تحيي الجزائر الذكرى 62 لاسترجاع السيادة الوطنية بسجل حافل من الإنجازات على جميع الأصعدة لإرساء دعائم جزائر جديدة وفية لمبادئ أول نوفمبر 1954، سيدة في قراراتها، بمؤسسات قوية، وتصحيح اقتصادي من أجل تحقيق سيادة اقتصادية حقيقية و ارساء أسس اقتصاد متين ومتنوع قادر على مواجهة التحديات العالمية الجديدة، ودبلوماسية مبنية على أسس ثابتة مدافعة عن حقوق الشعوب وتطلعاتها في الانعتاق والتحرر وتقرير المصير.
تحتفل الجزائر هذا الخامس من يوليو بالذكرى 62 للاستقلال والسيادة المتكملة الأركان، والتي لمس الجزائريون في الفترة الأخيرة كل معانيها مع استكمال الالتزامات التي وضعها رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، لتأسيس الجزائر الجديدة الوفية لمبادئ الثورة التحريرية ومرتكزة على الثوابت التي ترسخت منذ 1962، تعزيزاً للسيادة الوطنية واستقلالية القرار الوطني، متطلعة إلى غد أفضل أساسه قاعدة مؤسساتية صلبة وممارسة ديمقراطية حقيقية.
وقد أكد رئيس الجمهورية، أن السيادة الوطنية تصان بالارتكاز على جيش قوي مهاب واقتصاد متطور وأن التطور الذي تشهده الجزائر أمر ملموس لا ينكره إلا جاحد. وبطاقات شبانية متشبعة بالروح الوطنية ومتفتحة على العالم، مع العمل المتواصل لرص الصفوف وتعزيز الوحدة الوطنية ومواجهة المحاولات التي تسعى لضرب سيادة واستقرار البلاد.
ولتجسيد ذلك وضع الرئيس على رأس أولوياته استكمال دعائم السيادة الوطنية واستقلالية القرار بالعمل بعث عجلة التنمية وتطوير الاقتصاد الوطني وبعث القطاعات التي عانت من الركود على غرار القطاع الصناعي من خلال مشاريع هيكلية ستغير وجه البلاد في السنوات المقبلة، وعيا منه بأن التحدي الحقيقي للبلاد بعد استرجاع سيادتها يكمن في تحقيق الازدهار الاقتصادي والاجتماعي. في ظروف إقليمية ودولية تستوجب تكاتف جهود الجميع لرص الصفوف وتقوية الجبهة الداخلية»
كما جعلت الجزائر من الحفاظ على الذاكرة الوطنية والعرفان لتضحيات المجاهدين والشهداء واجبا مقدسا وواحدة من أهم الأولويات، وذلك بتوجيه من رئيس الجمهورية الذي أكد في عديد المناسبات حرصه على ملف التاريخ والذاكرة، والذي ينبع من تلك الصفحات المجيدة ومن تقدير الدولة لمسؤوليتها تجاه رصيدها التاريخي، باعتباره أحد المقومات التي صهرت الهوية الوطنية الجزائرية.. وهو حرص ينأى عن كل مزايدة أو مساومة لصون ذاكرتنا بعيدا عن الاستغلال السياسي.
ويحتفي الجزائريون هذا العام بذكرى استرجاع السيادة الوطنية، وهم يشهدون تجسيد معالم عهد جديد، يستند إلى إرادة سياسية قوية بدأت ب54 التزاما تعهد بها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، والتي بدأت بتعهدات انتخابية وتبلورت في برنامج سياسي طموح، أصبحت اليوم واقعا ملموسا جوهره دستور نوفمبر 2020 ومعالمه مؤسسات دستورية جديدة ومجالس منتخبة كرست القطيعة مع ممارسات الماضي واختارت الاندماج في مشروع وطني واعدة.
الإرث التاريخي لتأسيس الجزائر الجديدة
وعمل رئيس الجمهورية، على التأسيس للجزائر الجديدة انطلاقا من الإرث التاريخي والوطني الذي يعد أساسا صلبا تقوم عليه اليوم الدولة الوطنية المستقلة التي صمدت وانتصرت بمرجعية نوفمبر، أمام الهزات والمحن، وحرص منذ توليه سدة الحكم على استعادة هيبة الدولة واستكمال عملية البناء المؤسساتي مرورا بأخلقة الحياة العمومية، حيث نجح في إعادة الثقة بين الجزائريين ودولتهم، وتكريس الدولة الاجتماعية التي تضمنها بيان أول نوفمبر.
وكان التوجه منذ البداية نحو تعزيز السيادة الوطنية بمفهومها الواسع لتشمل عديد المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية كما تفرعت إلى الأمن المائي والغذائي والمالي للحفاظ على استقلالية القرار وسيادة التوجه وتفادي السقوط في فخ الاملاءات الأجنبية تحت ذريعة الدعم الاقتصادي والمالي، وهي ذريعة عادة ما تستعملها الدول الكبرى لفرض منطقها وهيمنتها دوليا.
وقد شرعت الحكومة، وبتعليمات من رئيس الجمهورية، في تجسيد استراتيجية تنموية جديدة تعتمد على الإنصاف بين كل مناطق الوطن من خلال التركيز على المقومات والمؤهلات الفلاحية والاقتصادية التي تزخر بها كل ولاية، خاصة ولايات الهضاب العليا والجنوب بغرض استدراك التأخر المسجل في مجال التنمية. إضافة إلى استحداث الولايات الجنوبية العشر وتدعيمها بالموارد الضرورية للإقلاع التنموي، و كذا برنامج مناطق الظل, وما حمله من مشاريع ذات أثر مباشر على المواطن سمحت بتأهيل المرافق العمومية والهياكل القاعدية، إلى جانب البرامج التكميلية للتنمية المقررة لفائدة عدد من الولايات والتي سمحت بدعمها بمشاريع مهيكلة ذات بعد جهوي ووطني من شأنها رفع جاذبيتها.واستطاعت البلاد في ظرف خمس سنوات أن تقطع أشواطا هامة في كافة المجالات، حيث أعطى الرئيس دفعا قويا لمسار تنويع الاقتصاد الوطني والخروج من التبعية المفرطة للمحروقات بفضل قانون الاستثمار الجديد الذي يحرر المبادرات ويشجع على خلق الثروة، فيما تعرف الصادرات خارج المحروقات تطورا استثنائيا منذ سنة 2020، بانتقالها من 3,8 مليار دولار على أكثر تقدير قبل سنة 2020 إلى 7 مليار دولار هذه السنة و التي ينتظر أن تقفز إلى 29 مليار دولار بحلول سنة 2030. كما أطلقت الجزائر مشاريع ضخمة في قطاع المناجم، وهي مشاريع هيكلية حقيقية ستمكن البلاد من تحقيق قفزة تنموية كبيرة، كما ستغير وجه المناطق التي تحتضن هذه المشاريع، من خلال إطلاق العديد من المشاريع الكبرى على غرار مشروع غارا جبيلات الذي أصبح حقيقة ولم يعد مجرد حلم، ومشروع السكة الحديدية تندوف – بشار الذي شُرع في إنجازه، ومشروع إنشاء أكبر مزرعة في العالم لإنتاج الحليب مع الأشقاء القطريين، إلى جانب تشجيع وتسهيل الاستثمار، مع إيلاء عناية خاصة بالشباب.
وسيساهم إطلاق مشروع السكك الحديدية الضخم الرابط بين شمال وأقصى جنوب البلاد، في بروز أقطاب اقتصادية جديدة ستضمن للجزائر استدامة النمو، فمشاريع السكك الحديدية تعد من أبرز مشاريع الفترة الخماسية. وهي جهود تترجم طموح بلادنا لتعزيز مكانتها الاقتصادية، وهو ما أكده رئيس الجمهورية، الذي التزم بتطوير الاقتصاد أكثر فأكثر، حيث بدأت تتجلى بوادر هذا التطور، باعتراف كل الهيئات الاقتصادية الاقليمية والدولية، حيث اصبح اقتصاد بلادنا يحتل المرتبة الثالثة إفريقيا، مشيرا أن سنة 2027 ستكون مفصلية في المستقبل الاقتصادي للجزائر.
كسب معركة الأمن الغذائي والمائي
وقد وضعت الجزائر تحقيق أمنها الغذائي والمائي وتوفير كافة الظروف لتجسيده في صلب استراتيجياتها لما لذلك من تأثير على مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، وبشكل أخص على استقلالية القرار السياسي والاقتصادي للدولة.
وقد صنف برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، الجزائر، الأولى إفريقيا في مجال الأمن الغذائي. حيث تم إيلاء أهمية خاصة للفلاحة، الذي كان ضحية البيروقراطية التي أعاقت نموه. وتم تسطير إستراتيجية لتوسيع المساحات المزروعة خاصة بالجنوب وتشجيع الاستثمار ومساعدة الفلاحين المتضررين من الكوارث الطبيعية، وإطلاق برنامج ضخم لإنشاء صوامع لتخزين الحبوب، وهي كلها عوامل ساهمت في رفع أداء القطاع الفلاحي.
وقد تمكنت الجزائر من توفير ما لا يقل عن 1,2 مليار دولار لفائدة خزينة الدولة، عقب الإنتاج الوفير المُحقق، هذا الموسم، من القمح الصلب، والذي وضع الجزائر على مقربة من الاكتفاء الذاتي التام، وبهذا الخصوص، أمر السيد الرئيس بتحديد هدف استراتيجي للوصول إلى توسيع المساحات المزروعة بجنوبنا الكبير إلى 500 ألف هكتار، خاصة مع استثمار دولة قطر الشقيقة لـ 117 ألف هكتار، وإيطاليا لـ 36 ألف هكتار، علاوة على استثمارات وطنية بـ 120 ألف هكتار. وشدّد السيد الرئيس على أن الاكتفاء الذاتي التام أصبح قريب المنال بإنتاجنا لـ 80 بالمائة من القمح الصلب، باعتبار ذلك من تقاليد الإنتاج والاستهلاك الجزائري، وكونه منتوجا قليل الكميات، في السوق العالمية مقارنة بالقمح اللين.
كما تقدمت الجزائر بخطوات ثابتة نحو تحقيق الأمن المائي، من خلال استراتيجية ورؤية استشرافية سمحت باتخاذ مجموعة من الإجراءات من أجل التوصل إلى تحقيق الأمن المائي، وتم بهذا الخصوص إطلاق برامج استعجالية لمواجهة شح التزود بالمياه الذي تعرفه بعض الولايات، متمثلة في إنجاز الآبار في عديد الولايات، فضلا عن برنامج إنجاز محطات لتحلية مياه البحر، الذي سطر على المديين المتوسط والقصير.
ثوابت اجتماعية ودور إقليمي ريادي
وقد شكل الحفاظ على الطابع الاجتماعي للدولة، أحد أبرز الأولويات كونه من المبادئ الثابتة والراسخة للدولة الجزائرية والذي حافظت عليه منذ الاستقلال، وتم التأكيد مرارا على أن «اجتماعية الدولة الجزائرية تعد مبدأ ثابتا متجذرا ببيان أول نوفمبر 1954»، وعملت الجزائر على تكييف مضامينه مع المتطلبات الآنية لاسيما بموجب التعديل الدستوري لنوفمبر 2020. وعلى هذا الأساس تم إدراجه، بالنظر إلى أهميته القصوى، ضمن الأحكام الصماء للدستور، أي النصوص غير القابلة للمراجعة.
وقد أبرز الدستور المعدل سنة 2020 هذا المبدأ أكثر في الواقع، بجعل كرامة المواطن فوق كل اعتبار والعمل على تحقيق أكبر قدر من هذا الهدف النبيل، باتخاذ كل التدابير الضرورية التي من شأنها ضمان التطبيق الصارم لهذا المبدأ، وعلى أوسع نطاق ممكن. ويظهر تطبيق ذلك بوضوح فيما يخص بعض الحقوق المندرجة ضمن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي تحقق لها قدر كبير من الحماية والترقية، وذلك من خلال العدد الكبير من التدابير التي اتخذت لفائدة المواطنين بشكل عام، ومن الأمثلة البارزة لتطبيق مبدأ الطابع الاجتماعي للدولة، الثورة التي أحدثت في مجال السكن بكل صيغه والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن وتأسيس منحة البطالة، وتسوية وضعية المستفيدين من جهاز المساعدة على الإدماج المهني والاجتماعي.
كما نجحت الجزائر في استعادة مكانتها دوليا وتواجدها الوازن في مختلف الملفات الإقليمية والدولية، بفضل مواقفها المتوازنة البعيدة عن كل أشكال التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ودورها الريادي في نصرة القضايا العادلة في العالم، وترجيح الحلول السياسية على الخيارات العسكرية التي تكون سببا في دمار الدول على غرار ما عرفته عديد الدول في المنطقة العربية.
وتولي الدولة الجزائرية أهمية بالغة لتعزيز استقلالية القرار السياسي ودعم المواقف السيادية لاسيما ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والقضية الصحراوية في إطار مبادئ الجزائر المساندة لحق الشعوب في تقرير مصيرها، وكذا دعم الحلول السلمية للنزاعات والخلافات وتعزيز التعاون والتنسيق في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، إضافة إلى مساهمتها الفعالة كعضو غير دائم بمجلس الأمن الدولي، وفاعل مؤثر في ترقية التعاون والتنسيق في مواجهة التحديات العالمية الراهنة، وذلك انطلاقا من قناعتها الراسخة بأن الإطار متعدد الأطراف البناء والحيوي هو السبيل الوحيد لضمان علاقات دولية متوازنة وعادلة، بعيدا عن كل توجهات أحادية ومهيمنة.
كما ترفض الجزائر أي تدخل في شؤونها الداخلية، وهي بدورها لم تتدخل يوما في الشؤون الداخلية لأي دولة وتمسكت بمبدأ الاحترام والتعاون في العلاقات الدولية وفق المساواة في السيادة. وعلى هذا الأساس ومع بوادر انغماس العالم مجددا في حرب باردة، تجدد الجزائر التزامها بمبادئ حركة عدم الانحياز وتدعو إلى تفعيل دورها في إعادة التوازن للعلاقات الدولية بمفاهيم جديدة.
والمؤكد أن طريق السيادة واستقلالية القرار والإنجازات الكبيرة المحققة لم يكن مفروشا بالورود، بل واجهته مخططات معادية وجهات سعت لضرب وحدة الشعب وزرع الفتنة والتفرقة وضرب مؤسسات الدولة، وعملت بلا هوادة على التشكيك في الأرقام والمنجزات المحققة وروجت الأكاذيب والمغالطات وهو ما يستوجب تقوية الجبهة الداخلية وتفكيك كل الألغام السياسية والاجتماعية والعراقيل الاقتصادية حتى تبقى الجزائر على الدوام قوية مزدهرة باقتصادها ومقدراتها، صلبة موحدة بشعبها ومؤسساتها، آمنة بجيشها الوطني الشعبي صائن وديعة الشهداء. ع سمير