• من تحدي بناء الدولة إلى الحفاظ على أمانة الشهداء
أحيا الجيش الوطني الشعبي، أمس، يومه الوطني، للعام الثاني على التوالي، بعد قرار رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، العام الماضي جعل الرابع أوت من كل سنة يوما وطنيا للجيش.
ويصادف هذا اليوم- الرابع أوت- تاريخ تحويل جيش التحرير الوطني إلى الجيش الوطني الشعبي سنة 1962، حيث صار مؤسسة جمهورية في الجزائر المستقلة لها مهمة الدفاع عن الأمن الوطني ووحدة التراب الوطني والأمة.
وفي الواقع فإن إقرار يوم وطني للجيش الوطني الشعبي هو اعتراف بدور هذه المؤسسة في مسيرة التحرير الوطني بالأمس خلال الثورة التحريرية المجيدة، ثم في مسيرة البناء والتنمية بعد الاستقلال، ومعركة الحفاظ على الأمن الوطني ووحدة البلاد.
ومن الواجب الإشارة هنا إلى أن ولادة الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني، فريدة من نوعها في العالم، و للإحاطة بهذه الولادة لابد من العودة إلى ظروف ميلاد جيش التحرير الوطني أولا، فهذا الأخير ولد من رحم معاناة طويلة من الاستعمار الفرنسي، وتشكل بعد مخاضات عسيرة ومراحل معقدة من النضال الوطني بمختلف أشكاله.
فوسط النار والدم ولد جيش التحرير الوطني من رحم شرائح الشعب البسيطة من أجل تحرير البلاد من الاستعمار البغيض ليخوض حربا قاسية دامت سبع سنوات ونصف رفقة كافة أبناء الشعب الذي كان السند الأول والأخير لجيش التحرير.
و من الميزات الأخرى للجيش أن إعادة بناء الدولة الجزائرية بعد الاستقلال ارتبط ارتباطا وثيقا بالدور الكبير الذي لعبه الجيش في هذا الشأن، فكان بذلك الركيزة الأساسية لهذه الدولة والعمود الفقري لها طيلة ستة عقود من الاستقلال.
وعلى هذا الأساس و انطلاقا من هذه المعادلة، تعددت مهام الجيش الوطني الشعبي وراح يخوض معارك متعددة و مختلفة، بدءا من بناء نفسه كمؤسسة عصرية جمهورية مهمتها حماية الأمن الوطني والحفاظ على الوحدة الترابية، إلى المشاركة في مسيرة البناء الوطني والتنمية، وصولا إلى مهام المساعدة و تقديم العون خلال حدوث الكوارث الطبيعية الكبرى.
وفي كل معركة من هذه المعارك في حد ذاتها، مر الجيش الوطني الشعبي بمراحل وفترات متعددة وجب عليه فيها أن يسير من الحسن نحو الأحسن ويطور من قدراته وطريقة عمله.
فإذا نظرنا إلى مسيرة الجيش كمؤسسة جمهورية، يتبين أنه قطع أشواطا كبيرة ومسيرة حافلة بالإنجازات في مجالات التكوين، والتطوير واكتساب المهارات والقدرات القتالية والإمكانيات المادية والتجهيزات التكنولوجية الكفيلة بضمان حماية الأمن الوطني على شساعة جغرافية البلاد.
ويعد الجيش الوطني الشعبي دون مزايدة من بين الجيوش الأولى في العالم في مجال التكوين والتدريب، كونه اعتمد نظام المدارس الخاصة بمختلف مجالات الأسلحة والتدريب و التكوين القاعدي والعالي والدقيق جدا، وهو يستقبل اليوم طلابا و ضباطا من مختلف البلدان الصديقة ليتكونوا لديه.
كما تعتبر مسيرة الجيش في مجال العصرنة وكسب مقومات القوة التكنولوجية و الحصول على أحدث الأسلحة و تحيينها في كل مرة حافلة بالإنجازات هي الأخرى، وقد وصل اليوم إلى مستويات عالية في هذا المجال مكنته من ضبط الأمن ومراقبة الحدود والحفاظ على الأمن والسيادة الوطنية بكل ثقة.
ولم تكتف مؤسسة الجيش بهذا بل انخرطت في مسار تطوير الصناعة الوطنية و مسعى بناء نسيج صناعي وطني وقاعدة صناعية وطنية قائمة بذاتها، و اليوم تعد الصناعات العسكرية قاطرة الصناعة الوطنية خاصة في المجالات الميكانيكية وغيرها، وحتى في مجال صناعة الطائرات دون طيار وفي مجالات تقنية أخرى.
أما المعركة الثانية التي خاضتها مؤسسة الجيش فهي المتعلقة بالمساهمة في البناء الوطني، وكان لزاما أن ينخرط في هذه المعركة منذ فجر الاستقلال بحكم أن بناء الدولة ارتبط به وبقوة إذ كان هو الموجه، لذلك ساهم بشكل واسع في عمليات تنموية كبرى على غرار شق الطرق، و التشجير( السد الأخضر)، و المساهمة في بناء القرى وغير ذلك من العمليات المندرجة ضمن خطط التنمية التي كانت تنفذها الدولة خاصة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
ويتمثل الجانب الأخير في هذه المسيرة في عمليات التضامن وتقديم المساعدة للمواطنين عند حدوث الكوارث الطبيعية الكبرى على غرار الفيضانات والزلازل والحرائق وغيرها، وأبرزها زلزال الأصنام 1980، زلزال بومرداس 2003، فيضانات باب الوادي و الحرائق في السنوات الأخيرة.
وبهذا الخصوص لابد من الإشارة إلى أن الجيش الوطني الشعبي أصبح يملك في الوقت الحالي قدرة كبيرة على التدخل السريع في مجال اللوجيستيك ونقل الأفراد والمعونات، تضاهي ما هو موجود في دول وقوى كبرى، وتتفوق في بعض الأحيان على ما يتوفر حتى في بلدان تنتمي للحلف الأطلسي، وقد شارك في علميات إغاثة ونقل المعونات حتى خارج الوطن خاصة في القارة الإفريقية.
رهانات وتحديات جديدة
و كما هو معلوم فإن لكل مرحلة تاريخية تحدياتها ولكل مرحلة من عمر الدول ميزاتها و إشكالاتها، وإذا كان الجيش الوطني الشعبي قد رفع التحديات في المجالات المذكورة سلفا وأبلى حسنا فيها، فهو يخوض اليوم معارك وتحديات أخرى بميزة العصر الذي نعيشه.
ومن أهم هذه التحديات، الأمن، و كذا ما يسمى بحروب الجيل الرابع، و حروب الأجيال التي ستأتي بعده والتي لا يعلمها إلا الله، وفي هذا المجال لابد من الإشارة إلى أن أبناء هذا الجيش يرفعون التحدي في هذه المجالات المعقدة مثلهم مثل أسلافهم الذين رفعوا التحدي خلال حرب التحرير وما بعد الاستقلال.
أطقم شابة من الأجيال الجديدة للمؤسسة العسكرية تلقت وتتلقى تكوينا عاليا في مجال الإعلام الآلي وتكنولوجيات الإعلام والاتصال الحديثة والمتطورة جدا، تسهر اليوم على خوض الحروب السيبرانية بكل جدارة واقتدار لإفشال مؤامرات الأعداء ومحاولات الاختراق ومثيري الفتنة، وهي متحكمة في هذه الحرب بكل سيادة.
وإلى جانب المعارك والتحديات سالفة الذكر بكل تعقيداتها يواصل أبناء الجيش الوطني الشعبي خوض معركة الأمن وحماية الحدود و الوحدة الترابية بكل قوة، في محيط ملتهب شرقا وغربا شمالا وجنوبا، وبتحديات متشابكة مع مصالح دولية وإقليمية متداخلة وغامضة.
وهو يقوم بهذا الدور في تلاحم وطيد مع الشعب الذي هو المنبع و ومزود الجيش بالمورد البشري، من أجل صيانة أمن وسلامة البلاد والحفاظ على أمانة الشهداء بكل إخلاص.
إلياس -ب