وضع بلماضي بصمته بصورة جلية في دورة «كان 2019»، كواحد من أبرز التقنيين الناجحين، بعد نجاحه في قيادة المنتخب لإحراز فوزين متتاليين في دور المجموعات، رغم أنه يخوض أول تجربة له كمدرب في القارة السمراء، لكن هذا العامل لم يكن كافيا لقطع الطريق أمامه، من أجل قيادة «الخضر» للظهور بمستوى، يتماشى وسمعة الكرة الجزائرية.
ويعتبر بلماضي ثالث أصغر مدرب في هذه الطبعة، بعد كل من الفرنسي سيباستيان ديسابر والتقني الهولندي كلارنس سيدروف، الذي يقل سنا عن مدرب منتخبنا بستة أيام، إلا أن عامل السن لم يعد المعيار في قياس درجة الكفاءة، لأن بلماضي يشتهر بقوة الشخصية، منذ كان لاعبا، ومعروف عنه أنه لا يرضى سوى بالفوز، كونه متشبع بالروح الانتصارية، وهو المكسب الذي كان أهم سلاح في المغامرة، التي وافق على القيام بها مع المنتخب منذ أوت 2018، رغم أن «الخضر» كانوا قد تراجعوا بشكل ملحوظ، وفقدوا هيبتهم على الصعيدين القاري والعالمي، منذ «نكسة» الغابون.
بلماضي، وإن قام بفتح ورشة كبيرة في العمل الميداني لضبط التعداد، مع مراهنته على بعض الوجوه الجديدة، فإنه بالموازاة مع ذلك قام بإسقاط معالم شخصيته على المنتخب، وزرع في اللاعبين روح جماعية، انعكست بوضوح في الأداء المقدم، في «سيناريو» أعاد إلى أذهان الجزائريين الذكريات الجميلة للملحمة التاريخية في مونديال البرازيل، وكذا ذاكرة موقعة أم درمان بالأراضي السودانية، حيث كانت الروح الانتصارية السلاح الوحيد الذي صنع الفارق، وأدت إلى كتابة محطات تاريخية في مشوار الكرة الجزائرية، و»الكومندوس» الحالي استعاد الثقة التي افتقدها، بفضل لمسة بلماضي من الناحية النفسية، لأن نواة التشكيلة الأساسية لم تتغير كثيرا، لكن المردود سار بمنحى تصاعدي نحو الأحسن على الإطلاق، منذ المباراة التاريخية في ثمن نهائي المونديال ضد ألمانيا.
إلى ذلك، فإن بلماضي بصم أيضا على الجانب التكتيكي، وبرهن بأنه تقني ناجح، يجيد قراءة المنافسين، وتشريح أسلوبهم في اللعب، وقد أثبت ذلك في مواجهة السنغال، حيث تفوق على نظيره أليو سيسي، الذي يكبره في السن بيوم واحد، رغم أنه احتفظ بنفس التشكيلة التي كانت قد فازت على كينيا، والتعديل كان في الطريقة المنتهجة، والتي تم رسمها بمراعاة نقاط قوة وضعف المنافس، ولو أن الملفت للانتباه أن «الخضر» أصبحوا يبادرون إلى صنع اللعب باستغلال الزيادة العددية في كل مساحة من الملعب، نتيجة الانتشار الجيد، وكذا التنويع في البناء الهجومي عبر الرواقين الأيمن والأيسر، فضلا عن نجاح بلماضي في تخليص النخبة الجزائرية من «الكابوس» الذي ظل يطاردها، لأن هشاشة الخط الخلفي كانت أبرز نقطة ضعف، والناخب الحالي تمكن من وضع حد لهذه المعاناة بفضل تعديلات طفيفة.
ص / فرطــاس