حرص رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، منذ وصوله إلى سدّة الحكم، على وضع أسس متينة لبناء اقتصاد متنوِّع و متحرر من التبعية المفرطة للمحروقات وتقلبات أسعار الطاقة، ويكون موجها نحو التصدير ومنافسة الشركات في الأسواق الإفريقية، وأخذ الرئيس تبون على عاتقه مهمة إعادة الاعتبار لرجال الأعمال الحقيقيين وهو ما مكن الجزائر من بلوغ 13 مليار دولار كصادرات خارج المحروقات، بينما كان الرقم لا يتجاوز المليار دولار قبل 3 سنوات.
تمكنت الجزائر خلال العامين الماضيين، من الحفاظ على توازناتها الاقتصادية رغم حدة الأزمتين الاقتصادية والصحية اللتين ميزتا الوضع العالمي، وسمحت الترتيبات التي أقرها الرئيس تبون بتجنيب البلاد متاهة الاستدانة من الخارج، مع الشروع في تطهير القطاع الاقتصادي ووضع إطار تشريعي وتنظيمي جديد مع محاربة كل أشكال الفساد والبيروقراطية. قبل الانتقال في المرحلة الثانية لتشجيع الاستثمارات الأجنبية وفتح منافذ تجارية مع الأسواق الإفريقية.
وجدد الرئيس تبون في حفل تسليم أوسمة لأكثر الشركات الجزائرية تصديراً، أمس الأول، دعمه للشركات والمصدرين الجزائريين، وأعلن قرار إنشاء المجلس الأعلى للمصدرين في أقرب وقت، يتولى مساعدة المصدرين وتذليل العقبات والتنسيق مع السلطات بشأن التصدير. وشجّع الرئيس تبون الشركات الجزائرية على مزيد من تحسين مستوى الإنتاج، وتغطية حاجات السوق المحلية والدخول إلى رواق التصدير، حيث تعمل السلطات على توفير كافة سبل التسهيلات لذلك.
وأكد رئيس الجمهورية، بأن الجزائر على وشك الوصول إلى 13 مليار دولار خارج المحروقات»، وهو هدف كانت قد سطرته الحكومة بنهاية العام الجاري 2023، بينما كانت الجزائر قد حققت خلال العام الماضي 7 مليارات دولار. وتسعى لبلوغ 22 مليار دولار في المدى المتوسط، ولتحقيق هذه الغاية، تقرر تدعيم خطوط النقل الجوي بين الجزائر والعمق الإفريقي، حيث أعلن الرئيس تبون، عن الإسراع في فتح مناطق حرة مع كل من موريتانيا ومالي والنيجر، تخص المواد والمنتجات الزراعية». وكذا فتح خطوط جوية جديدة مع كل العواصم الأفريقية، وهو ما سيساعد في زيادة نقل السلع والبضائع المصدرة من الجزائر.
وقال مسؤول بوزارة التجارة، إن طموح الجزائر هو التحوّل إلى المصدّر رقم 1 في إفريقيا. وأوضح المدير الفرعي لمتابعة ودعم الصادرات بوزارة التجارة وترقية الصادرات، عبد اللطيف الهواري، أمس، في تصريح إذاعي، أنّ الجزائر تتطلع إلى مضاعفة حجم الصادرات إلى القارة السمراء المقدّر حالياً بـ 600 مليون دولار نصفها نحو إفريقيا الغربية، والهدف تجاوز عارضة المليار دولار.
وكشف الهواري عن «مفاوضات جدّ متقدمة مع شركات عالمية على نحو سيمكّن من تصدير أول شحنة لمنتجات ذات ماركات عالمية قبل نهاية سنة 2023، وستمكّن الجزائر من التحوّل إلى منصة عالمية»، مثمنا توجيه رئيس الجمهورية لاستحداث المجلس الأعلى للمصدّرين، وقال إنّ ذلك سيسمح بالتكفل بانشغالات المصدّرين سفراء الاقتصاد الجزائري.
وأشار المتحدث إلى مساعِ لتوسيع ترويج المنتجات الجزائرية بمختلف أنواعها، مركّزاً على توجه الجزائر إفريقياً لا سيما دول إفريقيا الغربية مع التركيز على دول الجوار، وسعيها لإقامة معارض دائمة في موريتانيا والسنغال وكوت ديفوار، كاشفاً عن تنظيم معرض دائم في نواكشوط قبل سبتمبر القادم، وذهب إلى أنّ إتمام طريق تندوف – الزويرات سيوفّر فرصا هائلة على محور الجزائر – موريتانيا وإفريقيا الغربية.
كما أصبحت الجزائر أهم مصدر للإسمنت والكلينكر إفريقيا. وقدرت صادرات الجزائر إجمالا، وهي أساسا من نتاج كل من مجمع الإسمنت العمومي «جيكا» وشركة «لافارج» في سنة 2021، بنحو 6.4 مليون طن، تشكلت من الكلينكر ومن الإسمنت الأبيض والرمادي، وسجلت الصادرات الجزائرية للإسمنت نجاحا في التموقع إلى جانب أسواق إفريقية، لاسيما غرب إفريقيا، في أسواق أوروبية وحتى أمريكية، حيث قامت لافارج في فيفري 2022 بتصدير شحنتين انطلاقا من ميناء وهران بمقدار 35 ألف طن من الإسمنت الرمادي، و30 ألف طن من الإسمنت الأبيض للسوق الأمريكي.
قواعد لوجيستية للتصدير في إفريقيا
ومن أجل تعزيز التواجد الاقتصادي على الساحة الإفريقية، عملت الجزائر على إطلاق عدة إجراءات على غرار فتح معابر برية حدودية لتسهيل تجارة «المقايضة»، وتشغيل خط بحري تجاري مع موريتانيا لتعزيز تواجد المنتوجات الجزائرية في غرب إفريقيا، إضافة إلى فتح خطوط جوية جديدة نحو عواصم إفريقية.
ودخلت الجزائر في مفاوضات مع دول افريقية على غرار السنغال لإقامة قاعدة لوجيستية للتصدير من اجل تطوير العلاقات التجارية والتصدير، كما تم إطلاق فرع بنكي جزائري في السنغال، ضمن إجراءات تسهيل التصدير على المستثمرين الجزائريين، خاصة في ظل المنطقة الأفريقية الحرة، بالإضافة إلى تشجيع التجارة الخارجية تجاه دول غرب إفريقيا، حيث يأتي مصاحبا ومعززا لسياسة الجزائر في تطوير المبادلات التجارية مع الدول الأفريقية والاستفادة من مزايا اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية وزيادة الصادرات خارج المحروقات نحو القارة.
ويجمع عديد الخبراء الاقتصاديين أن الانفتاح على الأسواق الإفريقية أصبح خيارا استراتيجيا بالنسبة للجزائر، مع العمل على فتح خطوط نقل جوي مع أهم العواصم والأسواق الإفريقية لتسهيل عمليات التبادلات التجارية وتحويل الأموال، وقد حددت الحكومة قائمة من المنتوجات التي يمكن تصديرها إلى الدول الإفريقية أبرزها: اليوريا، الأمونياك ومختلف الأسمدة، إضافة إلى الالكترونيات، الأدوات المدرسية، العجائن الغذائية، الاسمنت والحديد وعديد المنتجات غير المصنّعة.
وكانت الجزائر قد صادقت رسميا، على الاتفاق المؤسس لمنطقة التجارة الحرة الإفريقية الموقع بمدينة “كيغالي” الرواندية، وتنص الاتفاقية على استفادة الدول المنضمة من رفع القيود الجمركية، التي يمكن أن تصل إلى صفر بالمائة على مدى 5 سنوات بعد دخول الاتفاقية حيز التنفيذ في جانفي 2021، وعليه تسعى الجزائر إلى رفع التبادل التجاري مع بقية الدول الإفريقية وخاصة بلدان الساحل عبر طرق برية صحراوية تربطها بمالي والنيجر وموريتانيا، خصوصا بعدما سمحت الجزائر باستئناف التجارة الحدودية والمقايضة في الولايات الجنوبية المتاخمة لدولتي مالي والنيجر، بعد توقفها لسنوات لدواع أمنية، وكذا إطلاقها خططا لزيادة صادراتها نحو بلدان إفريقية أخرى عبر فتح عدد من المعابر الحدودية لتصدير منتجاتها إلى دول غربي القارة. فالجزائر بإمكانها الاعتماد على مقوماتها من خطوط النقل عبر السكك الحديدية وإمكانياتها الطبيعية وموقعها الجغرافي الاستراتيجي كبوابة للقارة، وكذلك الاستثمار في علاقاتها الدبلوماسية الممتازة مع جميع الأطراف من أجل الدفع بالتعاون مع إفريقيا، وقد بينت «تجارة المقايضة» إلى أي مدى يمكن الاستفادة والشراكة البينية خاصة مع دول الساحل الإفريقي.
ع سمير