* نعلم أن وجع غزة يدق في قلب كل جزائري
ترى الصحافية الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، ميرفت صادق، أن وسائل التواصل الاجتماعي استطاعت إيصال معاناة الفلسطينيين لمجتمعات لم تكن مطلعة على حقيقة الكيان الصهيوني، لكنها تؤكد في حوار للنصر، أن مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الصحافيين العرب في تغيير الصورة المشوهة عن العرب والمسلمين لدرجة تصديق روايات لم تؤيدها أي صور، في مقابل التغاضي عن مشاهد توثق للمجازر في غزة، خاصة في ظل انحياز الإعلام الغربي للرواية الصهيونية.
حاورتها: ياسمين بوالجدري
يستمر العدوان الوحشي على قطاع عزة وقد أسقط ما يقارب 10 آلاف شهيد وعشرات آلاف الجرحى معظمهم من النساء والأطفال. كصحافية ومواطنة فلسطينية كيف تتابعين هذا الوضع الإنساني الخطير؟
كفلسطينية أولا نتابع ما يتعرض له أهلنا وشعبنا في غزة بأسى كبير، وخاصة مع حجم وكم ونوعية القصف الإسرائيلي غير المسبوق في أي حرب مضت سواء على غزة أو منذ نكبة فلسطين عام 1948. ككل فلسطيني، لدي صديقات وأصدقاء وزملاء في غزة، أصحو صباحا لأتفقد من بقي منهم وتمر ساعات لنعرف مصيرهم، وأحيانا ينقطعون عن أي تواصل ليومين أو أكثر، حتى من نستطيع التواصل معه، ينقل لنا مشاهد مرعبة، ومعاناة مريرة جدا.
فقدنا أكثر من 40 صحفيا وناشطا إعلاميا
أما كصحفية، فأنا أعمل بشكل متواصل في غرفة التحرير يوميا لمدة 8 ساعات، ولكنني حقيقة لا أغلق الحاسوب ولا الهاتف النقال، فبالإضافة إلى كثافة العمل والسعي يوميا للبحث عن زوايا غير مطروحة لتداعيات العدوان، لدينا كصحفيين قلق كبير على زميلاتنا وزملائنا في غزة، وقد فقدنا العديد منهم، بعضهم خلال التغطية وآخرون في استهداف مباشر لمنازلهم أو الأحياء التي يسكنون بها.
ما تعليقك على هذا الاستهداف الخطير للصحافيين في غزة بل وحتى قتل عائلاتهم؟
حتى الاثنين، فقدنا ما لا يقل عن 40 صحفيا وناشطا إعلاميا، آخرهم أمس وهو الصحفي محمد الجاجة وعدد من أفراد أسرته في غارة إسرائيلية على منزله بحي النصر بمدينة غزة. لا أعتقد أننا شهدنا هذا الكم من قتل الصحفيين خلال شهر واحد في أي حرب في العالم خلال السنين الأخيرة. كما أعلم فإن عدد الصحفيين الذين قتلوا مثلا في الحرب الأوكرانية المستمرة منذ بداية 2022، لم يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.
من بين الصحفيين الشهداء في غزة، أعرف رشدي السراج، كان صديقا لدي في الفيسبوك، وكنت أتابع أعماله المصورة ومنشوراته عن صديقه الشهيد الصحفي ياسر مرتجى الذي قتله الاحتلال عام 2018، وقد استشهد رشدي في استهداف منزله قبل أسبوعين. قتل الصحفيين واستهدافهم بالنسبة لنا يزعزع أية ثقة بوجود بيئة عمل آمنة حتى للفئات التي من المفترض أنها محمية خلال أي نزاع مسلح وفق القانون الدولي، وهذا يفقدنا الشعور بالأمان على المستوى الشخصي.
دعم الإعلام الغربي للكيان الصهيوني ليس مستغربا
يجب التنويه أيضا إلى أننا في الضفة الغربية، أي خارج منطقة الحرب الشرسة على غزة، نواجه يوميا حملات اعتقال وتنكيل تطال العشرات، ومنهم صحفيون وصحفيات، فبالأمس اعتقلت الزميلة سمية جوابرة من نابلس، وهي أم لثلاثة أطفال وحامل في شهرها السابع، وتعرضت للاعتقال بعد أن شنت مجموعات للمستوطنين على مواقع التواصل حملة ضدها بسبب نشاطها ومنشوراتها. ومثلها لدينا 32 صحفيا معتقلا في سجون الاحتلال الآن، إلى جانب حملة ترهيب وتهديد بالاعتقال والاستهداف بحق أي صحفي أو ناشط يتحدث عن حقوق شعبنا الفلسطيني وعن معاناته ومقاومته.
علم الجزائر يُرفع في كل مواجهة مع الاحتلال في فلسطين
من خلال تواصلك مع زملائك في غزة، كيف يوصف المشهد من هناك؟
أنا أعمل في غرفة تحرير الجزيرة نت، ولدينا 4 مراسلين ومراسلات في القطاع على الأقل، في كثير من الأيام نفقد التواصل معهم جميعا، وغالبا يستطيع واحد منهم إرسال تقرير يومي والآخرون ينجزون قصصا عندما تتوافر لديهم شبكة انترنت أو مكان ما في مراكز الإيواء، لأن غالبية الصحفيين وعائلاتهم نزحت من منازلها كما هو حال أكثر من مليون من أبناء شعبنا في غزة.
غزة تتعرض لقصف لم نشهده منذ النكبة
يوم الأحد أرسلت إحدى الزميلات أن النازحين في جنوب القطاع باتوا «يشحدون» شربة الماء من الطرقات والبيوت التي ما يزال سكانها بها، إلى هذه الدرجة وصل الوضع بسبب قطع الاحتلال الكهرباء والماء عن غزة منذ بداية العدوان.
زميلات أخريات، يرسلن مناشدات عبر فيسبوك لمعرفة مصير أقارب وأصدقاء فقدوا الاتصال بهم منذ أيام داخل القطاع، وأكاد أجزم أن كل فرد في غزة فقد قريبا له خلال العدوان، إما من عائلته أو مقربا له، كما أن لكل زميلاتنا وزملائنا شهداء من دوائرهم المقربة.
يحدث قصف متعمد للمستشفيات وقد خرج 16 منها الخدمة إلى غاية يوم أمس، كما يتم استهداف المدارس والملاجئ في عدوان 70 بالمئة من ضحاياه أطفال ونساء، بما يعد إبادة جماعية يفسرها مراقبون بأن الهدف منها إفراغ قطاع غزة وتهجير سكانه. هل هذه الفرضية مطروحة فعلا؟
مخطط تهجير أهالي غزة إلى سيناء مطروح منذ سنين طويلة في العقلية الإسرائيلية وفي الأجندة العسكرية، ولذلك يبدو من السذاجة الاعتقاد أن ما حدث في 7 أكتوبر ومبادرة المقاومة في غزة بالهجوم هو العملية التي تسببت في محاولة تهجير سكان القطاع. يجب أن نعرف مثلا أن الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة منذ عام 2007، أدى إلى تهجير عشرات آلاف الشبان والعائلات بسبب حرمانهم من فرص الحياة الطبيعية من عمل وصحة واستقرار.
النازحون في جنوب القطاع لا يجدون شربة ماء
جاء هذا العدوان ليستغل لحظة دعم دولي عسكري ومالي وسياسي لإسرائيل من أجل تنفيذ مخططات قديمة، أبرزها تهجير سكان القطاع إلى سيناء، وهو ما أفشله صمود أهل غزة ورفضهم التحرك نحو الحدود رغم عنف القصف والمجازر اليومية.
يرى متابعون أن العدوان على غزة عرّى ازدواجية المعايير التي تنتهجها وسائل الإعلام في الغرب وانحيازها للسردية الصهيونية. كيف تقرأين هذه المعالجة الإعلامية؟
لا يبدو دعم السردية الغربية بشكل أعمى للرواية الصهيونية، أمرا مستغربا في ظل قوة اللوبيات الصهيونية العاملة لترويج الرواية الصهيونية المشوهة للحقائق والواقع وفرضها بالقوة وبالمال أحيانا. لكن، لا يمكن فهم استمرار الجمهور الغربي في تلقي الرواية الإسرائيلية والاقتناع بها طوعا في ظل آلاف الصور التي تفرض تنقلها وسائل إعلام ووكالات محايدة جدا من غزة، وخاصة مشاهد إبادة العائلات والأطفال وقصف المستشفيات.
نعم أعتقد أن الرواية الصهيونية في كل العالم بدأت بالتخلخل، رغم رواجها في أوساط صناع القرار خاصة في الولايات المتحدة والغرب، لكن أعتقد أنه ورغم الإنجازات التي تتحقق فإننا بحاجة لتعميق وتوسيع وصول الصوت الفلسطيني وصور الإبادة إلى كل العالم، والعمل أكثر وبصورة مكثفة تستند إلى المعلومات الموثوقة.
رغم محاولات التعتيم هذه إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي أوصلت القضية الفلسطينية للعالم وفضحت جرائم المحتل وهمجيته بدليل المظاهرات اليومية في كبرى العواصم. هل تعتقدين أن منصات التواصل استطاعت التغلب على الآلة الدعائية الإسرائيلية والغربية؟
صحيح أن وسائل التواصل استطاعت الوصول إلى مجتمعات وفئات لم تكن مطلعة على حقيقة وواقع الاحتلال وتوضيح مَن الضحية ومَن المجرم في هذا الصراع، بل كان لها دور كبير في تحشيد الجماهير وخروجهم للضغط على حكوماتهم، لكن أعتقد أنه تقع علينا كصحفيين وجهات إعلامية عربية، مسؤولية كبيرة في تغيير الصورة المشوهة التي فرضت في عقول الغرب عن العرب والمسلمين لدرجة تصديقهم روايات لم تؤيدها أية صور أو وقائع، في حين يتغاضى هؤلاء أنفسهم عن مشاهد حية تنقل يومية للمجازر والإبادة في غزة. في ظل استمرار العدوان، على كل صوت عربي أن يتحرك لوقف الصواريخ والقصف عن أطفال غزة، والضغط أكثر لتحريك الحكومات من أجل وضع حد للمجازر.
«طوفان الأقصى» أعاد قضية فلسطين للوعي العربي والأجيال الشابة
برأيك كيف ساعد طوفان الأقصى على إيصال القضية الفلسطينية لكل العالم وإحيائها من جديد؟
من المعروف أن سنوات ما عُرف بـ»الربيع العربي» وما تلاه من حروب أهلية وصراعات لا تزال الشعوب العربية تعاني منها، حيّد القضية الفلسطينية عن أجندة الإعلام والسياسة وكذلك عن الوعي العربي، حتى جاء «طوفان الأقصى» وإعادة قضية فلسطين من جذورها عن شعب ووطن محتل منذ 75 عاما ويطالب بأرضه وحقوقه وحريته، إلى الأجندة الرسمية وإلى الوعي العربي، وخاصة للأجيال الشابة الجديدة التي يبدو أن كثيرا منها لم يدرس ولم يعرف عن القضية الفلسطينية شيئا بحكم تغييبها عن الإعلام والمناهج والقنوات التربوية والندوات والأنشطة السياسية.
نتعرض لترهيب لمنع الحديث عن حقوق شعبنا ومقاومته
نعتقد أيضا أن ما جرى في السابع من أكتوبر، يحدث تحولا وإن كان بطيئا لكنه ملموس، في وعي العالم غير العربي وغير المسلم بحقوق الشعب الفلسطيني وأهمية دعم قضيته، وباعتقادي عندما يتوقف العدوان، علينا استثمار هذه اللحظة باتجاه الضغط الدولي لصالح حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم ونيل حقوقهم وحريتهم.
يتابع الجزائريون بأسى شديد ما يتعرض لهم إخوانهم في غزة وفي عموم الأراضي المحتلة، ويجددون في كل مرة شعبا وحكومة تضامنا غير محدود معهم منددين بتطبيع بعض الدول مع الكيان الصهيوني. ما الذي يمكن أن تقولينه في هذا الجانب؟
لا ينظر الفلسطينيون للجزائر كباقي الشعوب، لطالما كان العلم الجزائري مرفوعا في ساحات المواجهة مع الاحتلال في غزة والضفة والقدس وكل مكان من فلسطين، وقبل «طوفان الأقصى» وبعده، نعلم أن لدينا شعبا يدعمنا بلا شروط وبدون حسبان لأية ظروف سياسية أو لموازين القوى كما تفعل معظم الدول العربية.
صمود أهل غزة أفشل مخططات التهجير
نعلم تماما أن وجع غزة يدق في قلب كل جزائري، لذا ننتظر المزيد من الضغط شعبيا وإعلاميا وسياسيا من أجل وقف العدوان أولا، ثم العمل الحثيث لدعم شعبنا المنكوب في غزة ولذوي الشهداء ومن فقدوا بيوتهم أو أصيبوا. شكرا جزيلا لاهتمامكم ونسألكم الدعاء والعمل لغزة وفلسطين كما عهدنا أهلنا في الجزائر دوما. ي.ب