الإصلاحات الاقتصادية التي أكد عليها رئيس الجمهورية تصب في منحى النموذج الاقتصادي الجديد
أفاد الخبير الاقتصادي الدكتور العربي غويني، بأن الحكومة لديها متسع من الوقت لأن تباشر إصلاحات اقتصادية ضرورية و جلب الاستثمارات الأجنبية، مضيفا أن الاصلاحات التي تحدث عنها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة أصبحت أكثر من ضرورية، ودعا إلى إعادة النظر في سياسة الدعم الاجتماعي و إشراك القطاع الخاص في تحمل مسؤولية التنمية الاقتصادية وفتح المجال أمام الاستثمارات الحقيقية. ويرى من جهة أخرى أن اللجوء إلى فرض ضرائب جديدة في قانون المالية لسنة 2017 يشكل عبئا على المواطن، مؤكدا على ضرورة تجميد المشاريع غير الضرورية و التي ليس لها مردودية اقتصادية. وقال أنه بالإمكان أن نخرج من الأزمة الحالية إذا توفرت إرادة حقيقية وتحقق الإجماع على النموذج الاقتصادي الجديد.
وأكد الدكتور العربي غويني، أن الاصلاحات الاقتصادية التي تحدث عنها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة في رسالته بمناسبة اليوم الوطني للمجاهد، أول أمس، أصبحت أكثر من ضرورية في الوقت الحالي، لأن المعطيات الموجودة حاليا تشير كلها إلى أن أسعار النفط لن تتجاوز حدود 60 دولارا للبرميل ولن تصل إلى المعدلات المرتفعة التي كانت عليها من قبل.
وأوضح في تصريح للنصر، أن الجزائر تخسر يوميا الملايين من الدولارات مع ازدياد العجز يوما بعد يوم بالنسبة للميزان التجاري والموازنة العامة للدولة وميزان المدفوعات. وأضاف في هذا الصدد، أن الجزائر ليس لها حاليا ما تعوض به تدهور إيراداتها ويبقى الحل يكمن في إعادة النظر في السياسة الاقتصادية المتبعة، وأضاف أن الجزائر اعتمدت على مدى أكثر من 3 عقود على النهج الاجتماعي وحاولت أن تحافظ على البعد الاجتماعي ولم تستطع أن تنوع من اقتصادها ولم تفلح في السياسات الاقتصادية التي كانت معتمدة والنتيجة والتي توصلنا إليها بعد مضي العديد من السنوات أننا لا زلنا تحت رحمة أسعار النفط على حد تعبيره.
ويرى نفس المتحدث، أن الإصلاحات الاقتصادية التي أكد عليها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، تصب في منحى النموذج الاقتصادي الجديد الذي تسعى الحكومة لتطبيقه بداية من الدخول الاجتماعي القادم، مؤكدا في هذا الإطار على ضرورة أن يعتمد هذا النموذج على إشراك القطاع الخاص في تحمل مسؤولية التنمية الاقتصادية وقيام الحكومة بشراكة حقيقية بين القطاع العام الاقتصادي الذي ما زال يحقق مردودية اقتصادية والقطاع الخاص، ولن يتأتى ذلك -كما أضاف - إلا من خلال فتح المجال أمام الاستثمارات الحقيقية وبغض النظر عن طبيعة المستثمر سواء كان أجنبيا أو محليا، معتبرا في هذا السياق أن قانون الاستثمار الذي مر مؤخرا على البرلمان لم يأت بجديد خاصة فيما يتعلق بالقاعدة 51-49 و قال أننا أكدنا مرارا على ضرورة إعادة النظر في هذه القاعدة، خاصة بالنسبة للقطاعات غير السيادية. وقال أن العديد من الأجانب قد عزفوا عن الاستثمار في الجزائر هروبا من قاعدة 51-49 التي رفضوها ولهم ما يبرر ذلك، موضحا أن إلغاء هذه القاعدة لا يتعلق بالقطاعات الحساسة مثل سوناطراك أو الخطوط الجوية وغيرها وإنما المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
سياسات الدعم الاجتماعي يستفيد منها الجميع دون استثناء حتى الأجانب
وأضاف العربي غويني، أن النقطة الثانية التي لا بد أن تشكل منطلقا من منطلقات الإصلاحات الاقتصادية تتعلق بإعادة النظر في سياسات الدعم الاجتماعي الذي يستفيد منه الآن كل الجزائريون دون استثناء وحتى الأجانب الذين يعيشون في الجزائر وهذا غير مبرر وغير منطقي -كما قال - لأن سياسة الدعم المطبقة من طرف الحكومة تشكل عبئا ثقيلا على موازنة الدولة وقد تشكل 23 بالمئة من الناتج المحلي ، مؤكدا على ضرورة أن يستفيد من الدعم كل من يستحقه فعلا، كما أشار إلى نقطة أخرى من منطلقات الإصلاحات الاقتصادية والتي من الضروري بعثها والتطرق إليها على مستوى الولاية والبلدية أو على مستوى الجماعات المحلية، داعيا في هذا الصدد إلى إعادة النظر في طبيعة الموازنة التي تعتمد حاليا على توزيع الاعتمادات فقط ولا يتم ربط هذه الموازنة بالأهداف ولا يتم تشجيع القائمين على الجماعات المحلية على فتح المجال للاستثمارات المحلية ولا على خلق مصادر جديدة للتمويل المحلي بعيدا عن إيرادات الدولة فرض ضرائب جديدة سيثقل المواطنين
وقال أنه يجب أن نبعث في المجالس المنتخبة روح الابداع وروح خلق مشاريع اقتصادية على مستوى أقاليمهم، معتبرا أن ما تمتلكه الولايات والبلديات وغير مستغل يكفيها لكي تعتمد عليه دون الرجوع إلى دعم الدولة وأوضح في هذا الاطار، أن الكثير من الجماعات المحلية تمتلك فرص استثمار سواء تعلق الأمر بالجانب السياحي أو الفلاحي و حتى الجانب الصناعي ولكن للأسف الشديد غير مستغل وفي كل سنة تنتظر هذه الجماعات المحلية الأموال التي تضخ من طرف الدولة .وأفاد نفس المتحدث أن النموذج الاقتصادي الجديد ينبغي أن يتشكل من جملة هذه المنطلقات وأوضح أن النظام الاقتصادي المطبق في الجزائر حاليا يكلف الدولة أموالا ضخمة، كون الدولة تحافظ على الطايع الاجتماعي وذلك ما سيكلفها الكثير والكثير و إن لم تتراجع عن بعض الإجراءات والسياسات الاقتصادية سوف نذهب -كما أضاف- إلى الاستدانة الخارجية وهذا من أصعب الحلول و أوضح أنه يمكن اليوم أن نقوم بترشيد هذا الدعم الاجتماعي وليس إلغائه ليذهب إلى مستحقيه، مضيفا أن الدولة تتحمل عبئ الاستثمارات الصناعية ومن المفروض أنها لا تدخل في هذا النشاط بل تفتح المجال للقطاع الخاص فخزينة الدولة الآن لا تتحمل المزيد من النفقات وعليه يجب أن يفتح المجال للقطاع الخاص مع مرافقة ومراقبة الدولة لهذه الاستثمارات وقال ان هنالك العديد من الأساليب نجحت في العديد من الدول التي لها نفس الخصوصية مع الاقتصاد الجزائري.
وبخصوص إمكانية فرض ضرائب جديدة على المواطنين في قانون المالية لسنة 2017 يرى الخبير الاقتصادي أن ذلك يعتبر إثقالا لكاهل الشعب وليس حلا مشيرا إلى وجود قاعدة اقتصادية تقول بأنه كلما زادت الضرائب كلما قل الاستثمار، فالاستثمار لا يتماشى مع زيادة الضريبة و عندما تقوم الدولة بزيادة الضريبة سيطالب المواطن برفع الأجر وفي ظل تراجع قيمة الدينار بـ 20 بالمئة في الأشهر الماضية فسيؤدي ذلك إلى تزايد التضخم و انخفاض القدرة الشرائية للمواطن وتساءل لماذا لا تفتح الدولة المجال للاستثمارات وللقطاع الخاص واستغلال الفرص الموجودة على مستوى كامل الولايات. وأفاد المتحدث أنه إذا استمر الأمر على ما هو عليه سوف يزداد العجز في الموازنة العامة للدولة ، في ظل استمرار تدهور أسعار النفط وما ينجر عنها من انخفاض في احتياطات الصرف وبالتالي إن لم تتحرك الحكومة بإصلاحات اقتصادية فعالة وحقيقية معناه -يضيف نفس المتحدث -أننا مجبرون في 2018 على الاستدانة الخارجية وأضاف في نفس السياق، أن عدم إسراع الحكومة في معالجة الأزمة الاقتصادية بإرادة حقيقية سوف يؤدي بنا الوضع إلى سنة 1986 عندما انخفضت القدرة الشرائية للمواطن إلى الحضيض و أصبحت خزينة الدولة فارغة.
فتح المجال للجماعات المحلية لخلق مصادر جديدة للتمويل
ويعتقد الدكتور العربي غويني، أن مشروع قانون المالية لسنة 2017 سوف يعتمد على السعر المرجعي للبترول بـ37 دولارا وأكد على ضرورة الضغط أكثر فأكثر على النفقات وذلك بتجميد المشاريع غير الضرورية و التي ليس لها مردودية اقتصادية، وإعادة النظر في طبيعة الموازنة، وذلك بأن تكون ميزانية مرتبطة بالأهداف وفتح المجال للجماعات المحلية لخلق مصادر جديدة للتمويل
ويرى الخبير الاقتصادي أن الحكومة لديها متسع من الوقت لأن تباشر إصلاحات اقتصادية ضرورية تسعى لجلب الاستثمارات الأجنبية مع إعادة النظر في الشروط المطبقة على جلب الاستثمار الأجنبي ومسألة إشراك القطاع الخاص ، فخزينة الدولة لا تتحمل تمويل المشاريع ويمكن للقطاع الخاص أن يلعب دوره إذا توفرت له الشروط.
ضرورة إجراء إصلاحات عميقة في النظام المصرفي والجبائي
وبالنسبة لأسعار النفط قال بأن خبراء الطاقة لا يتوقعون أن يرتفع السعر حتى 2018 ، وإن ارتفع فلن يصل إلى تلك القيمة التي كان عليها من قبل ، مادام أن الصراع قائم بين إيران والسعودية فلن يصلوا إلى اتفاق كون روسيا وإيران سوف تبيعان النفط والغاز بأثمان منخفضة ولا تراعيان في ذلك خطورة الوضع وحتى السعودية وإيران لهما القدرة على تعويض انخفاض الأسعار بمضاعة الكميات المنتجة ولا يهمها انخفاض الأسعار، لكننا -يضيف المتحدث – لا نملك القدرة على التأثير في منظمة «الأوبك» وليس لنا القدرة على مضاعفة الانتاج، وبالتالي ينبغي أن نبتعد عن السياسة المعتمدة على مداخيل النفط عاجلا أم آجلا. وقال أنه إلى حد الساعة بإمكاننا أن نخرج من الأزمة إذا توفرت إرادة حقيقية ولقينا إجماعا على هذا النموذج الاقتصادي الجديد والذي يجب أن يمس كامل القطاعات لأن بناء هذا النموذج ينبغي أن يشمل معه إصلاحات عميقة في النظام المصرفي والجبائي والسياسات الاقتصادية المتبعة، فلا يمكن بناء نموذج اقتصادي بالاعتماد على المنظومة المصرفية الموجودة حاليا على حد تعبيره .
مراد - ح