تلقى نظام المخزن صفعة مدوية ضربت علاقاته الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي في الصميم، بعد القرار الصادر عن محكمة العدل الأوروبية بإبطال اتفاقين تجاريين مبرمين بين المغرب والاتحاد الأوروبي بشكل نهائي، وهو القرار الذي أسقط كل المناورات المخزنية الذي استعمل لسنوات لغة الابتزاز والتجسس والمساومة وكذا الرشوة لفرض احتلاله للصحراء الغربية وشراء صمت دول الاتحاد الأوروبي مقابل الاتفاقيات والأموال.
حققت جبهة البوليساريو انتصارا قضائيا مهما في صراعها ضد الاحتلال المغربي، في خطوة تشكل “ضربة قاصمة” لمكانة المغرب في المجتمع الدولي. ونجح الشعب الصحراوي في نقل المعركة من الساحة السياسية إلى الاقتصادية لضرب عصب النظام المخزني الذي يستغل عديد الاتفاقيات المبرمة على حساب الشعب الصحراوي لإسكات الأوروبيين وشراء ذمم سياسيين في دول الاتحاد، ما يشكل «تحولا تاريخيا» في مسار القضية الصحراوية، والتأكيد على حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير ووضع حد لنهب ثرواته.
ويتوقع مراقبون أن تكون لقرار المحكمة الأوروبية تداعيات واسعة على العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، خصوصاً فيما يتعلق بالصادرات من المنتجات الزراعية والأسماك التي تشكل جزءاً مهماً من التعاون الاقتصادي بين الجانبين. كما من شأنه أن يفتح الباب أمام إعادة التفاوض حول شروط الاتفاقيات والتي لن تكون في صالح المغرب، خاصة وأن الطرف الأوروبي لن يقبل الدخول في صراعات قضائية مجددا أمام محكمة العدل الأوروبية.
وكانت محكمة العدل الأوروبية قد أصدرت قراراً، الجمعة الفارط، يقضي بإلغاء اتفاقية الصيد البحري والزراعة التي تم توقيعهما بين الاتحاد الأوروبي والمغرب في 2019. واعتبرت المحكمة في قرارها أنّ «شعب الصحراء الغربية» لم يستشر بشأن هذه الاتفاقيات، التي شملت موارد الصيد البحري والمنتجات الزراعية، إذ اعتبرت أنهما يشكلان خرقاً لقراراتها، خاصة قرار 2016 و2018، والذي يعتبر أنً «ضم إقليم الصحراء إلى اتفاقية الصيد يخالف بعض البنود في القانون الدولي»، باعتباره إقليماً متنازعاً عليه. ووفقاً للحكم يعد إبرام هذه الاتفاقيات مع المغرب خرقاً لمبدأ «الأثر النسبي للمعاهدات»، إذ «لا يمكن لاتفاقية دولية أن تؤثر على حقوق وموارد شعب لم يشارك أو يوافق عليها».
وإلى جانب إلغاء الاتفاقية، ألزمت محكمة العدل الأوروبية بضرورة تعديل ملصقات المنتجات الزراعية التي يتم حصادها في الصحراء مثل الطماطم والبطيخ، مؤكدة وجوب الإشارة إلى هذه المنطقة بوصفها بلد منشأ وليس المغرب. وهو ما يعني رفض قضائي لا غبار عليه لمحاولة المخزن إضفاء الشرعية على اتفاقيات تجارية لتبرير نهب وسرقة خيرات الشعب الصحراوي، ويعد بمثابة «تنبيه» بل تحذير موجه للشركات سواء كانت حكومات أو خاصة من مغبة الانخراط في صفقات لا تستوفي شروط الشرعية، وهو ما يفتح المجال أمام المتابعة القضائية ضد كل الدول والشركات التي تسعى لاستغلال خيرات الشعب الصحراوي.
وقف استنزاف ثروات
الصحراء الغربية
وخلال السنوات الماضية، عمدت الجمهورية الصحراوية، إلى التنديد بسياسة استنزاف ثرواتها وإشراك الشركات الأجنبية في مشاريع غير قانونية. وأقامت عدداً من الدعاوى أمام المحاكم الدولية، لأجل منع استيراد دول أوروبية لمنتجات الصحراء البحرية والزراعية، كما أسست هيئات سياسية وقانونية لمتابعة الملف في الخارج.
ومن شأن القرار الأوروبي أن يعطي دعما قويا للنهج الذي رسمته البوليزاريو بنقل الصراع على الميدان التجاري والذي أفضى إلى إصدار قرار بعدم شرعية اتفاقيات الاتحاد الأوروبي والمغرب التي تم إبرامها في انتهاك لحق الشعب الصحراوي في الموافقة وفي سيادته الدائمة على موارده الطبيعية، وبكون الصحراء الغربية تتمتع بوضع منفصل ومستقل عن الأراضي المغربية، وأن الشعب الصحراوي يشكل طرفًا ثالثًا في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، ولا بد من موافقته.
وقد سمحت اتفاقية الصيد البحري، للسفن البحرية الأوروبية من صيد ما قيمته 107 ألف طن من الثروة السمكية التي ذهب مردودها إلى المغرب، حيث تسمح اتفاقية الصيد الموقعة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب في 2018 , لأكثر من 128 سفينة أوروبية بممارسة نشاطها في المياه الإقليمية المغربية وكذا تلك التابعة للصحراء الغربية المحتلة، حيث تمتد الاتفاقية من كاب سبارطيل قرب طنجة في شمال المغرب إلى الرأس الأبيض بجنوب السواحل التابعة للصحراء الغربية على الحدود الموريتانية.
وبخصوص الاتفاقية الزراعية، فقد تم تكييفها من قبل البرلمان الأوروبي لتشمل منتجات الصحراء الغربية بعد أن صوت في 2019 لتوسيع التفضيلات الجمركية، لتشمل المنتجات من هذه المستعمرة الإسبانية السابقة، والتي تذهب عائداتها بالطبع إلى المغرب.
نكسة دبلوماسية وقضائية للمخزن
ويعكس القرار الأوروبي نكسة للمغرب من جهة وللدول الأوروبية التي حاولت الدوس على حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، حيث يبرز الحكم الصادر من محكمة العدل الأوروبية بوضوح أن الاعتراف بحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره لا يمكن التراجع عنه، وأن أي محاولات للالتفاف على هذا الحق ستكون بلا جدوى. وهو انتصار للصحراء الغربية وتأكيد على مشروعية نضال الشعب الصحراوي ضد الاحتلال.
ويؤكد محللون، بأن تصريحات المسؤولين في المغرب برفض مضمون البيان وعدم الامتثال للقرار، هو دليل على عدم استعداد الاحتلال للامتثال للقرارات الدولية، وهو ما يعتبر إدانة واضحة لسياساته الاستبدادية. بسبب تجاهله لقرار يعبر عن إرادة المجتمع الدولي الذي يدعو إلى إنهاء الاحتلال وإيجاد حل عادل ودائم للقضية.
كما يكشف الموقف المغربي، العجز الصارخ للمخزن في مواجهة الهزائم التي تلاحقه، والسقطات الدبلوماسية والأخلاقية التي تطال رموزه، ما يدفعه إلى انتهاج أساليب شراء الذمم والتجسس لمحاولة تشريع احتلاله، وهي أساليب تعكس ضعف النظام وعجزه عن تحقيق أي نجاح حقيقي في معالجة القضية، بل تعزز من موقف البوليساريو وتجعل منه رمزًا للنضال ضد الاحتلال.
ويربط محللون هذا الموقف المغربي بالتداعيات المحتملة لقرار المحكمة الأوروبية على القضية الصحراوية، والتي قد تشكل مستقبلا نكسة غير مسبوقة للمخزن وتخلط كل حساباته، بالنظر لما يحمله القرار القضائي من تأكيد بأن المغرب لا يتمتع بالسيادة على الصحراء الغربية، وأنه لا يمكن إدراج الإقليم المحتل في أي اتفاقيات تجارية أو اتفاقيات صيد البحري.
كما تؤكد أن الشعب الصحراوي، هو صاحب الحق الوحيد في أرضه ومجاله البحري، وبالتالي يغلق الباب أمام أي مسعى للقفز فوق إرادة الصحراويين في الحرية والاستقلال، وهو ما سيكون له تأثير على مجلس الأمن الدولي الذي سيعكف على دراسة القضية الصحراوية في منتصف هذا الشهر.
وسيكون للقرار تداعيات على الدول الأوروبية التي انحازت للصف المغربي على حساب الشعب الصحراوي، مقابل مكاسب مزعومة، حيث ينسف القرار أطماع الشركات الفرنسية والإسبانية التي كانت تحلم باقتسام ثروات الشعب الصحراوي مقابل دعم حكومي لمخطط الحكم الذاتي المزعوم.
انتصار كبير للقضية الصحراوية
وأكد ممثل جبهة البوليساريو بسويسرا والأمم المتحدة والمنظمات الدولية بجنيف أبي بشرايا البشير، أن قرار محكمة العدل الأوروبية يشكل انتصارا للقضية الصحراوية في معركتها القانونية، وقال ممثل جبهة البوليساريو في سويسرا والأمم المتحدة والمنظمات الدولية في جنيف، المكلف بملف التقاضي أمام المحكمة، أن قرار العدل الأوروبية يشكل «انتصارا عظيما» للقضية الصحراوية في معركتها القانونية، من أجل وضع حد لنهب ثروات الشعب الصحراوي.
كما أشاد التحالف الأوروبي الحر (بالبرلمان الأوروبي) بالحكم الرائد الصادر عن محكمة العدل الأوروبية الذي يبطل اتفاقيات التجارة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب المتعلقة بالمنتجات السمكية والزراعية المستغلة من الأراضي المحتلة في الصحراء الغربية. ووصف التحالف الأوروبي الحر هذا القرار، بأنه انتصار كبير للشعب الصحراوي وحقه في تقرير المصير، مما يشكل تحولاً هاماً في نهج الاتحاد الأوروبي تجاه الاتفاقيات الدولية التي تشمل الأراضي المتنازع عليها.
من جانبه، دعا ستيفانو فاكاري، رئيس المجموعة البرلمانية للصداقة مع الشعب الصحراوي، إلى اتخاذ إجراءات دبلوماسية فورية من قبل الحكومات الأوروبية، عقب صدور حكم تاريخي اليوم من محكمة العدل الأوروبية بشأن النهب المغربي الأوروبي لثروات الصحراء الغربية. وقال فاكاري: «إن حكم المحكمة الأوروبية يعترف أخيرًا بملكية الشعب الصحراوي وحقه في تقرير المصير، بعد أن تم طرده قسراً من أرضه من قبل الجيش المغربي منذ 1976.»
وشدد البرلماني الإيطالي على أن الشعب الصحراوي، لا يزال يعاني من «عنف غير مسبوق في الصحراء الغربية» تحت الاحتلال المغربي غير الشرعي، وهو الوضع الذي أكدته منظمة العفو الدولية مرارًا في تقاريرها السنوية، وأضاف فاكاري أن هذا الحكم يؤكد «الحد الفاصل الواضح بين الشرعية والتجاوزات» فيما يتعلق باحتلال المغرب للأراضي الصحراوية المحتلة.
وحث البرلماني الإيطالي وزير خارجية بلاده، أنطونيو تاجاني، على الشروع في جميع المبادرات الدبلوماسية الضرورية عبر الهيئات الدولية لتمكين الشعب الصحراوي من العودة إلى وطنه الذي لا يزال تحت الاحتلال غير الشرعي.
ع سمير