لا يجب التسرّع في طلب حقائق عن الثورة ومجرياتها
وجه المجاهد خلادي محمد أحد أعضاء مديرية التوثيق والأرشيف بوزارة التسليح والإتصلات العامة التابعة للحكومة الجزائرية المؤقتة، يوم الخميس المنصرم على هامش عرض أفلام وثائقية عن «مالغ» بفندق الشيراتون بوهران، رسالة للشباب الجزائري ليبتعد عن اليأس والإحباط والتذمر خاصة من أوضاع البلاد، ودعاه للتمعن في ما قام به أجداده خلال الثورة التحريرية وتمكنوا من إنجاز المعجزات من لاشيء سوى الإيمان بقضية الوطن والتجند للدفاع عنه.
مضيفا أن عناصر «مالغ» خاصة وكل المجاهدين عامة لم يكونوا يتوقعون هذه الإنجازات التاريخية التي أطاحت بأقوى دولة مستعمرة آنذاك، وأن كل ما في الأمر هو أنهم كانوا شبابا تبنوا قضية بلدهم وتجندوا كل واحد وفق المهمة التي أسندت إليه. وأضاف المجاهد خالدي أنه لا يجب التسرع للمطالبة بكشف حقائق الثورة التحريرية ومجرياتها، ولكن «الآن فقط بدأت أسرار الحرب العالمية الأولى تبرز وتكشف للعالم».. بهذه الجملة رد المجاهد خالدي محمد أحد أبرز أعضاء «مالغ» وزارة التسليح والإتصالات العامة، على سؤال النصر حول ضرورة رفع الستار عن عدة حقائق لاتزال في خانة «غير ممكن حاليا» والمتعلقة بمسار وسيرورة الثورة التحريرية خاصة عمل مهمة وزارة التسليح والإتصالات العامة «مالغ» وحتى عن بعض مجريات الجهاد ومكافحة المستعمر حتى يكتب التاريخ للأجيال القادمة، مضيفا أن الجزائريين شاركوا في تلك الحرب أيضا مثلما شاركوا في الحرب العالمية الثانية كذلك، وقال أنه يجب على جيل اليوم أن لا يفقد الأمل من الحصول على كم من المعطيات التاريخية التي يثري بها رصيده المعرفي ويبني بها مستقبله ومستقبل بلاده، لأن العديد من الذين صنعوا أو عايشوا الثورة التحريرية يكتبون عن العديد من الأحداث والشخصيات وستسمح مؤلفاتهم بتوضيح الأمور أو مقاربتها، مشيرا أن حتى عناصر «مالغ» الذين لا يزالوا على قيد الحياة شرعوا في الحديث عن مهامهم ومنظمتهم وإنجازاتهم لصالح الثورة التحريرية، فقط بعد إنشاء الجمعية التي أصبحت الإطار القانوني والفضاء المهم للمساهمة في إثراء معارف الجيل الجديد بما حدث إبان الثورة.
صحفي أمريكي كشف بشاعة جرائم المستعمر وعجل بتولي ديغول الرئاسة
ووعد المتحدث بتضمين كتابه الجديد الذي سيصدره قريبا مثلما أوضح، عدة حقائق عن عمل عناصر «مالغ» من خلال الأحداث التي عاشها وعايشها بنفسه خلال تلك الفترة، مشيرا أنه في هذا المؤلف ابتعد قدر الإمكان عن الحديث عن حياته وأعماله التي قام بها بل حاول حسب ما ذكر، إبراز الأهمية البالغة للأعمال والمهام التي كان يؤديها عناصر «مالغ» من أجل الحرية والإستقلال.
وفي سياق حديثه معنا تطرق السيد خالدي لجزئية من هذه الحقائق في كتابه القادم، وهي متعلقة بصحفي أمريكي كان سببا في إعتراف الرئيس الأمريكي جون كينيدي بضرورة حصول الجزائر على استقلالها، إنه الصحفي «جييو كرافت» الذي كان يعمل في جريدة نييويورك تايمز التي كتب فيها عدة مقالات عكست وجهة نظر الطرف الفرنسي حول تواجده في الجزائر، و يضيف السيد خالدي أنه بالصدفة تحصل على قصاصات لتلك المقالات وأنه قرر مباشرة البحث عن سبل الإتصال مع الصحفي الأمريكي لتصحيح الرؤية، وفعلا حصل ذلك وجاء الصحفي «جييون كرافت» للجزائر ورافقه المجاهدون للقرى والمداشر والجبال ليقف بنفسه على مدى بشاعة التعذيب الذي يتعرض له الجزائريون حتى الأبرياء منهم الشيوخ والأطفال، وقال محدثنا أن هذا الصحفي اضطر للمشي لصعود الجبال وتم حمله على أكتاف المجاهدين في المناطق الوعرة وعايش الحقيقة التي دهش وذهل لما رآه وسمعه، وعند عودته لبلاده كتب العديد من المقالات التي رفضت نييويورك تايمز نشرها بالنظر لتحالف أمريكا مع فرنسا في إطار قوات الحلف الأطلسي، ولكن إيمان الصحفي بعدالة القضية جعله يبحث عن منابر إعلامية أخرى نشرت له المحتوى. المادة الإعلامية التي نشرها الصحفي الأمريكي والتي كشفت الممارسات غير الإنسانية للمستعمر الفرنسي ضد الجزائريين، جعلت الرئيس جون كينيدي الذي كان حينها رئيسا للجنة الشؤون الخارجية لمجلس الأمة الأمريكي في 2 جويلية 1957 ليصرح بأن «الجزائر لها الحق في أن تكون حرة ومستقلة»، وهي الكلمات التي قلبت كيان المستعمر الفرنسي وجاءت بالجنرال ديغول للحكم. حقائق أخرى ينتظر أن يتضمنها الكتاب الجديد للسيد خلادي منها أن المجاهدون وخاصة أعضاء «مالغ» و الحكومة الجزائرية المؤقتة، أنجزوا العديد من الأمور في البلدين المجاورين تونس والمغرب، ولكن لا شيء كان سهلا أو بعيدا عن المخاطر وفق المتحدث، فالعديد من عناصر «مالغ» ظلوا 5 سنوات في غرف تحت الأرض لم يخرجوا منها ولم يطلوا على الشمس، وهذا ضمانا لأمنهم وكذا لسرية عملهم وحذرهم حتى من المندسين حينها في صفوف الشعبين المغربي والتونسي، حيث كانت الأغلبية تعمل في وحدات صناعة الأسلحة والذخيرة بالمغرب لتموين الثورة، وحتى داخل الوطن كان عناصر «مالغ» يقيمون في مخابئ تحت الأرض وفوقهم نجد مساكن أو خيم لسكان الأرياف وغيرها من التدابير الأمنية السرية جدا التي زعزعة الجمهورية الفرنسية الرابعة. أما بعد الإستقلال يضيف السيد خلادي، فعناصر «المالغ» هي التي أطرت الدولة الجزائرية ، فمن وزارة التسليح والإتصالات العامة، تولى العشرات حقائب وزارية وكان ثلاثة أرباع من ولاة الجمهورية ينحدرون من عناصر «المالغ» الذين أخذوا على عاتقهم أيضا مسؤولية الأمن الداخلي والخارجي للدولة وغيرها من المناصب التي سدت الفراغ الكبير الذي تركه المستعمر مما ضمن تواصل وإستمرارية الدولة.
بوالصوف يعود «على دروب الحرية»
عرض يومي الأربعاء والخميس المنصرمين بوهران، سلسلة أفلام وثائقية عن وزارة التسليح والإتصالات العامة التابعة للحكومة الجزائرية المؤقتة، وتضمن البرنامج تقديم خمسة أفلام ثرية بحقائق جديدة عن «مالغ» ومدعمة بأرشيف منه ما يكشف عنه لأول مرة، و إشتركت الأفلام الوثائقية في التعريف بالدور الجوهري والأساسي والهام جدا الذي قام به «السي مبروك» أو عبد الحفيظ بوالصوف في تطوير الوزارة وترقية مهامها وتنويعها ليس فقط في الجانب السياسي بل ركزت السلسلة على الجانب العسكري ودور أعضاء «مالغ» سواء في الحدود أو داخل تونس والمغرب في هذه الأخيرة أنشأ 7 وحدات لتصنيع الأسلحة والذخيرة بعد تعذر الحصول عليها من البلدان الصديقة للجزائر، وتعدى طموح «السي مبروك» هذا المستوى لغاية ارساله لدفعات من الشباب الجزائري لتلك البلدان وخاصة روسيا من أجل تكوينهم لقيادة الطائرات الحربية ومن أبرز هؤلاء الذين تناولتهم الأفلام الوثائقية الراحل «سعيد آيت مسعودان» الذي تولى عدة حقائب وزارية بعد الإستقلال، كما تناولت تلك الأعمال الفنية التاريخية الجانب الثري للعلاقات التي نسجها وزير التسليح والإتصالات العامة مع أجانب من مختلف البلدان الأوروبية والآسوية والأمريكية والذين ساعدوه على الحصول على الأسلحة أو الذخيرة وغيرها من الأمور التي كان يديرها عبد الحفيظ بوالصوف بسرية صارمة جدا جعلت حتى أعضاء «مالغ» الذين التقوا يوم الخميس الماضي يعبرون عن إندهاشهم لقوة بصيرة رئيس «مالغ» وحنكته العالية في تسيير مجموعات متشعبة لجنود داخل وخارج الوطن وبكل سرية وفي هذا الصدد أكد المجاهد خلادي أن عناصر «مالغ» كانوا يعملون في سرية تامة وصارمة جعلتهم لا يعرفون بعضهم البعض وبالتالي يحذرون من الجميع مثلما كان يوصيهم دائما بوالصوف.
فرنسا «صنعت» حوالي نصف مليون «حركي» لإختراق صفوف المجاهدين
كشف المجاهد خلادي محمد الذي كان عضوا في مديرية التوثيق والأرشيف التابعة لوزارة التسليح والإتصالات العامة التابعة للحكومة الجزائرية المؤقتة، أن عدد الحركى الذين «صنعهم» المستعمر الفرنسي كان 480 ألف أي ما يقارب نصف مليون شخص، لإختراق صفوف حوالي 20 ألف مجاهد وفق الإحصائيات التي وصلت دائرته الإستعلاماتية وقت الثورة التحريرية، مشددا على أن هؤلاء الحركى هم من عموم الشعب الجزائري الذين تمكن المستعمر من السيطرة عليهم عن طريق سياسة عزل الشعب عن جبهة وجيش التحرير الوطني وممارسة التضييق على سكان المداشر والقرى وحتى في بعض المدن وانتهاج طرق الضغوط النفسية.
هوارية ب