق ومطاعم لأضرار. وقال رئيس الجمعية الرئيسية لأصحاب الفنادق والمطاعم تييري ماركس إنه منذ وفاة نائل مرزوق عن 17 عاماً: «شهدت الفنادق الأعضاء في الجمعية موجة من إلغاء الحجوزات في جميع المناطق المتضررة جراء التخريب والصدامات».
وقال رئيس مكتب السياحة في باريس: «إذا استمر الأمر على هذا النحو فإنه سيضع عقبات كبيرة أمام تنظيم الألعاب الأولمبية، خاصة أنّ جزءاً كبيراً من الأحداث الرياضية سيقام في سين سان دوني».
ودعت بريطانيا رعاياها إلى توخّي الحذر مع استمرار أعمال الشغب في فرنسا. كما طلبت السفارة التركية في باريس، الجمعة، من مواطنيها المقيمين في فرنسا أو أولئك الذين سيسافرون إليها توخي الحذر من أعمال العنف المنتشرة في أنحاء
البلاد. ع سمير