قالت كهينة زغدوش، صانعة محتوى طبخ جزائرية مقيمة بروسيا، إن المطبخ الجزائري يعرف شهرة واسعة في روسيا، ويملك شريحة كبيرة من المعجبين بأطباقه، مضيفة أن أصدقاء عائلتها يفضلون قضاء مختلف المناسبات في بيتها لأجل تذوق وصفاتها المتنوعة واللذيذة.
حاورتها/ إيناس كبير
كهينة أوضحت للنصر، أنها بدأت الترويج للمطبخ الجزائري منذ الأشهر الاولىلوصولها إلى روسيا عندما كانت طالبة جامعية مقيمة، حيث أخبرتنا بأن رائحة طبخها كانت تحث زملاءها على تجريبه، لينتهي بهم المطاف عشاقا للأكلة فيطلبون وصفة إعدادها على غرار « الكسرة « وحلوى «الكروكي».
وحسب محدثتنا، فإن «البوراك» الذي تصنعه نال المرتبة الأولى، في مسابقة نظمتها الجامعة التي تعمل بها، وتحصلت بفضله على شهادة، وترى كهينة، أن التنوع الذي تعرفه مختلف الولايات فضلا عن تميزها بأكلات خاصة هو وسيلة تستخدمها لتنبيه الأجانب إلى عناصر ثقافية جزائرية أخرى لاسيما الأدب، اللباس التقليدي، وكذا الأخلاق التي تربط المعاملات في المجتمع الجزائري كالحياء والتواضع.
في المطبخ أصنع غذائي وأبني شخصياتي
الشابة التي تقيم بروسيا منذ 05 سنوات وتنحدر من ولاية وهران أخبرتنا أن قصتها مع الترويج للمطبخ الجزائري بدأت في الواقع قبل انطلاق تجربتها في صناعة المحتوى على «يوتيوب»، وذلك منذ الأشهر الأولى التي تلت انتقالها إلى البلد لمواصلة دراستها، وأنها كانت تحضر أطباقا في الإقامة الجامعية فتجذب الرائحة زميلاتها وزملاءها الروسيين، الذين يسألونها عن كيفية إعداد الأطباق الجزائرية على غرار وصفتي «الكسرة» وحلوى «كروكي».
خرجت كهينة كما علمنا منها، من الإقامة برفقة وصفاتها واستأجرت غرفة لدى سيدة روسية تدعى «كيوتيا كلافا» أخبرتنا بأنها كانت تساعدها في الأعمال المنزلية خلال عطلة الأسبوع، وتعد لها الطعام، بينما تقف السيدة أمامها تحمل ورقة وقلما وتدون كل ما تراه وتسمعه منها، وبحسبها، فإن هذه الأخيرة أتقنت طهي «الكسرة» وتحضير طبقي «الكسكس والشربة»، وأطباق أخرى ومن شدة إعجابها بالمطبخ الجزائري، قالت لنا الشابة إنها كانت تساعدها بطريقة غير مباشرة في التعريف بالثقافة الجزائرية حيث كانت تحكي لجيرانها وصديقاتها عن الأطباق الجزائرية، كما تستضيفهم أيضا لتذوقها.
وأفادت الشابة، أن دائرة معارفها توسعت حاليا، بعد زواجها وأصبحت تملك أصدقاء وصديقات تستضيفهم في منزلها تحضر لهم طاولة تصف عليها ما لذ وطاب من الأطباق الجزائرية، مثل «شربة فريك و البوراك، السلطة الجزائرية، المثوم وغيرها»، أيضا أطباق في الفرن، كما تستضيف زوجات أصدقاء زوجها الذين يحبون زيارتها لاسيما في المناسبات، للاستمتاع بأكلها وتعلم وصفاتها.
ارتبطت كهينة بالمطبخ منذ صغرها عندما كانت تبلغ من العمر 12 سنة، وساعدها في ذلك تدريب والدتها لها، تقول إنها كانت تتركها بمفردها هناك بعد أن تحدد لها الوقت الذي يجب أن تُحضر فيه الوجبة، فتجد نفسها مضطرة لتعلم كل ما له علاقة بإنجاز مهمتها على أكمل وجه، كما تَكَوَّن جزء آخر لدى جارتها المغتربة في فرنسا، فعند عودتها إلى الجزائر كانت بدورها قد تعلمها تحضير بعض الأطباق والتعود على التعامل مع المطبخ دون ارتباك،كما كشفت لها عن كثير من الوصفات، أما في مطبخ خالتها أطلعت الشابة على استخدام التوابل والوصفات التي تليق بكل تابل، وكذا جدتها وجارتها، وأختها تركن بصماتهن في هذه المرحلة من حياتها. وترى كهينة، بأن انحدارها من منطقة القبائل والعلاقات المتشابكة المميزة التي تربطها بالمنطقة، ساعد على اهتمامها بالمطبخ الأمازيغي أيضا، وجعلها طباخة ماهرة تبتكر وصفات متنوعة، وعلقت «أحيانا أُخرج مكونات مختلفة من الثلاجة ثم ابتكر بها طبخة لذيذة، أو أعيد تحضير أكلة راقت لي كنت قد تناولتها في مطعم، وأضيف إليها لمستي الخاصة».
أصابع الشابة، التي تمزج المكونات الغذائية فتخرج أطباقا متنوعة، صديقة للقلم أيضا، فقد ذكرت لنا بأنها ألفت رواية سنة 2021 بعنوان «الغرباء»، كما أنها بصدد كتابة أخرى بأحداث وشخصيات تحاكي الأجواء الروسية، وداخل مطبخها يلتقي الأدب بنفحات الأكل الطيبة، فتحفز مخيلتها لبناء شخصياتها وأحداثها وعبرت قائلة «في المطبخ أصنع الغذاء، وأبني شخصيتي».
هذا أكثر ما يفضله أصدقائي الروس
تطل كهينة على متابعيها عبر قناتها على «يوتيوب» مرتدية الزي القبائلي التقليدي، تقابلها مكوناتها من خضر، وتوابل، ولحوم لتحضير طبق شهي وقد أخبرتنا، أن فكرة التواجد على مواقع التواصل الاجتماعي، راودتها بعد طلب من أصدقائها الجزائريين المتزوجين بروسيات، إذ يتواصلون معها للسؤال عن وصفة «الكسكس»، أما في شهر رمضان فيتمحور الحديث حول طبق «اللحم الحلو» و»البوراك»، مضيفة أن الجالية الجزائرية بروسيا كبيرة لذلك فقد أصبحت قناتها دليلا للكثيرين، ووصفت محدثتنا المطبخ الجزائري بأنه غني، حيث يمكن تحضير طبق مختلف كل يوم وأرجعت ذلك إلى تنوع أكلات كل ولاية.
ورغم أنها نشرت فيديوهات قليلة فقط بسبب ضيق الوقت، إلا أنها حققت تفاعلا ومشاركات فضلا عن أن بعض متابعيها يراسلونها على تطبيق المحادثات «واتس آب» للتعمق أكثر حول طريقة تحضير الوصفة.
ويحظى «البوراك» بشهرة واسعة في روسيا، وتقول كهينة إن عددا كبيرا من معارفها يطلبون منها تحضيره، خصوصا وأنها تصنع أوراق «ديول» في البيت، ما يمنحه طعما خاصا، ومن القصص التي سردتها علينا، أنها في إحدى المرات كانت ضيفة في عيد ميلاد أحد معارفها، مع 50 شخصا وقد أحضرت معها أوراق «ديول» والحشو وطلبت منهم أن يدلوها على المطبخ، حيث أعدت لهم «البوراك» وبعد تذوقه طلبوا منها الوصفة ثم نشرتها على قناتها.
وقالت أيضا، إنها تحضره في منزلها قبل الخروج في نزهاتها أين تلتقي بسيدات روسيات توزع عليهن نصيبهن منه، وأفادت بأنهن يبدين إعجابهن به، كما تُوجت بالمرتبة الأولى خلال مشاركتها في مسابقة نظمتها الجامعة التي تُدرس بها السنة الماضية، وصُنف «البوراك الجزائري» أفضل طبق أجنبي، متفوقا على أطباق من مصر، الهند، «فيتنام» والصين.
وذكرت، بأن أصدقاءها أيضا يطلبون منها وصفة تحضير طبق «الكسكس» و «طاجين الزيتون»، وفي هذا السياق ذكرت، بأن الروسيين لا يعرفون بأن الزيتون الأخضر يمكن أن يُقدم كطبق مع اللحم، حيث يأكلونه مع السلطة فقط، ولا يعرفون بأن «اللفت» يمكن طبخه ووضعه فوق طبق «الشخشوخة»، و لا يستخدمون «الحمص» مع المرق.
وتتميز الأطباق الجزائرية عن الروسية، بتنوعها فضلا عن استخدام البهارات في تحضيرها، وكذا في طريقة الطهي، وهو ما يجعل الأكل الجزائري لذيذا حسبها، وأتبعت بأن المطبخ الروسي يحتوي على عدد قليل من الأطباق بينما يوجد تنوع في الجزائر وهو أمر مبهر كما عبرت.وفي سياق متصل، تأسفت محدثتنا لغياب منتجات جزائرية في أسواق روسيا، مثل المشروبات الشهيرة و التمر و الديول» حيث يضطر المغتربون إلى إحضارها معهم من الجزائر.
وبالرغم من التنوع الذي تعرفه بلادنا، إلا أنها تقدم كل وصفة على أنها جزائرية بغض النظر عن المنطقة التي تشتهر فيها وقالت: «عندما أطهو البقلاوة لا يهمني إلى أي ولاية تنتمي بقدر ما يهمني أن أروج لها على أنها حلوى جزائرية»، وواصلت قائلة «الجزائريون في الأصل يطبخون أطباقا من ولايات أخرى، في بيتنا نحضر الشخشوخة البسكرية، و الكسكس الأبيض مثل العاصميين، و الكسكس بالخضر مثل الذين ينحدرون من منطقة القبائل، إلى جانب كسرة المطلوع، و الحريرة «، كما تطمح الشابة للتواصل مع جزائريين من منطقة الجنوب للتعرف على أطباقهم أيضا.
الأزياء الجزائرية جزء من الحنين للوطن
وعن إطلالتها المميزة قالت، إن الأزياء التقليدية إلى جانب حلي الفضة يعدان جزء من ذكرياتها، وإلى غاية الآن ما تزال تلبس «جبة قبايل» في منزلها بروسيا، فبالنسبة لها يرتبط هذا الزي بالحنين أكثر من الثقافة، كما تقدمه في شكل هدايا لعائلة زوجها، وصديقاتها ومعارفها، وأردفت بأنها حضرت مؤخرا مهرجانا في العاصمة موسكو، شاركت فيه مصممة أزياء مشهورة، وعندما رأت سوارها الفضي أُعجبت به كثيرا فأهدتها إياه.
وقالت، إن هذه الحركة هي طريقة للترويج للثقافة الجزائرية، حيث تساعد شهرة المصممة في تعريف الكثيرين بالحلي الجزائري، وأضافت بأنها ترتدي أزياء جزائرية أيضا في النشاطات الخاصة بالطلبة، على غرار «الكراكو الجزائري»، كما كشفت لنا كهينة، بأنها تعتمد على كتب المنهاج القديمة لتدريس اللغة العربية في روسيا، خصوصا وأنها من المهتمين بالأدب، فتسعى أيضا للتعريف بأدباء جزائريين من أمثال كاتب ياسين وآسيا جبار، ومحمد ديب، وقالت إن الجامعة حيث تدرس عرفت محاضرات تناولت سيرهم الذاتية. واعتبرت كهينة الترويج لحضارة وتراث بلده واجب كل إنسان حتى يحافظ عليه من الاندثار، كما تطرقت للحديث عن الاعتزاز بالجذور وقالت، إن المغتربين يجب أن يعتزوا بثقافتهم وأصولهم ويزرعوها في أبنائهم وأحفادهم حتى تظل حية وممتدة، ولا ينصهروا في الثقافة الغربية.
الثقافة الجزائرية متنوعة
من جهة أخرى، تقول محدثتنا، إنها تحب أن تنشر كثيرا من المواضيع عن الثقافة الجزائرية، و تعرف بها كذلك من خلال تعاملاتها مع أصدقائها وجيرانها الروسيين، وأفادت بأنه من العادات التي كان أصدقاؤها الروس يعتبرونها غريبة، عادة مشاركة الجيران أطباق الطعام، لكن الفكرة بحد ذاتها لاقت قبولا لديهم وأُعجبوا بها كثيرا. تزور كهينة أيضا، أصدقاءها إذا ما أصابهم مرض في المستشفى وهي من العادات الدخيلة على المجتمع الروسي، إذ يكتفي أفراد بالسؤال على بعضهم من خلال الهاتف فقط، وعبرت قائلة «أحافظ دائما على عاداتنا الجيدة، وسوف أعلمها لأبنائي «.
ووفقا لها، فإن المغترب يعكس صورة بلده وشعبه لذلك يجب أن يشعر بالمسؤولية عند التعامل مع الأجانب لترسيخ صورة جيدة لديهم، وكذلك تحب كهينة أن ترسخ لذكريات طيبة عن الجزائر لدى أفراد من الشعب الروسي كما عبرت.
إ.ك