أحيا سكان ولايتي قالمة و سوق أهراس أمس الأحد الذكرى 69 لاستشهاد مفجر الثورة بالقاعدة الشرقية باجي مختار و مجموعة من طلائع المجاهدين بينهم البطلة شايب دزاير أول شهيدة في حرب التحرير المقدسة، التي أذلت الاستعمار و أنهت ليله الطويل بعد أن ظل يسعى بكل السبل للنيل من الثورة و اجتثاث الهوية الجزائرية، بالإبادة الجماعية و الجرائم ضد الإنسانية و التهجير القسري و النفي إلى الجزر البعيدة و مناطق أخرى من العالم مازالت شاهدة تروي قصص القهر و الظلم الذي عاشه الأجداد القدامى الذين لم يستسلموا و لم يتوقفوا عن النضال و الكفاح المسلح لتحرير الأرض و الإنسان.
و قد تنقلت السلطات المدنية و العسكرية لولايتي قالمة و سوق أهراس و رفقاء السلاح و مواطنون إلى قرية باجي مختار بجبال بني صالح حاضنة القاعدة الشرقية التاريخية لإحياء الذكرى، و تجديد العهد مع الشهداء و المخلصين للوطن و الأمة التي مازالت تتعرض للمكائد و محاولات ضرب وحدتها و استقرارها.
و قد تم رفع العلم الوطني بموقع الجدارية المخلدة لذكرى استشهاد باجي مختار و رفاقه ببلدية مجاز الصفاء الواقعة شرقي قالمة على الحدود مع ولاية سوق أهراس، و وضع إكليل من الزهور و تليت فاتحة الكتاب ترحما على شهداء الوطن، و ألقيت كلمة بالمناسبة ذكرت بتضحيات الأبطال و جددت العهد معهم على حماية الوطن و الأمة من التحديات و المخاطر المستقبلية.
و حسب شهادات رفاق السلاح و المصادر التاريخية فإنه و في 19 نوفمبر 1954 و بعد أيام قليلة من بداية الثورة بمنطقة قالمة و القاعدة الشرقية التي تشمل اليوم 3 ولايات هي قالمة، سوق أهراس و الطارف حاصرت قوات العدو الفرنسي مجموعة من المجاهدين يقودهم باجي مختار بمزرعة دالي بن شواف الواقعة على الحدود بين قالمة و سوق أهراس، بعد تعقب و ملاحقة مستمرة منذ الفاتح نوفمبر يوم اندلاع الكفاح المسلح.
و قد حاول العدو إحكام الحصار على موقع المجاهدين و إجبارهم على الاستسلام لكن باجي مختار رفض رفع الراية البيضاء و قرر المقاومة حتى سقط شهيدا رفقة شايب دزاير و رفاقهم معلنين بداية قائمة طويلة من الشهداء تجاوزت المليون و نصف المليون شهيد من الأبطال الذين قرروا مواصلة المعركة على مدى سبع سنوات و نصف من الدمار و النار و القتل و التهجير و مصادرة الأراضي و الهوية الوطنية و الدينية للأمة الجزائرية.
و صار باجي مختار عضو مجموعة 22 التاريخية بعد استشهاده في عمر 36 عاما، رمزا للجهاد و المقاومة بالقاعدة الشرقية المتاخمة للحدود التونسية، بعد أن ظل المطلوب الأول للإدارة العسكرية الفرنسية التي كانت تدرك تمام الإدراك بأن الشاب الثائر على الغزاة هو النواة الصلبة للعمل المسلح بمناطق قالمة، سوق أهراس عنابة و الطارف و بات من الضروري وضع حد لنشاطه قبل أن يتعاظم.
و قد قام باجي مختار بأول عملية عسكرية تعرفها ثورة التحرير بالمنطقة يوم 6 نوفمبر 1954 عندما شن هجوما مسلحا على منجم البرنوس الواقع ببلدية حمام النبائل اليوم، و كان متشبعا بالروح الوطنية و على قدر من التعليم مما أهله لقيادة الثورة و تفجيرها بالمنطقة الشرقية.
و ظل شهيد الثورة المقدسة هدفا للاحتلال الفرنسي منذ مغادرته مقاعد الدراسة، حيث اعتقل قبل اندلاع الثورة، و كان من أبرز قادة الكشافة الإسلامية بمنطقة عنابة و سوق أهراس، و بعد أيام قليلة من اندلاع الثورة المقدسة و في ليلة 18 إلى 19 نوفمبر 1954 حدد العدو موقع باجي مختار و حاصره بمزرعة دالي بن شواف التي صارت اليوم معلما يؤرخ لأيام الثورة الخالدة، كان يوما عصيبا على باجي مختار و شايب دزاير و الرفاق و سكان المزرعة، لكن الإيمان القوي بعدالة القضية دفعهم إلى المقاومة من داخل المزرعة حتى أخر رصاصة و قطرة دم في سبيل الله و الوطن و الأمة معلنين بذلك بأنه لا تفاوض مع العدو و لا استسلام حتى تحرير الوطن و تبديد ليل الاستعمار الطويل.
فريد.غ