الأزمة المادية التي يعيشها المسرح قد تساهم في تطهيره
فتح الممثل والمخرج كريم بودشيش قلبه للنصر في حوار تحدث فيه عن العديد من النقاط المتعلقة بمشواره الفني و واقع المسرح في الجزائر بصفة عامة و قسنطينة بصفة خاصة، وأكد أن مرحلة التقشف التي مست العديد من القطاعات قد تساهم حسبه في تنقية المحيط من الغرباء و الدخلاء ولن يبقى في المسرح إلا أهله.
حاوره: فوغالي زين العابدين
في البداية نود معرفة آخر أخبار كريم بودشيش كمخرج وممثل؟
حاليا أنا في مدينة قسنطينة أستريح ، بعد نشاط مكثف في الفترة الأخيرة، وأنا دائم الالتقاء مع الأصدقاء الفنانين و الكتاب و المبدعين للتفكير و التخطيط للمرحلة القادمة.
وماذا عن جديدك الفني؟
هناك عمل مسرحي نحن بصدد التحضير له وإن شاء الله سيرى النور في 2018، وهذا بعد أن انتهيت من سلسلة من الأعمال عرضت خلال الموسم الفارط وكنت فيها المخرج مثل مونولوغ "صابر خديمكم" "وليلة دم" و"بيراط خراييب" و"النائب المحترم" وغيرها.
حدثنا عن بداياتك في عالم المسرح ؟
بدايتي كانت سنة 1986 في مسرح الهواة مع فرقة معروفة آنذاك لرئيسها كمال بروكي وكنا ننشط باستمرار ونلتقي في مقهى البوسفور سابقا وكانت الفرقة تضم أسماء معروفة مثل حكيم دكار و الشريف بوعاكر و محمد الصالح مرابط وحمادي وغيرهم، وفي سنة 1988 تكونت في المعهد الوطني لتكوين إطارات الشباب (اختصاص فنون درامية) وفي فترة التكوين قمت بعدة أعمال مسرحية.
التركيز على شهر رمضان أوقع الكثيرين في الارتجال و الرداءة
كانت بدايتك مع مسرحية " الخربة" كيف كان ذلك ؟
صحيح ..أول أعمالي كانت مسرحية "الخربة" وهي نص للكاتب السوري مصطفى الحلاجي وإخراج كمال بروكي، ومن هنا كانت الانطلاقة، حيث اتصل بنا مسؤولو مسرح قسنطينة آنذاك وكان عمرنا بين 17 و 18 سنة، ووقتها اقترح علينا جمال دكار المخرج العراقي فارس الماشطة وعملنا في مسرحية "عودة الحلاج" سنة 1987 وكانت هذه أول تجربة مشتركة بين فرقة هاوية ومسرح قسنطينة الجهوي، وبعدها شاركت في مسرحية"المخدوع"، وبعدها توقفت الفرقة لظروف عديدة من بينها تنقلي إلى تمنراست باعتباري إطار في الشبيبة و الرياضة، وبعدها عادت الفرقة من جديد وشاركنا في مسرحية "عملية نوح" للمخرج العراقي فارس الماشطة.
حدثنا عن تعاونية المسرح التي أنشئت في منتصف التسعينات؟
في سنة 1996 قمنا بتأسيس تعاونية "محمد جليد"، وبعدها أسسنا تعاونية "نوميديا الفن"، وكنا نقوم بإنتاج مسرحيات مع جمال مزواري وحسان بولخروف وأسماء أخرى، وكنا بمثابة خلية تقوم بكتابة النصوص و الاقتباس و الإخراج و التوزيع، وفي نفس الوقت كنا نشارك معا في عدة أعمال تلفزيونية مثل "كبش العيد" و "صحاب الربطة" وغيرها.
ما هي المحطات التي تعتبرها محورية في مشوارك كممثل؟
قبل دخول عالم الإخراج شاركت في عدة أعمال مسرحية من بينها، "الخربة" 1986 و "عودة الحلاج 1987"، و "عملية نوح 1993" و نقطة إلى السطر 1996" كممثل ومخرج و" الأغنية الأخيرة 1996"، ومسرحية "ماسينيسا 1999"، "البوغي 2003" وأعمال كثيرة أخرى، كما شاركت في عدة أعمال مع مسارح أخرى مثل "الزهرة الملعونة" لمسرح سكيكدة و "أمسية في باريس" لمسرح آم البواقي، كما شاركت كممثل في عدة ملاحم من بينهما ملحمة "بن بولعيد 2000 " في عنابة و ملحمة"روسيكادا 2001" وملحمة قسنطينة الكبرى 2015.
حدثنا عن دخولك مجال الإخراج المسرحي؟
يقال أن كل ممثل لديه مخرج صغير في داخله، و مهنة الإخراج المسرحي استهوتني منذ سنوات، ودخلت هذا المجال منذ الثمانينات حينما كنت في المعهد، حيث أخرجت عدة مسرحيات هناك، وكانت أول تجربة لي في مسرحية "هو وهي" واشتغلت على عدة نصوص و اقتباسات، ولما تخرجت من المعهد انتقلت إلى العمل الإخراجي كمحترف مع تعاونية "نوميديا الفن" وكانت أول تجربة إخراجية لي كمحترف في مسرحية "المعطف"، ثم مسرحية "ليلة مع مجنون"، ومؤخرا قمت بإخراج سلسلة في مسرح قسنطينة مؤخرا كمسرحية"ابوكال" باللغة الامازيغية 2015 و "النائب المحترم" و "ليلة دم" و "بيراط خراييب" و" صابر خديمكم"، وحققت هذه السلسلة نجاحا وسط الجمهور.
أخرجت "مسرحية ليلة دم" التي تحكي فترة مابعد العشرية السوداء و المصالحة الوطنية، هل ترى أنها فاتحة لتسليط الضوء على أعمال أخرى من هذا النوع؟
أنا مؤمن بفكرة أن وضع اليد على الجرح يساهم في وضع خارطة طريق لمستقبل أفضل، وهذا العمل ربما هو أول عمل مسرحي أو حتى تلفزيوني يحكي تلك الحقبة بسلبياتها وايجابياتها المتمثلة في المصالحة الوطنية، وبالنسبة لي ليس لدي إشكال في المشاركة في أعمال أخرى تشخص هذه الحقبة من زاوية مختلفة.
ونفس الشيء بالنسبة لـ"بيراط خراييب"؟
بالطبع خصوصا أن العمل تناول قضية سياسية بقالب فكاهي، ومثل هذه الأعمال تتطلب نوعا من الجرأة.
هل حرية الرأي و الإبداع موجودة في المسرح أم هناك تعقيب عليها؟
بصراحة لا يوجد لدينا إشكال من هذه الناحية والدليل الأعمال الأخيرة التي تناولناها سواء الفكاهية أو التراجيدية أو غيرها، ولا يوجد تدخل في النصوص، ولا يوجد أي تضييق سواء للممثل أو المخرج أو الكاتب، وهذه الحرية غير موجودة في بعض الدول باعتبار أنني سافرت وشاركت في عدة تظاهرات بدول عربية وأعي جيدا ما أقول.
«ليلة دم» أول عمل جريء يسلط الضوء على العشرية السوداء
هل الجرأة و الحرية وحدهما كافيتان لصناعة نجاح عمل معين؟
لا أبدا لا تكفي إذا لم تكن لديك نظرة فنية واضحة وحس جمالي و إبداعي، وتتمكن من الارتقاء بالمشاهد.
ما رأيك في واقع مسرح قسنطينة الجهوي حاليا؟
الحقيقة تقال أن المسرح في السنوات الأخيرة شهد إنتاج العديد من الأعمال بوضع إستراتيجية لفتح الفضائات للشباب و المبدعين سواء كتاب أو مخرجين أو فنانين.
وماذا عن التقشف هل تراه يؤثر على أداء المسرح؟
لابد من التأقلم مع هذا الوضع، وصحيح أن الفنانين هم أكثر المتضررين لكن مجال الإبداع يبقى مفتوحا، وجل الأعمال المسرحية التي حققت نجاحا في الفترة الأخيرة أنتجت في فترة التقشف، وهنا يدخل عامل الصبر وحب المهنة، ويمكن أيضا القول بأن لهذه المرحلة ايجابيات لأنها كفيلة بغربلة المحيط من الدخلاء وأصحاب المطامع، ولن يبقى فيه إلا أهل المسرح و الفن ومن يحبونه بإخلاص، وكما يقال"الأزمات تلد الهمم".
قمتم العام الفارط بلم شمل المسرحيين في سلسلة من الجلسات في المدينة خارج أسوار المسرح، ما الهدف منها؟
هي عبارة عن لقاءات للم الشمل وهي ليست عمل نقابي، وكان هدفنا تبادل الأفكار من أجل إيجاد آليات و فضائات جديدة للإبداع، وإذا تطلب الأمر إنشاء نقابة للدفاع عن حقوق الممثل المسرحي فنحن نرحب بها.
من النادر اختيار ممثل مسرحي شاب لأداء دور في السينما أو التلفزيون فما هو السبب؟
أغلب المخرجين السنمائيين و التلفزيونيين دائما يحضرون للعروض المسرحية ونرسل لهم دعوات في كل مرة، فعلى سبيل المثال المخرج حسين ناصف يعتبر من أوفياء العروض المسرحية بالإضافة لعلي عيساوي وغيرهم، أما بالنسبة للأعمال التي يخرجها مخرجون أجانب فهم لا يعرفون الممثلين المسرحيين وبالتالي يقومون بالكاستينغ لاختيار الأدوار.
هل التكوين الأكاديمي كاف لصناعة ممثل ناجح؟
بالطبع غير كاف خصوصا إذا افتقر إلى الموهبة وحب المهنة لأن فاقد الشيء لا يعطيه، لأن ليس كل الدفعات التي تتخرج من برج الكيفان كل سنة في المستوى وهناك من يتخرج لكن لا يستطيع فرض نفسه في الميدان، وحتى بالنسبة للأستاذ الذي يدرس الناحية الأكاديمية لا يستطيع فعل شيء إذا لم يكن من أهل الاختصاص ومارس المهنة.
ما رأيك في الجيل الحالي من الممثلين المسرحيين؟
هناك شباب لديهم طاقات كبيرة، يلزم صقلها وتوجيهها و تأطيرها، لأن الموهبة وحدها لا تكفي بل يجب أن تكون في أيادي أمينة من المؤطرين أصحاب الخبرة.
ما هي اقتراحاتك لتطوير القطاع؟
لابد من إنشاء معاهد تكوين في كل ولاية تجمع المواهب، وفتح المجال للقطاع الخاص خصوصا في المسرح أو السينما أو التلفزيون ، وأتمنى أن تكون هناك ثقافة السبونسور ويتم فتح الباب لأصحاب المال للاستثمار في القطاع، مع وضع ميكانيزمات و تحفيزات.
حدثنا عن تجربتك في عالم التلفزيون و السينما؟
في البداية كان شغلي الشاغل هو المسرح وليس التلفزيون، ودخولي هذا المجال كان متأخرا واشتغلت مع عدة مخرجين تلفزيونيين مثل عزيز شولاح وحسين ناصف وشاركت في فيلم"كبش العيد" و مسلسل"كسوف" وسلسلة "ماني ماني" ، كما شاركت مؤخرا في فيلم "ابن باديس "للمخرج باسل الخطيب و أعمال أخرى مثل"فرسان العقار" و "طوق النار" و"شجرة الصبار" و"أسرار الماضي" ومؤخرا" الحناشية".
كتبت عدة سيناريوهات للتلفزيون وأخرجت بعضها، هل يمكن أن تقدم لنا لمحة عنها ؟
كتبت مسلسل"بين يوم وليلة" 2003 من بطولة حكيم دكار، و "أشواك المدينة 2007" ومجموعة من السكاتشات مع علي عيساوي، كما أخرجت مسلسل"فاميليا شو 2014" و "حدائق الياسمين" وهي حاليا في مرحلة المفاوضات قبل بثها.
الجزائر متقدمة عربيا في مجال حرية الابداع الفني
ما رأيك في الأعمال التلفزيونية التي عرضت مؤخرا؟
هناك أعمال ارتقت إلى المستوى المطلوب وبالمقابل هناك انتاجات للأسف دون المستوى ، وأنا ضد العمل فقط في شهر رمضان وفي هذه الحالة تقع في فخ الارتجال، وهنا تخرج الأعمال رديئة جدا.
كيف ترى مستقبل المسرح والسينما في الجزائر؟
أتمنى أن تكون مسارحنا في أفضل حال ويكون الجو ملائما للعمل، وتزدهر الانتاجات المسرحية، وتعود المياه إلى مجاريها ويسترجع المسرح جمهوره، كما أطمح أيضا للعمل مع مخرجين كبار في أعمال سينمائية وتلفزيونية كبيرة.
كلمة تود توجيهها لجهة معينة
أود أن أوجه نداءا للفنانين و المبدعين، بأن لا يستسلموا ويواصلوا العمل و الإبداع رغم الأزمة التي نمر بها وان شاء الله فيها خير.
ف.ز