كشفت إفرازات أولى مباريات النسخة 32 من نهائيات كأس أمم إفريقيا في المجموعتين الأولى والثانية، عن تغيير في معالم الخارطة الكروية في القارة السمراء، حيث وجهت المنتخبات التي كانت مصنفة في خانة «الصغار» أو تلك التي كانت «مجهرية»، رسائل واضحة المضمون، من خلال المردود الذي قدمته، والوقوف الند للند أمام الكتلة التي تشكل مجموعة «كبار القارة»، ودخلت هذه الدورة ضمن قائمة المرشحين على الورق للتنافس على التاج، لكن هذه الحسابات الأولية قد تسقط في الماء، مادامت حقيقة الميدان، قد وضعت كل المنتخبات على نفس الموجة.
الرسالة الأولى، كانت من منتخب زيمبابوي في موعد رفع الستار عن هذه الطبعة، لأن مواجهة منتخب البلد المنظم مصر، في ملعب القاهرة، بحضور أزيد من 70 ألف متفرج لم يكن كافيا لزعزعة الزيمبابويين، الذين صمدوا أمام «الفراعنة»، وأدوا مباراة في المستوى، ولو أن الهدف الذي وقعه تريزيغي في أواخر الشوط الأول كان حاسما، ومنح منتخب مصر 3 نقاط ثمينة، لكن الأداء الباهت لتشكيلة المدرب خافيير أغيري جعل دابر الشك، يتسرب إلى قلوب الجمهور المصري، بخصوص قدرة منتخبه على تحقيق المبتغى، وإحراز اللقب القاري للمرة العاشرة، وذلك باستغلال عاملي الأرض والجمهور، لأن زيمبابوي لا تملك المنتخب الذي يقاس عليه مستوى «البطل»، إلا أن الفوز غير المقنع لصلاح ورفاقه أسقط الحسابات المسبقة، التي كان «الفراعنة» يراهنون عليها، انطلاقا من المشوار المميز لمنتخبهم في التصفيات، والذي جاء امتدادا لعودتهم إلى المونديال، عبر بوابة دورة روسيا 2018 بعد غياب دام قرابة ثلاثة عقود من الزمن.
وفي سياق ذي صلة، فقد كان منتخب أوغندا قد بصم على أولى مفاجآت هذه الطبعة، لأنه زاوج بين الأداء والنتيجة عند مواجهته لمنتخب جمهورية الكونغو الديمقراطية، وكانت «الرافعات» الأوغندية صاحبة أفضل مردود، في افتتاح المنافسة على مستوى المجموعة الأولى، حيث دهست «فهود كينشاسا» بقوة، وكانت جديرة بإثقال فاتورتها بأهداف أخرى، لكن الثنائية المستحقة لتشكيلة التقني الفرنسي ديسابر، أكدت على أن الواقع الميداني يختلف كلية عن لغة الحسابات، لأن منتخب الكونغو الديمقراطية يسجل تواجده في «الكان» للمرة 19، والرابعة تواليا، غير أنه لم يكن قادرا على مسايرة الريتم، الذي فرضه المنتخب الأوغندي، العائد إلى المنافسة القارية منذ سنتين، والانتصار الذي استهل به مشاركته في دورة مصر، جاء بعد 41 سنة من الانتظار.
عقدة مباراة «الافتتاح» طاردت أيضا منتخب نيجيريا، لأن «النسور الخضراء»، والتي عادت إلى النهائيات القارية بعد غياب عن آخر نسختين، لم تتمكن من تجاوز عقبة البورندي سوى بشق الأنفس وفي الدقائق الأخيرة، رغم أن المنافس يشارك لأول مرة في «الكان»، لكنه وقف الند للند، بتشكيلة لا تتوفر على النجوم، على العكس من الكتيبة النيجيرية المدججة بترسانة من النجوم، تنشط في أكبر الدوريات الأوروبية، غير أن هذه المعطيات لم تعد كافية لصنع الفارق في أدغال القارة السمراء، ولو أن الخبرة كانت الفيصل، وجنبت منتخب نيجيريا واحدة من المفاجآت المدوية، على اعتبار أن إقحام البديلين أحمد موسى وإيغالو مكن «النسور» من تحقيق الأهم، وتسجيل هدف الفوز، فانتزعت النقاط الثلاث، بينما نال منتخب البورندي تقدير المتتبعين في أول ظهور له في النهائيات القارية.
وعلى نفس الموجة سار منتخب مدغشقر، الذي سرق الأضواء في خرجته الأولى في «الكان»، والتي كانت جد موفقة، باقتسام الزاد مع منتخب غينيا، في مباراة أكد فيها «الملغاشيون» على أن تواجدهم في دورة مصر كان مستحقا، باعتبارهم أول منتخب اقتطع تأشيرة التأهل، حيث أن منتخب مدغشقر عاد بقوة في الشوط الثاني، فكان هدف التعادل الذي وقعه أنيسيت هابيل تاريخيا، كونه الأول لمنتخب بلاده في النهائيات القارية، رغم أن زميله كارلوس أندريا، المهاجم السابق لاتحاد الجزائر، منح الأسبقية للمنتخب الملغاشي، لكن التعادل كان بمثابة انجاز تاريخي لبلد، يتواجد أحد أبنائه على رأس المنظومة الكروية الإفريقية، والمهمة لم تكن سهلة أمام منتخب غينيا، الذي يشارك للمرة 11 في «الكان».
المباريات الأربع الأولى من دورة مصر، كانت فرصة مواتية للمنتخبات التي كانت تصنف في خانة «الصغار»، للتأكيد على أحقيتها في تنشيط العرس القاري، وبالتالي التأكيد على نجاعة قرار رفع عدد منشطي «الكان» من 16 إلى 24 منتخبا، لأن هذا الإجراء فسح المجال أمام بعض الزبائن الجدد لتسجيل تواجدهم التاريخي، في صورة البورندي ومدغشقر، وشاءت الصدف أن تضعهما القرعة جنبا إلى جنب في نفس المجموعة، إضافة إلى موريتانيا، في الوقت الذي أصبح فيه «كبار» القارة غير قادرين على إثبات تفوقهم، بعدما زالت الفوارق المبنية على الحسابات الأولية، وأكدت حقيقة الميدان على تقارب مستوى كل المنتخبات.
ص / فرطــاس