فند الدكتور حمود بلجودي، المختص في الجيوفيزياء ومسؤول البحث بمركز البحث في علم الفلك والفيزياء الفلكية والفيزياء الأرضية، الشائعات التي يتم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشأن احتمال حدوث تسونامي بمنطقة البحر الأبيض المتوسط، معتبرا أن حالة انحسار مياه البحر على مستوى عديد السواحل في المنطقة ظاهرة طبيعية غير مقلقة.
وأكد الخبير، للنصر، أن ما يتم تداوله عبر المنصات إشاعات لا أساس لها من الصحة، لأن حدوث تسونامي مرتبط بحدوث زلزال بحري قوي، تعقبه أمواج عاتية تصل لاحقا إلى السواحل، مشككا في مدى صحة الصور والفيديوهات التي يجري تداولها و التي تتحدث عن رجوع المياه خاصة في السواحل الجزائرية، مرجعا السبب في انحسار المياه إلى ظاهرة أخرى.
وأوضح بلجودي، أنه يوجد في إيطاليا بركانان بدآ في الثوران منذ شهر جوان الماضي، علما أنه لم يسبق أن ثارا في نفس الوقت خلال العقود الماضية، إضافة إلى أن جنوب منطقة إيطاليا واليونان، تعرف بأنها منطقة زلزالية وتحتوي على العديد من البراكين، إلا أن كل هذه العوامل لم تشكل حسبه، سببا لحدوث ظواهر وأمور غير طبيعية تمت ملاحظتها، مشيرا، إلى أنه وبتاريخ 12 فيفري 2023، تم رصد ظاهرة رجوع المياه في سواحل جزائرية وإيطالية، ليتبين بعد البحث والدراسات أنها ظاهرة نتجت عن ضغط جوي مرتفع وتيارات بحرية أخرجا المياه إلى مضيق جبل طارق ثم أعاداها إلى حالتها الطبيعية.
إجماع على اعتبار الظاهرة طبيعية ولا تدعو للذعر
كما نفت جل المراكز الفلكية لدول البحر الأبيض المتوسط عبر مواقعها الرسمية، صحة ما يتردد على مواقع التواصل الاجتماعي، بشأن حدوث تسونامي على مستوى بعض شواطئ المتوسط، بحيث لم تسجل المراكز الدولية أي نشاط زلزالي غير نمطي في الفترة الحالية، وأكدت أن الأحداث الزلزالية في المنطقة لم تتجاوز معدلاتها الطبيعية.
أما عن انحسار مياه البحر في بعض المناطق المطلة على البحر الأبيض المتوسط، فأرجعته بيانات ذات المراكز إلى ظواهر طبيعية مثل المد والجزر، مؤكدة أنه لا علاقة لما يحدث بحدوث التسونامي، الذي يستلزم شروطا معينة خاصة درجة الزلزال التي يشترط أن لا تقل عن 7 درجات على سلم ريختر، وهذا غير موجود في حوض المتوسط، كما يرتبط التسونامي بحدوث زلزال داخل البحر في منطقة نشطة زلزاليا.
هذا معنى انحسار مياه البحر
تفيد التقارير العلمية، بأن تراجع مياه البحر يرتبط علميا بحركة المد والجزر والتي يحدث أن تكون أقوى خلال بعض السنوات، علما أن الطقس الصافي وعدم وجود عواصف أو أمواج يجعل ملاحظة وجود الجزر وانحسار المياه أكثر وضوحا، بحيث تعتبر حركة المد والجزر من أهم الأسباب التي تؤثر على منسوب المياه في البحار والمحيطات، أين تتأثر هذه الحركة بجاذبية القمر والشمس، مما يؤدي إلى ارتفاع وانخفاض في مستوى سطح الماء بشكل دوري.
كما يشير خبراء، إلى تأثير التغيرات المناخية على أنماط التيارات البحرية وحركة الأمواج، مما قد يؤدي إلى تغييرات في منسوب المياه، دون إهمال عامل الضغط الجوي، الذي تؤكد الدراسات والبحوث العلمية تأثيره على حركة المياه، إذ يؤدي إلى انخفاض منسوب المياه والعكس صحيح، فضلا عن التيارات البحرية التي يمكن أن تؤثر على توزيع المياه في البحر المتوسط، مما يؤدي إلى تغيرات في مستوى سطح الماء في مناطق معينة، كما يحتمل أن تؤدي بعض الزلازل الصغيرة إلى حدوث تغيرات طفيفة في مستوى سطح البحر، إلا أنها لا تسبب تسونامي.
كيف يحدث تسونامي؟
يشير موقع "ناشيونال جيوغرافيك"، إلى أن انحسار المياه في البحر يمكن أن يكون من المؤشرات السباقة والمبكرة لحدوث تسونامي، هذا الأخير الذي يمثل سلسلة من الأمواج العاتية التي تنتج عن اضطرابات كبيرة تحت سطح البحر كالزلازل والانفجارات البركانية أو الانهيارات الأرضية تحت الماء، أين تتسبب في سحب كميات كبيرة من المياه بعيدا عن الشاطئ بشكل غير معتاد، مما يؤدي إلى انحسار البحر بشكل كبير وملحوظ.
ولحدوث تسونامي، يجب أن يحدث زلزال قوي تحت المحيط أو البحر، مما يولد موجات طاقة ضخمة تنتقل عبر المياه، لتسحب الموجات الأولى كميات كبيرة من المياه بعيدا عن الشاطئ، فيتسبب ذلك في انحسار غير معتاد لمياه البحر، يكون ملحوظا خاصة على مستوى الشواطئ المسطحة والمنحدرة، لتتبع ذلك وبعد فترة قصيرة أمواج تسونامي عالية تضرب الشواطئ بقوة كبيرة، فتجعل هذه الظاهرة من الانحسار المفاجئ لمياه البحر إشارة تحذيرية لاقتراب تسونامي، وتفرض إجلاء المواطنين لمناطق مرتفعة.
كما يعد حدوث زلازل واستمرارها لفترات طويلة من الظواهر التي تنذر بشكل كبير بإمكانية حدوث تسونامي، ويعتبر تحول سلوك المحيط بشكل مفاجئ أيضا من العلامات التحذيرية لحدوثه، وذلك عندما يتحول البحر من حالته الهادئة إلى الاضطراب بشكل غير متوقع، إلى جانب انحسار مياه المحيطات والذي يعد دليلا قويا آخر، وكذا الأصوات العالية للبحار والمحيطات.
تاريخ تسونامي البحر الأبيض المتوسط
شهدت منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط العديد من الزلازل التي تحولت إلى تسونامي، وصل أعنفها لأكثر من 8 درجات على سلم ريختر، وتسبب في مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص وتدمير العديد من المدن الساحلية، كما تعتبر منطقة البحر الأبيض المتوسط من المناطق المهددة بحدوث تسونامي يحتمل أن يضرب مدنا رئيسية وفقا لمنظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة "اليونيسكو".
وشهدت منطقة حوض المتوسط أعنف زلزال تسونامي في العام 365، بلغت شدته 8 درجات على سلم ريختر، قرب جزيرة كريت اليونانية وفقا لما نشره باحثون بالمركز الألماني لبحوث علوم الأرض، وأدى لمقتل عشرات الآلاف من الأشخاص وتدمير مدينة الإسكندرية في مصر وعدة مدن أخرى في ساحل المتوسط، إلى جانب زلزال تسونامي آخر قوي وقع منذ نحو قرن بأوروبا، تسبب بموجات بارتفاع 13 مترا، نتيجة زلزال قبالة سواحل جزيرة صقلية.
وبحسب هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، فإن البحر الأبيض المتوسط يقع ضمن حزام "جبال الألب" الذي يعتبر ثاني أكثر أحزمة الزلازل خطورة في العالم بعد حزام "حلقة النار" التي تحيط بالمحيط الهادي، بينما قالت اليونيسكو، إن خطر حدوث تسونامي كبير وارد في غضون الأعوام الثلاثين المقبلة، مع احتمال وجود موجات تصل لأكثر من متر واحد، وتحث المدن الساحلية على أن تصبح جاهزة للمواجهة "تسونامي" البحر الأبيض المتوسط. إيمان زياري