أكد مؤرخون ، أمس، أن مجازر 17 أكتوبر 1961 ، تبقى جريمة ضد الإنسانية وإرهاب دولة، كون طريقة تعامل السلطات الفرنسية، مع مظاهرات الجزائريين في فرنسا ، كانت عملية مبيتة و معدة مسبقا و أشاروا من جهة أخرى، إلى الدور الفعال للمهاجرين الجزائريين، وتأثيرهم الإيجابي على الداخل الجزائري و يرون أنه من الضروري الاستثمار اليوم أيضا في الجالية الجزائرية في الخارج بشكل إيجابي .
وأوضح الباحث في التاريخ الدكتور لزهر بديدة ، في تصريح للنصر، أمس، أن مجازر17 أكتوبر 1961 التي ارتكبتها القوات الفرنسية بمختلف تشكيلاتها ضد الجزائريين في فرنسا، خاصة في باريس وضواحيها، تبقى جريمة ضد الإنسانية وإرهاب دولة، لأن قمع و طريقة قتل المتظاهرين الجزائريين والانتقام منهم والتعامل مع المظاهرات، كانت عملية مبيتة و معدة مسبقا.
وأضاف أن هذه المجازر، تواصلت أيام 17 و18 و19 أكتوبر 1961، كما استمرت الملاحقات والمداهمات والمضايقات والمتابعات الأمنية والسجن وطرد الجزائريين من فرنسا إلى غاية شهر ديسمبر 1961.
وذكر الباحث، أن مظاهرات 17 أكتوبر 1961 ، كانت نتيجة للإجراء العنصري، الذي قرره موريس بابون محافظ شرطة باريس بالتوافق مع وزير الداخلية الفرنسي روجي فري وبموافقة الحكومة الفرنسية والتي أعطت الضوء الأخضر لموريس بابون، أن يطبق حظر التجول ضد الجزائريين تحديدا، بداية من يوم 6 أكتوبر 1961، من الساعة الثامنة والنصف حتى الساعة الخامسة والنصف صباحا.
وقد قررت فدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا بالتواصل مع الحكومة المؤقتة الرد على هذا الإجراء، خلال الفترة من 14 إلى 17 أكتوبر وهذا بعد إتمام التحضيرات وترك للقواعد تحديد التاريخ.
و ضبطت إجراءات التعامل مع حظر التجول ، من خلال 3 مراحل، ويكون في المرحلة الأولى ، خروج الجزائريين المقيمين في باريس وضواحيها يوم 17 أكتوبر ويومي 18 و19 يكون إضراب التجار و أصحاب المؤسسات لمدة 24 ساعة ويوم 20 أكتوبر، خروج النساء والأطفال والتموقع أمام المحاكم و السجون للمطالبة بإطلاق سراح معتقلي الثورة.
وأوضح الباحث، أن تقديرات الثورة، تشير إلى أن عدد الذين خرجوا في المظاهرات، خلال تلك الأيام يتراوح بين 80 إلى 100 ألف شخص ، وحتى بعض الفرنسيين الذين كانوا متعاطفين مع الثورة الجزائرية، خرجوا أيضا في المظاهرات، لافتا إلى أنه تم اعتقال الآلاف و كذا طرد الألاف من الجزائريين وإبعادهم إلى داخل الجزائر.
وأضاف أن هذه المجازر، أحدثت هزة في الدوائر الفرنسية، وكانت التداعيات كبيرة على الفرنسيين، الذين اعترفوا بمقتل 3 جزائريين فقط في البداية، ثم رفعوا الرقم إلى أكثر، لكنهم لم يعترفوا بسقوط ما بين 200 إلى 300 شهيد وأكثر من 400 مفقود
كما أكد المتدخل أن ردات الفعل الإعلامية و ردات فعل جبهة التحرير الوطني والحكومة المؤقتة التي اعتبرت ما وقع أنه إبادة وإرهاب دولة ضد الجزائريين، كان لها صداها خاصة على الجانب الإعلامي والدبلوماسي، مما دفع ديغول أن يعمل على تسريع الدخول في التفاوض مع جبهة التحرير الوطني.
كما اعتبر أن البعد الجماهيري، أدى دوره في الضغط على فرنسا، حيث برمجت الثورة وفعلت الحراك الجماهيري، الذي له ضغط كبير و أداء نفسي وإعلامي وإيجابي على الثورة وسلبي على الفرنسيين وهو ما وقع في مظاهرات 11 ديسمبر1960 في الجزائر وفي المرحلة الثانية خلال مظاهرات باريس في أكتوبر 1961 وذلك كان له دفع معنوي ومادي للمراحل النهائية من استرجاع السيادة الوطنية، مؤكدا في السياق ذاته، أن مظاهرات 17 أكتوبر، كشفت عن وجه فرنسا البشع والقبيح ومن جهة أخرى كشفت أن المجتمع الفرنسي في حد ذاته منقسم و أيضا السلطة الفرنسية منقسمة كما أنها مهدت للدخول في المرحلة النهائية من المفاوضات بين الثورة و فرنسا.
و أكد المتدخل، أن الجالية الجزائرية في فرنسا، كان لها دور مهم إعلاميا ودبلوماسيا وماديا وذكر أن المهاجرين الجزائريين، سواء كانوا في فرنسا أو في جهات أخرى، كان لهم دور فعال في الحركة الوطنية بمفهومها الشامل الثقافي والسياسي والاجتماعي وحتى العسكري، مشيرا إلى تأسيس حزب نجم شمال إفريقيا في فرنسا والذي اهتم بقضايا الجزائريين و قضايا منطقة المغرب العربي ، بالإضافة إلى تأثر جزء كبير من قيادات الحركة الوطنية بأفكار التحرر وتقرير المصير نتيجة وجودهم في فرنسا و كذا ارتباط بعض الجزائريين الذين درسوا في الجامعات الفرنسية بوطنهم وهويتهم ودفاعهم عن هذا الارتباط بشكل كبير. وأضاف في السياق ذاته، أن المهاجرين كان لهم تأثير إيجابي على الداخل الجزائري، ماديا ومعنويا وسياسيا وثقافيا وعسكريا وغيرها، معتبرا أن التواصل الدائم بين المهاجرين والداخل، ساهم في تنمية الوعي الوطني والذي بقي مستمرا، لافتا إلى أهمية الاستثمار اليوم في الجالية الجزائرية في الخارج بشكل إيجابي.
ومن جانبه، ذكر المؤرخ البروفيسور رابح لونيسي في تصريح للنصر، أمس، أن فدرالية جبهة التحرير الوطني، ردت على الإجراء الذي فرضه موريس بابون بكسر حظر التجول ليلا ، حيث خرج الآلاف من الجزائريين في باريس، في مظاهرات في 17 أكتوبر 1961، لكن السلطات الاستعمارية الفرنسية واجهتها بوحشية ، برمي الجزائريين في نهر السين.
وأكد المؤرخ، أن مجازر 17 أكتوبر 1961 ، جريمة ضد الإنسانية، لافتا إلى أن كل شيء كان يتم على يد الدولة الفرنسية والنظام الفرنسي.
وأضاف أن هذه المجازر ، كانت لها انعكاسات كبيرة، لأنها فضحت الجريمة الاستعمارية آنذاك وأعطت دفعا للثورة الجزائرية خاصة وأعطت قوة للجزائريين في المفاوضات، لأن تلك الصور التي وصلت إلى العالم أدانت الاستعمار الفرنسي.
من جانب آخر ، أبرز الباحث الدور الكبير للمهاجرين الجزائريين ، بداية من إنشاء حزب نجم شمال إفريقيا في 1926 والذي تحول إلى حزب الشعب سنة 1937 و بعدها حركة الانتصار للحريات الديمقراطية في 1946 وإنشاء المنظمة الخاصة، وعندما اندلعت الثورة عاد الكثير من المهاجرين من فرنسا وانخرطوا في العمل المسلح
وأضاف أن المهاجرين لعبوا دورا كبيرا في تسليح الثورة
وفي تمويلها.
ويرى المؤرخ البروفيسور رابح لونيسي، أن الجزائر اليوم بحاجة إلي الجزائريين في الخارج والذين يضمون كفاءات كبيرة جدا وطاقات علمية وفكرية وثقافية وإعلامية وبإمكان الجزائر أن تستفيد من هؤلاء المهاجرين ليس فقط اقتصاديا، بل حتى سياسيا بدعم قضايا ومصلحة الجزائر.
مراد -ح