دخلت المملكة المغربية مرحلة تصعيد جديدة في تصرفاتها الاستفزازية تجاه الجزائر، من خلال مشروع مصادرة ممتلكات سفارة الدولة الجزائرية في المغرب. ضمن سلسلة الاستفزازات المغربية التي تعدّدت صوّرها منها استهداف الجزائر بالمخدرات والمهلوسات والتحريض على الفتنة من خلال بث منشورات وأكاذيب على شبكات التواصل الاجتماعي، واستخدام برنامج التجسس «بيغاسوس» للتنصت على مسؤولين وصحافيين.
دشنت السلطات المغربية فصلا جديدا من فصول الاستفزازات ضد الجزائر، من خلال مشروع مصادرة ممتلكات سفارة الدولة الجزائرية في المغرب، والذي يشكل، كما ذكرت وزارة الشؤون الخارجية، «انتهاكا جسيما لاحترام
و واجب حماية الممثليات الدبلوماسية لدول ذات سيادة الذي تكرسه القوانين والأعراف الدولية»، والتي أكدت أن سلوك المغرب «يتنافى مع الممارسات الدولية المتحضرة وينحرف بشكل خطير عن التزامات اتفاقية فيينا حول العلاقات الدبلوماسية، التي تفرض عليها احترام وحماية السفارات المتواجدة على ترابها مهما كانت الظروف».
وكان المغرب قد أعلن عن مشروع لتوسيع مباني وزارة الخارجية. ووفق ما نقلته وسائل إعلام مغربية، قررت الحكومة المغربية مصادرة العديد من العقارات والأراضي التابعة للدولة الجزائرية، لأغراض توسيع مقرات الخدمة التابعة لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون بالرباط. وبحسب هذه المعلومات، يتعلق الأمر بثلاثة عقارات مملوكة للدولة الجزائرية وتقع بالعاصمة المغربية، ويسمى العقار الأول بـ «كباليا» وتبلغ مساحته 619 مترا مربعا. والثاني يسمى «زانزي» وتبلغ مساحته 630 مترا مربعا، وبه دار للسكن من طابقين ومكاتب بالطابق الأرضي ومرافق. أما العقار الثالث فهو «فيلا دي سولاي لوفون» وتبلغ مساحتها 491 مترا مربعا وبها مرافق.
وتعد الخطوة حلقة جديدة من الاستفزازات المغربية ضد الجزائر التي رفضت الانزلاق إلى المستنقع الذي حاول المخزن عبر أكاذيبه وسقطاته، جر الجزائر إليه، بل عملت الجزائر على قطع العلاقات مع النظام المغربي، دون قطع «العلاقات الانسانية» مع الشعب المغربي وهو ما تجلى من خلال الموقف الذي أبدته السلطات الجزائرية بعد الزلزال الذي هز المغرب وخلف مئات القتلى والجرحى. حيث أعلنت استعدادها التام لتقديم المساعدات الإنسانية ووضع كافة الإمكانيات البشرية والمادية تضامنا مع الشعب المغربي الشقيق. كما قررت فتح مجالها الجوي أمام الرحلات لنقل المساعدات الإنسانية والجرحى والمصابين.
ولم تكتف المغرب بالاستفزازات بل راحت تطلق العنان لسياسيتها العدوانية ضد الجزائر باستخدام الأكاذيب ونشر المنشورات المضللة والترويج لها على صفحات التواصل الاجتماعي، كما عملت على بث الفتنة والتفرقة بين الجزائريين، وبرز ذلك جليا خلال الحرائق التي عرفتها منطقة القبائل، إضافة إلى الترويج لعمليات اختطاف الأطفال وبث أكاذيب بغرض بث الخوف والرعب في صفوف المواطنين.
في حلقة ضمن سلسلة اعتداءات وأعمال عدائية دأب عليها المخزن منذ الاستقلال، ضاربا عرض الحائط القوانين والأعراف الدولية ، فضلا عن مبدأ حسن الجوار والتعاون والثقة المتبادلة التي حرصت الجزائر وبحسن نية على إرسائها، في وقت أصر فيه المخزن على إدخال العلاقات الثنائية في نفق مسدود يصعب الخروج منه.
المخدرات المغربية لاستهداف الجزائر
وكشفت اعترافات أدلى بها مُهرب المخـدرات المغربي الموقوف المدعو “عبد الغني شنة” تورط المخزن والمخابرات المغربية في عملية إنتاج المخدرات وتهريبها إلى الجزائر، وبعد توقيفه من قبل عناصر الجيش ببشار وبحوزته 207 كيلوغرام من الكيف المعالج وسلاح ناري. أدلى مهرب المخدرات المغربي المدعو «عبد الغني شنة» باعترافات مثيرة بثها التلفزيون العمومي. حول ضلوع نظام المخزن في تهريب المخدرات إلى الجزائر. وقال الموقوف في تصريحاته إن الشباب المغربي المتورط في تهريب المخدرات، يقوم بذلك “بسبب الظروف الاجتماعية القاهرة وتفشي الفقر والبطالة”. وتابع المتحدث بالقول إن “المخزن والمخابرات المغربية ضالعون ومتواطئون في نشاطات إنتاج المخدرات وتهريبها إلى الجزائر”.
ويؤكد محللون، بأن الجزائر تخوض حربا ضد مافيا المخدرات المدعومة من المخابرات المغربية، التي تستهدف فئات واسعة من المجتمع وبالأخص الشباب، ولم يسلم منها حتى تلاميذ الثانويات والمتوسطات الذين أصبحوا هدفا رئيسيا لعصابات الاتجار بالمخدرات التي تستهدف بمخططاتها الدنيئة «تدمير عقول الشباب» باستخدام أطنان المخدرات والحبوب المهلوسة التي تتدفق سنويا على الجزائر وخاصة عبر الحدود المغربية.
و وصف وزير الداخلية والجماعات المحلية، إبراهيم مراد، تدفق المخدرات من الحدود المغربية إلى الجزائر بأنها «حرب موجهة ضد البلاد». كما أشار ممثل الجزائر لدى الأمم المتحدة إلى سعي المغرب المتواصل لإغراق الجزائر بالقناطير المقنطرة من المخدرات٫ مضيفا بأن المغرب يتميز بكونه أول منتج ومصدر في العالم للقنب الهندي», حسب أحدث معطيات مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة. وحذر أنه «يضاف منذ وقت قصير إلى هذا المخدر (القنب الهندي) مخدر صناعي خطير جدا على صحة أطفالنا والذي قد يؤثر على سكاننا للأبد». كما حذّرت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، من “حملة تُحاك ضد الجزائر بنشر المخدرات في أوساط الشباب”. ودعت الأسر إلى حماية أبنائها من هذه الآفة.
ولم تتوقف السياسة العدوانية المغربية عند هذا الحد، بل تجاوزت الأعراف الدبلوماسية، من خلال اللجوء إلى التنصت على عدد كبير من الجزائريين، وهو ما أكده ممثل الجزائر الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير عمار بن جامع، الذي كشف، في أكتوبر الماضي، بأن المملكة استخدمت برنامج التجسس «بيغاسوس» للتنصت على أكثر من 6000 جزائري.
قطيعة مع المغرب بسبب سياسة المخزن العدائية
وكانت الجزائر قد عمدت قبل عامين، لسحب سفيرها من الرباط، قبل أن تقرر قطع العلاقات الدبلوماسية شهر أوت ومنع الطائرات المغربية المدنية والعسكرية من التحليق في الأجواء الجزائرية وإلى جانب عدم تجديد اتفاقية نقل الغاز إلى إسبانيا عبر الأنبوب المار عبر المغرب، ردا على سياسيات المغرب العدائية تجاه الجزائر.
ولم يكن قرار السلطات الجزائرية بقطع العلاقات مع المغرب في 2021، «ارتجاليا ولا متسرعا» بل جاء بعد سنوات من «ضبط النفس» برغم الطعنات المتتالية التي تلقتها الجزائر في الظهر من الجارة الغربية بداية بتصنيف الجزائر كبلد «عدو» على لسان دبلوماسي مغربي، وصولا إلى تصريحات ممثلها الدائم في الأمم المتحدة الذي دعا صراحة إلى الفتنة في الجزائر، بعدما تبين جليا وقوف المخزن إلى جانب الحركتين الإرهابيتين «الماك» و «رشاد» ودعمهم ماديا، وسعي المخابرات المغربية لشراء ذمم من يسمون بالمعارضين في الخارج والذين أعلنوا صراحة ولاءهم للمخزن على حساب وطنهم ومصالحه.
واستمر مسلسل الاستفزاز المغربي ليصل إلى مستويات خطيرة بعد قصف شاحنتين جزائريتين وهي في طريقها نحو موريتانيا لتسليم شحنة من الاسمنت الأبيض، خلفت مقتل ثلاثة سائقين جزائريين في نفس اليوم الذي كان يحتفل فيه الجزائريون بذكرى اندلاع الثورة التحريرية.
ويبدو تطبيع المغرب مع الكيان الصهيوني أكسبه ثقافة التعنت والاستفزاز والعدوان الذي لا يقف عند أي ضابط، خاصة مع زيارات مسؤولين من دولة الاحتلال المغرب على غرار وزير الخارجية يائير لبيد الذي هدد الجزائر من الرباط إلى جانب زيارة وزير الدفاع بيني غانتس، وتوجت بعقد اتفاق دفاعي وأمني بين البلدين، وهو ما يعد بوضوح لا لبس فيه، استفزازا للجزائر، ومحاولة للاستقواء بالكيان الصهيوني على الجار، في سلوك أرعن.
الجزائر تحلّت بأقصى درجات ضبط النفس
وأمام تلك الاستفزازات المتتالية، رفضت السلطات الجزائرية، الخضوع لسلوكيات وأفعال مدانة كما ترفض منطق الأمر الواقع والسياسات أحادية الجانب بعواقبها الكارثية على الشعوب المغاربية. كما ترفض الجزائر الإبقاء على وضع غير اعتيادي يجعل المجموعة المغاربية في حالة من التوتر الدائم تتعارض كليا مع المبادئ والقواعد المنظمة للعلاقات الدولية ولعلاقات الجوار والتعاون.
الجو المشحون الذي خلفته ممارسات المخزن المغربي بدأت من تصريح القنصل المغربي بالجزائر، حيث قال في لقاء مع أبناء جاليته المتواجدين في الجزائر، بأنهم في بلد عدو. ومنذ ذلك الحين، بدأ مسار من الأخطاء، التي لا ترتكب من طرف دولة، تعتبر شقيقة ، وحملت الأيام الأخيرة العديد من التجاوزات الملموسة، كان «أولها دعوة ممثل المملكة لدى الأمم المتحدة، لاستقلال منطقة القبائل، مسانداً بهذا حركة مصنفة في الجزائر كحركة إرهابية، في موقف غير مفهوم، يضاف إلى ذلك فضيحة «بيغاسوس» وثبوت تجسس المملكة على مسؤولين جزائريين، حالهم حال مسؤولين أوروبيين، بالإضافة لموافقة المغرب للكيان الصهيوني، للانضمام إلى الاتحاد الإفريقي كعضو مراقب».
ورغم ضربات المخزن في الظهر، تحلت الجزائر بأقصى درجات ضبط النفس، في مواجهة أعمال استفزازية مغربية جد خطيرة وممنهجة ضد الجزائر في خضم إصرارها على إلحاق الضرر ببلادنا، ومنها فتح المجال أمام وزير الكيان الصهيوني وتحريضه ليكيل اتهامات باطلة ضد الجزائر، ويوجه تهديدات مبطنة انطلاقا من الأراضي المغربية، وهو ما ينم عن العداء الشديد الذي يكنه المخزن لبلادنا.
كما سبقته في ذلك تصريحات السفير المغربي لدى الأمم المتحدة الذي داس على كل الأعراف الدبلوماسية خاصة عندما يتعلق الأمر ببلدين «شقيقين»، من خلال تأييده وتحريضه على المساس بالسيادة الترابية للجزائر، ولم يكن موقف الجزائر بقطع العلاقات مع هذا البلد سوى وسيلة لتجنّب الحرب، كما قال الرئيس تبون في تصريح سابق للصحافة.
ع سمير