شهادات جامعية تفقد قيمتها التوظيفية وسياسات عـــــمــومـــيــة بـآلــيــــة إداريـــــة
طرح أساتذة باحثون من مركز البحث في الأنثروبولوجيا الإجتماعية والثقافية «كراسك»، إشكالية السياسات العمومية للتشغيل التي تبدو عبارة عن سياسات إدارية تطبق على جميع الولايات الجزائرية بنفس المقاييس دون الأخذ بعين الإعتبار الإختلافات السوسيو- إقتصادية بين مناطق الوطن مما يجعل مسار القضاء على البطالة يتعثر في أغلب الأحيان.
ثمن الأساتذة الباحثون الذين شاركوا في الورشة العلمية حول الإدماج المهني لحاملي الشهادات الجامعية والسياسات العمومية للتشغيل، والتي جرت فعالياتها بكراسك وهران أمس، الفكرة التي طرحها الدكتور الباحث نوار فؤاد حول السياسات العمومية للتشغيل والبعد المحلي، وهي السياسات التي قال أنها يجب أن تأخذ بعين الإعتبار المميزات السوسيو إقتصادية لكل منطقة حتى تنجح فيها عمليات التشغيل في مختلف الصيغ العمومية المطروحة، فمتطلبات البطالين في المناطق الشمالية غيرها في الولايات الجنوبية، كما أن حاجيات سكان المدن تختلف عن حاجيات سكان الأرياف أو المناطق الجبلية، وغيرها من المعايير التي يجب أن تدرج أثناء تطبيق سياسة عمومية للتشغيل في فضاء سكاني متميز عن الباقي، وإعتبر الحاضرون أن هذا الإختلال ناجم عن تجسيد السياسات العمومية للتشغيل بطريقة إدارية، وهو ذات الطرح الذي تقاسمه أمس الوفد التونسي من باحثين جامعيين الذين يعملون بالشراكة مع «كراسك» وهران، مع نظرائهم الجزائريين واتفقوا على ضرورة تعميقه مستقبلا من خلال العودة للبحث الميداني وفق هذا المنظور.
وخلال عرض مقالات الباحثين في الورشة، قال الأستاذ عرقوب محمد الذي تناول مسألة حالات عدم تساوي الحظوظ بين الجنسين في الإدماج المهني، حيث أوضح أن السياسات العمومية للتشغيل التي تحاول لعب دور الوسيط بين طالب العمل والمؤسسات التي تبحث عن يد عاملة، غالبا لا يلجأ إليها المتخرجون الجدد من الجامعات ويذهبون لممارسة أعمال أخرى لدى الخواص ومنهم الذين يعملون بطرق غير قانونية، وكشفت الدراسة الميدانية التي أجراها الأستاذ أنه يوجد فعلا تمايز في الإدماج المهني بين الجنسين بسبب عدة عوامل منها، نوعية الشهادة الجامعية ومكانتها في سوق الشغل و الأصول الإجتماعية التي لا تسمح بتموقع حامل الشهادة الجامعية في عالم الشغل وكذا التقسيم الجنسي لسوق العمل بفعل وجود قطاع التشغيل غير الرسمي لدى بعض الخواص الذين يوفرون بعض مناصب العمل بطريقة غير قانونية، وقال المتحدث أن فهم مسارات التشغيل لدى حاملي الشهادات تحكمه مجموعة من المؤشرات منها الإستراتيجية الفردية لحامل الشهادة في البحث عن منصب شغل. بينما تطرق الباحث لحمر ميلود لتشغيلية وإدماج طلبة تخصص الطب، حيث أشار أنه رغم ترسيخ فكرة أن الطلبة المتخرجين من كليات الطب لا تطالهم البطالة حسب المخيال المجتمعي الذي يعتقد أن مناصبهم مضمونة في سوق العمل، ورغم أن هذا له جانب من الحقيقة في الواقع، ولكن رغم عدم وجود أطباء بطالين، يوجد أطباء متخرجون جدد يعانون من هشاشة العمل كونهم يخضعون لعقود تشغيل وهي العقود التي تباينت فيها آراء عينة البحث التي تعامل معها الأستاذ لحمر، حيث هناك من يرى في هذه العقود طريقة لإكتساب الخبرة الميدانية ومنهم من يعتبرها إهانة لمهنة الطبيب النبيلة، وآخرون يقبلونها في انتظار نجاحهم في مسابقة التخصص، وأضاف المتحدث أنه يوجد 300 ألف متخرج جامعي باحث عن العمل سنة 2016 حسب أرقام الديوان الوطني للإحصائيات، من بينهم 9 آلاف طبيب، ووفق إحصائيات المجلس الوطني لعمادة الأطباء بفرنسا، فإن 25 بالمائة من الأطباء الجزائريين يعملون في مستشفيات بلادهم وقدروا بأكثر من 13500 طبيب سنة 2014، وهي ارقام تعكس إختلالات سياسات التشغيل التي سبقت الإشارة إليها، ولم تبتعد باحثة أخرى عن هذا الطرح أثناء تناولها حالة الشباب المقاول من حاملي الشهادات الجامعية، الذين يفشلون في تجسيد مشاريعهم المقاولاتية لإنعدام زرع الثقافة المقاولاتية أثناء مراحل التعليم، وأسفرت نتائج البحث على وجود 55 شابا نجح في مشروعه المقاولاتي من بين 506 شباب جامعيين مشتغلين، ولم تبتعد باحثة أخرى عن نتائج زميلتها، ولكن هذه المرة وسط الجامعيين المهندسين الذين يجدون صعوبات كبيرة في الإدماج المهني رغم كونهم أساس الإقلاع الإقتصادي الذي تصبو إليه سياسات التشغيل العمومية، ولكن نتائج البحث أفرزت 48,68 بالمائة من الهندسين في حالة بطالة، وهذا ما أرجعته نتائج الدراسة للهوة بين مخرجات الجامعة ونوعية التكوين وكذا متطلبات سوق العمل.
للتذكير، فإن ورشة أمس جاءت لتثمين والسعي لنشر نتائج دراسة علمية إنطلقت سنة 2015 بين باحثين جزائريين تناولوا 800 حالة لشباب جامعيين حاملي الشهادات والطرف التونسي الذي كانت عينة بحث مكونة من 400 شاب تونسي جامعي حامل لشهادة، وفي هذا الخصوص، أكد مدير «كراسك» وهران الدكتور مستاري جيلالي بأن هذه الدراسة البحثية الميدانية تندرج ضمن توجه الحكومة الرامي لتشريح واقع تشغيلية المتخرجين من جامعات الجزائر وكيفية ضبط إستراتيجية تجمع بين التخصصات الجامعية وتطور سوق العمل، وهو أيضا ما سيدرجه القانون التوجيهي الذي تحضره وزارة التعليم والبحث العلمي. بن ودان خيرة