قريـة علـي الشـارف بالقـــل تتذكر شهــداءهـا العشريـن في هجــومــات 20 أوت 1955
تعد قرية سيدي علي الشارف التابعة لبلدية بني زيد بدائرة القل غرب ولاية سكيكدة و التي أصبحت حاليا تسمى باسم الشهيد السبتي معماش، المكان الذي خطط فيه لانطلاقة هجمات 20 أوت 55 بناحية القل وهي من بين 26 قرية ومدينة في الشمال القسنطيني التي شملتها أحداث 20أوت55 بقيادة الشهيد البطل زيغود يوسف وعمار بن عودة وصالح بوبندير وعبد الله بن طوبال الذين اجتمعوا يوم 23 جويلية 1955 بالمكان المسمى كدية داود بجبل الزمان بولاية قسنطينة، وحددوا تاريخ 20أوت55 بداية الهجمات، التي استهدفت المنشآت الحيوية التابعة للاستعمار الفرنسي وتم اختيار يوم السبت الموافق ليوم 20 أوت لأنه يوم عطلة يسرح فيه العمال ومنتصف النهار وقت قيلولة. وبالنسبة لمدينة سكيكدة كان يوافق يوم السوق الأسبوعية وهو ما سهل عملية تسلّل جنود جيش التحرير. وشملت الهجمات كل من الخروب ،قسنطينة، وسكيكدة والقل وقالمة ، وكانت تهدف إلى فك الحصار المضروب على منطقة الأوراس ، وإعطاء الثورة دفعا قويا من خلال نقلها إلى المناطق المستعمرة في الشمال القسنطيني، ورفع معنويات جنود جيش التحرير، وتحطيم أسطورة الجيش الفرنسي الذي لا يقهر، وتحطيم ادعاءات السلطات الفرنسية بأن أحدث الثورة مجرد أعمال تخريبية يقوم بها «متمردون وقطاع الطرق» حسب الأوصاف التي كانت تطلقها وقتئذ. وكانت الضريبة قوافل من الشهداء(سكيكدة 37 شهيدا، الخروب 25 شهيدا القل 72 شهيدا منهم 20 شهيدا من قرية علي الشارف وحدها، والسمندو 26 شهيدا). و بمناسبة إحياء هذه الذكري، التقت النصر بمجموعة من المجاهدين ممن صنعوا أحدث الثورة وشاركوا في هجمات 20 أوت بقرية علي الشارف بالقل.
المجاهد بكوش عيسى 87 سنة
الهجمات كانت شعبية وانطلقت من منطقة البكاكشة
قال المجاهد بكوش عيسى، أن هجمات 20 أوت 55 بمنطقة القل، انطلقت من قرية زروبة وبالبضبط من منطقة البكاكشة، والتحضير المسبق لها بدأ قبل أسبوع بقيادة عمار شطايبي ولخضر بكوش، حيث تم عقد اجتماعات للتوعية وإقناع المواطنين بالمشاركة في الهجمات، وفي ليلة 19 أوت 55 مباشرة بعد صلاة المغرب انطلقت الأفواج التي تم تشكيلها للمشاركة في هذه الهجمات، و كان كل فوج يتكون من 12 فردا، كانوا مسلحين بمختلف الأسلحة البيضاء من شواقير وغيرها، وكلما مررنا بقرية التحق بنا فوج إلى أن وصنا إلى منطقة المساسخة بالقل، أين قضينا ليلتنا هناك في الغابة قبل أن يتم الهجوم على المنشآت الحيوية بمدينة القل في حدود منتصف النهار بعدما تفرقت الأفواج.
و تمّ استهداف بالخصوص مصنع الفلين الذي تمكن الثوار من حرقه. وسقط العديد من الشهداء والأسرى في قبضة قوات الاستعمار التي ردت على الهجمات بالمدفعية واستمرت العملية نحو 4 ساعات قبل العودة إلى مكان الانطلاق بمنطقة المساسخة.
المجاهد هدام فرحات، 96 سنة
حدثت خيانة يوم 18 أوت كادت تجهض الهجمات
يعود المجاهد هدام فرحات الذي يقترب من استكمال عقده العاشر، بذاكرته إلى الوراء، فيقول أنه بعد التحضير المسبق وتجنيد المناضلين والمسبلين للمشاركة في هجمات 20أوت55 بمنطقة القل بقيادة كل من عمار شطايبي ولخضر بكوش والساسي نطور منذ يوم 14 أوت، حدثت يوم 18 أوت 55 خيانة من قبل البعض كادت تجهض التحضير للهجمات أين قامت قوات الاستعمار بالانتقال إلى منطقة علي الشارف وقامت بعملية تمشيط وإلقاء القبض على العديد من المجاهدين، لكن حنكة القادة والتخطيط الجيد للعملية، مثلما يضيف المجاهد هدام فرحات الذي كان من بين المشاركين، مكنها من النجاح، وكان أول اجتماع بمنطقة البكاكشة يوم 14 أوت وبالضبط بالمكان المسمى «لمزارة «وتضمنت التحضيرات اجتماعات متتالية في مختلف المشاتي، قبل انطلاق العملية ليلة 19 أوت، حيث شارك فيها أربعة، أفواج و كانت مهمة أحد الأفواج قطع الأشجار، و وضعها في عرض الطريق لمنع انتقال قوات الاستعمار، وبدأت الهجمات في منتصف النهار، وشملت حرق وتخريب العديد من المنشآت لحيوية بمدينة القل وفي مقدمتها مصنع الفلين، و قد سقط خلالها عدد من الشهداء والجرحى.
المجاهد هدام رابح، 80 سنة
ثلاثة من المشاركين في الهجمات استشهدوا تحت التعذيب
يروي المجاهد هدام رابح بن اليزيد، بمرارة الوقائع التي عاشها خلال هجومات 20 أوت 55 بمنطقة القل، خاصة وأنه كان من بين المجاهدين الذين تم القبض عليهم من قبل قوات الاستعمار خلال تنفيذ هذه الهجومات. و قال المجاهد هدام رابح، أنه كان رفقة بكوش لخضر، مسؤول أحد الأفواج الأربعة التي انطلقت من منطقة علي الشارف نحو مدينة القل، وتسللت عبر جبل الطبانة إلى وسط المدينة، حيث تم الهجوم على حانة تابعة لأفراد الجيش الاستعماري ( مقهى المجاهدين حاليا). و قام لخضر بكوش قائد الفوج الذي كان مسلحا ببندقة، بإطلاق النار على جندي فرنسي كان على متن دبابة قبل أن يتفاجأ برمي كثيف للرصاص من جهات متفرقة حيث سقط عدة شهداء قبل أن نتجه للهجوم على مقهى بوالشرك أين حاصرتنا قوات الاستعمار التي جاءت من جهة البحر، وتم القبض على مجموعة منا وقضينا 4 أيام داخل ثكنة الاستعمار ومورست في حقنا أبشع أنوع العذاب، حيث لفظ ثلاثة مجاهدين أنفاسهم الأخيرة تحت وطأة التعذيب الوحشي، ليتم بعد ذلك نقلنا إلى ثكنة الدرك الاستعماري، وصدرت في حقنا أحكام وصلت إلى 30 سنة ( 10سنوات سجنا + 10سنوات نفي + 10سنوات نزع للحقوق ) ضد عدد من المجاهدين. ثم تمّ تحويلنا إلى سجن سركاجي بالعاصمة، وقال هدام أنه قضى هناك سنتين وراء القضبان وكان يتمني الواحد منهم الموت أمام وحشية التعذيب الممارس عليهم.
بوزيد مخبي
المجاهد مرتضى كافي يروي شهادته عن هجمات 20 أوت
فرنسـا قتلـت 129 منــاضلا و دفنتـهم في مغــارة بالحـــروش
يقدم المجاهد مرتضى كافي شقيق الرئيس الراحل علي كافي شهادته التاريخية عن أحداث 20 أوت التي لايزال يحتفظ بها في ذاكرته، و يقول انه لازال يذكر أحداثها وكأنها جرت بالأمس، فهو من المجاهدين القلائل الذين شاركوا في الهجومات ولازالوا على قيد الحياة.
يروي المجاهد مرتضى كافي أنه بعد صلاة الجمعة تلقى اتصالا من المناضل ابراهيم شلابي يخبره برغبته في الالتقاء به يوم السبت صباحا و يقول «كنت لا أعلم المغزى من اللقاء وفي اليوم الموالي أي السبت 20 أوت 1955 التقينا، و ركبنا سيارة وتوجهنا مباشرة إلى الجبل وبالتحديد إلى المكان المسمى مسونة، هناك وجدنا مجموعة كبيرة من المواطنين الجزائريين متجمعين ينتظرون الأوامر، واصلنا سيرنا إلى غاية مزرعة معمر فرنسي واختبأنا هناك إلى غاية الحادية عشرة و النصف حين وصلنا أمر فانطلقنا مباشرة باتجاه الحروش من الجهة الجنوبية، و مباشرة دخلنا في اشتباكات مع الجنود الفرنسيين».
و يستذكر المجاهد كافي اللحظات التي أعقبت بداية الاشتباك فيقول «كان برفقتي شخصين أحدهما كان يحمل الراية الوطنية أصيب برصاصات في يديه الاثنين من طرف الجنود الفرنسيين من أجل دفعه إلى ترك العلم، أما رفيقي الثاني عمار بن زايلة فقد أصيب برصاصة على مستوى الفخذ و لحسن الحظ لم أصب بأي أذى وخرجنا سالمين من هذا الاشتباك، و بعدها توجهنا إلى الجبل، مكثت هناك 13 يوما، و في أحد الأيام مر شقيقي علي (يقصد الرئيس علي كافي) فشاهدني و سألني عن سر تواجدي بالمكان فأخبرته بمشاركتي في الاشتباك و برغبتي في الالتحاق بالثورة، عندها استغرب و قال بأنه لا يمكن ترك الوالد لوحده في البيت فطلب مني البقاء في الجبل إلى غاية التأكد بأني لست محل بحث من طرف الجنود الفرنسيين، و بعدما أخبروني بأنه غير مبحوث عني غادرت المنطقة عائدا باتجاه مدينة الحروش، و هناك ولما رجعت وجدت أمامي 129 جثة مرمية لمناضلين جزائريين تم نقلهم عبر شاحنة البلدية و تحويلهم إلى منطقة بئر أسطل أين تم دفنهم في مغارة.
و يضيف المجاهد مرتضى كافي قائلا « لدى عودتي إلى المدينة شاهدنا مجموعة أخرى من جثث المناضلين تم جلبها من مدينة رمضان جمال و جرى دفنهم بنواحي زرادزة».
و الخلاصة مثلما أكد محدثنا أن «فرنسا في تلك الأيام كانت تقتل بطريقة عشوائية، و لم ينجو منها أي شخص، حتى المختلين عقليا لم يسلموا من همجيتها».
كمال واسطة
المناضل عبد الله بوراوي يروي شهادته عن هجمات 20 أوت
أحرقنا أرشـيف محكمة الحروش و نحن محاصرون بالدبابات
قال المجاهد عبد الله بوراوي أنه كلف رفقة حميدة قديد، مكي بوعنينة من طرف المجاهد العايب الدراجي بمهمة مهاجمة محكمة الحروش. التي قام رفقة عدد من المناضلين بحرق أرشيفها رغم محاصرتهم بالدبابات.
و يتحدث للنصر عن تلك الأحداث منذ بدايتها قائلا «قصدنا المكان لكن المكي بوعنينة توفي في الطريق، فواصلت السير رفقة حميدة قديد حتى وصلنا إلى المقر في حدود منتصف النهار، وجدنا العمال يهمون بالمغادرة دخلنا المقر وبقينا إلى غاية الرابعة و عشر دقائق مساء من أجل تنفيذ مهمتنا، حيث قمنا بحرق الأرشيف وكنا حينها نسمع من حين لآخر أصوات طلقات نارية في الخارج، و لما بدأت أعمدة الدخان تتصاعد نظرت فجأة من النافذة فوجدت دبابات تحاصرنا من كل الجهات و نحن داخل مقر المحكمة، فأخبرت زميلي بالأمر و بأن الجنود الفرنسيين بصدد تهديم المحكمة فوق رؤوسنا، فلم يعر اهتماما للأمر وأصر على مواصلة تنفيذ المهمة مهما كلفه الأمر». و يذكر بوراوي أنه «لحسن الحظ نجحنا في الهروب، وبعد وصولنا قرب مفترق الطرق المؤدي إلى بلدية زردازة صادفنا حاجزا عسكريا فهاجمنا و أصيب خلالها زميلي إصابات خطيرة فأخذت بندقيته وغادرت المكان باتجاه الجبل و بالتحديد بالمكان المسمى «عين العرق» بمنطقة الظهيرة و قمت بتسليم البندقية للعايب الدراجي، و قد شاهدنا الطائرات الفرنسية تحلق في السماء بعدها تنقلنا إلى منطقة «مسونة» ثم إلى البسباسة قرب بوغلبون».
كمال واسطة