اعتبر رئيس اللجنة الفيدرالية للتحكيم الدكتور خليل حموم قضية الحكم المساعد رزقان و تورطه رفقة بيشيران في محاولة رشوة دليلا قاطعا على إصرار الفاف على تخليص السلك من كل الشبهات وإبعاده كلية عن قضايا الفساد، مضيفا بأن برنامج العمل المسطر يرمي إلى إحداث ثورة كبيرة في التحكيم الجزائري، لكن تجسيده على أرض الواقع ليس بالأمر السهل، في ظل وجود أصحاب مصالح ما فتئوا يبادرون إلى الاصطياد في المياه العكرة.
حموم كشف في هذا الحوار بأنه كان وراء تفجير قضية محاولة الرشوة بمساعدة من مسيري نصر حسين داي، كما أكد بالموازاة مع ذلك على أن عملية التعيينات ستبقى سرية طيلة الموسم القادم، فضلا عن دخول جملة من التدابير الجديدة حيز التطبيق، إضافة إلى الشروع في تنفيذ برنامج سيسمح بالدخول بالتحكيم الجزائري إلى شبه الإحتراف، من خلال منح الحكام العديد من الامتيازات، في حين اعتبر الحملة التي أثيرت ضده من طرف حيمودي مجرد زوبعة في فنجان.
مما لا شك فيه أن العلاقة الوطيدة التي تربطني برئيس الفاف محمد روراوة منذ فترة طويلة هي سر تواجدي على رأس اللجنة الفيدرالية للتحكيم، لكن هذا التعيين لم يكن من باب المحاباة أو البحث عن خدمة المصالح، و إنما من منطلق الثقة الكبيرة الموجودة بيني و بين روراوة، خاصة و أنني متواجد ضمن تركيبة المكتب الفيدرالي الحالي، رغم أنني لم أوافق على تحمل هذه المسؤولية إلا بشروط، من أبرزها تسطير برنامج عمل على المديين القصير و المتوسط، هدفه الرئيسي السعي لتخليص الصفارة الجزائرية من الصورة السوداء التي تلطخ سمعتها، لأن الحديث عن قضايا الرشوة والفساد وتوجيه أصابع الاتهام للحكام وحتى لمسؤولين كان منتشرا بكثرة، من دون أي رد فعل من الهيئات الوصية، إضافة إلى العمل على تطوير السلك في ظرف زمني قصير، لأن تجسيد مشروع الإحتراف في الجزائر لا يجب أن يكون على الأندية فقط، بل يجب أن يمتد إلى الحكام وحتى الأنصار، والحقيقة أن المهمة ليست سهلة، ولو أنني أؤكد بأن ترأس لجنة التحكيم لن يكون حكرا على الأشخاص الذين يعدون من أبناء هذا السلك، حيث تبقى الكفاءة والثقة أهم المقاييس في تقلد مثل هذه المناصب الحساسة.
الحقيقة أنني وبحكم إفتقاري للخبرة في السلك عمدت إلى القيام بتغيير جذري في تركيبة اللجنة، وذلك بالإستعانة بخدمات بعض أهل الإختصاص من حكام سابقين للإشراف على الجانب التقني، لكن لا أخفي عليكم بأنني تفاجأت بعد شهر فقط من انطلاق الموسم بخرجة الحكم المساعد منير بيطام، والاتهامات التي وجهها لي شخصيا وكذا إلى رئيس الرابطة محفوظ قرباج، وهو أمر أربكني، لأنني لم أكن أتصور مثل هذه القضية، إلا أنها من الجهة المقابلة زادت في عزيمتي على مواصلة العمل بكل جدية، لأن رد فعل حكم بتلك الطريقة الغريبة في مباراة رسمية فتح الملف على مصراعيه بعد تناوله في وسائل إعلام عالمية، غير أن الخطوة التي قمنا بها، من خلال اللجوء مباشرة إلى العدالة وضع كل طرف أمام الأمر الواقع، وحديث بيطام عن حيازته على أدلة مادية كان مجرد مناورة، ليكون الحكم عليه ب 4 أشهر حبسا نافذا من طرف الجهات القضائية رد على الإتهامات الباطلة التي كان قد وجهها لنا.
لقد كنت أحد أطراف هذه القضية، لأن مسير نصر حسين داي كمال سعودي أبلغني بحيثيات الملف قبيل مباراة فريقه ضد شباب قسنطينة بيوم واحد، وأحضر لي شريطا يتضمن تسجيلا صوتيا للمفاوضات التي بادر الحكم رزقان إلى القيام بها وطلب رشوة، كما أنني استمعت إلى اتصال هاتفي بين الطرفين وتم خلاله تأكيد القضية، الأمر الذي جعلني أتخذ قرارا فوريا يقضي بتغيير الحكمين المساعدين ليلة المقابلة، رغم وصول الطاقم إلى مدينة البرج، لأنني و بحكم منصبي كرئيس للجنة كنت مجبرا على إتخاذ القرار الكفيل بحماية فريق السنافر من أي مناورة من الحكم المساعد رزقان قد تكلفه خسارة اللقاء، رغم أنني أؤكد بأني إدارة «النهد» لم تكن لديها نية الضلوع في هذه القضية، بدليل اتصالهم بي شخصيا، وإقدامنا على نشر بيان رسمي على موقع الفاف كان بغرض الكشف عن أول قضايا الفساد في سلك التحكيم، لأنني و في إجتماع لي مع الحكام مباشرة بعد تسلمي المهام كنت قد أبرمت ميثاقا مع كل الأطراف الفاعلة، مع توعد كل من يخل بأخلاقيات الرياضة بعقوبات صارمة، فكان اللجوء إلى العدالة أمرا حتميا موازاة مع العقوبة المعمول بها في قوانين الفاف.
عقوبة سعودي لا تعني بأنه متورط في القضية، بل كانت بسبب رفضه المثول أمام لجنة الإنضباط للإستماع إلى أقواله كشاهد، رغم أنه كان أول من أصر على كشف خيوط هذه الفضيحة من دون التورط فيها، بعدما زودني بالتسجيل الصوتي، و قد صرحت بذلك أمام الفاف، لكن هناك نص قانوني يعاقب كل عضو يرفض الإمتثال أمام لجنة الإنضباط، وعليه فإنه وإلى غاية إثبات العكس تبقى إدارة «النهد» بعيدة عن شبهة الضلوع في محاولة الرشوة، و سقوط الفريق أمر جد مستبعد بالنظر إلى نتائج التحقيق الإبتدائي.
إن لجوئنا إلى التستر على التعيينات في الجولات الحاسمة من الموسم المنصرم خطوة كان المغزى منها حماية الحكام والفرق، لكن ذلك لا يحجب الرؤية عن بعض النقائص التي سجلناها، خاصة في بطولات الهواة، وغياب بعض الحكام عن المباريات كان بسبب عدم تأقلمهم مع هذا النظام، وقضية مباراة أتلتيك القبة وإتحاد سطيف لم تكن مخططا من أي طرف لتحطيم الفريق السطايفي، لأن التحقيق المعمق في الملف كشف بأن سبب غياب طاقم التحكيم يعود إلى تعطل البريد الإلكتروني للحكم بوخالفة، والقوانين واضحة وتحتم على الفريقين تعيين حكم متطوع، لكننا أخذنا العبرة من هذه التجربة، ولو أن فريق إتحاد سطيف كان ضحية هذا الخطأ، حيث ألزمنا الحكام بالرد كتابيا برسالة قصيرة مباشرة بعد كل تعيين يصلهم، مع تكليف عضو من اللجنة بالإتصال بهم هاتفيا للإطمئنان على جاهزية الحكام لإدارة كل المقابلات.
كما قلت فإن الجدوى من التستر على التعيينات هي إبعاد الحكام والفرق عن كل الشبهات، و قد تلقينا الضوء الأخضر من المكتب الفيدرالي لمواصلة العمل بهذه الصيغة طيلة الموسم المقبل في جميع البطولات التي نتكفل بتعيين حكامها، والجديد في هذه القضية يتمثل في الإبقاء على طواقم إحتياطية في كل جهة تحسبا لأي طارئ، لضمان تواجد حكام رسميين في حال غياب الطاقم المعين، لأننا حفظنا الدرس جيدا من تجربة الموسم المنقضي، وغياب 5 طواقم دفعة واحدة حتم علينا أخذ كامل الإحتياطات.
إننا في الوقت الراهن بصدد إعادة هيكلة السلك بعد التشريح الدقيق للوضعية، وكان موسمنا الأول كافيا لتشبيب قائمة الحكام، بإعطاء الفرصة لجيل جديد من الشبان، فضلا عن برمجة الكثير من الإمتحانات للإرتقاء من صف إلى آخر، بعدما كانت الإختبارات النظرية مجمدة لفترة طويلة، الأمر الذي سيمكننا من الحصول على الكم، قبل المرور إلى رحلة البحث عن النوعية، لأن مشروعنا يهدف إلى اختيار أنجب الحكام، وارتفاع عدد الحكام الفيدراليين إلى أزيد من 200 سيزيد من عزيمتنا في مواصلة العمل، وقد خرجنا بالسلك من الهواة إلى شبه الإحتراف تمهيدا للخطوة الموالية، و جديدنا الموسم القادم يتمثل في السعي لتوفير كل الظروف المواتية لحكام النخبة من أجل إدارة المباريات، حيث ستوفر لهم اللجنة سيارات تابعة للفاف تتكفل بنقلهم من مقرات إقامتهم، مع ضمان المبيت على مقربة من أماكن إجراء اللقاءات، فضلا عن حيازة كل حكم على دفتر طبي يرافقه أثناء المقابلات، بعد تنصيب لجنة طبية على مستوى لجنة التحكيم يرأسها الدكتور عزالدين شلال المتخصص في الطب الرياضي، في الوقت الذي سيستفيد فيه الحكام من معدات وتجهيزات متطورة تساعدهم على العمل لكن بالمقابل هناك أمر مهم لا بد من الوقوف عنده.
هذه الإمكانيات التي سخرتها الفاف تلزم الحكم على الإلتزام بميثاق التحكيم، وكل من يخالفه سيتعرض لعقوبات رادعة، وعلى سبيل المثال جلبنا سماعات مزودة بأحدث التقنيات ستوزع على الحكام في أوائل شهر أوت، والحكم أصبح مجبرا على تسجيل كل ما يحدث أثناء اللقاء صوتيا، وذلك بترك السماعة مفتوحة ونقل كل الحديث سواء مع اللاعبين أو المساعدين، لأن شكاوى الفرق بخصوص حالات الطرد، بسبب شتم الرسميين كانت كثيرة الموسم الماضي، والتسجيل الصوتي كفيل بتحديد مسؤولية كل طرف في الحالات الشائكة، كما أننا قررنا تعيين مراقبين من اللجنة للتكفل بمهمة تقديم دروس نظرية في قوانين اللعبة لفرق النخبة بصفة دورية، مع شرح الإشكاليات التي تقع مع الحكام، بالإستعانة بأشرطة الفيديو.
التربص الأول سيكون لحكام النخبة خلال الفترة الممتدة ما بين 02 و 06 أوت، يخصص للإختبارات البدنية، كما سيكون هناك أسبوع تكويني مباشرة بعد نهاية التربص الأول تشرف عليه الفيفا لفائدة 30 حكما جزائريا، من بينهم 14 حائزين على الشارة الدولية إضافة إلى خيرة الحكام في الفترة الراهنة، على أن يكون بعدها الموهذا بعدما خضع جميع الحكام للمعاينة الطبية قبيل رمضان .
كل الأمور سيتم الفصل فيها خلال إجتماع المكتب الفيدرالي لشهر جويلية، حيث سنعرض كل النشاط للمصادقة، على أن يكون الإعلان عن نتائج كل الإمتحانات في بداية أوت، خاصة وأننا أقمنا اختبارات ميدانية تطبيقية لحكام ما قبل فيدراليين وكذا جهويين، إضافة إلى إمتحان نظري لقرابة 200 حكم جهوي، وسياستنا واضحة بإقامة اختبار كتابي من أجل الإلتحاق بمصاف الفيدراليين يوم 19 مارس من كل سنة و آخر في الفاتح ماي للحصول على شارة ما بين الرابطات، وهدفنا زيادة عدد الحكام في أعلى المستويات، بحثا عن الأفضل لتشريف الجزائر دوليا، وقائمة الدوليين ستعرف تعويض المعتزل بيشاري بحكم شاب، كما يبقى إحتمال تعويض حكم رئيسي آخر في اللائحة واردا، و سنة 2017 ستشهد ثورة كبيرة لضمان تواجد الحكام الجزائريين في المونديال و «الكان».
هذا الإقتراح من المحتمل جدا أن يدخل حيز التنفيذ في لقاءات كأس الجمهورية بداية من الدور 32، كوننا سنستمد الخبرة من التجربة الفرنسية بناء على إتفاقية عمل مبرمة بين الطرفين، لكننا مازلنا ننتظر مؤطرين من الإتحاد الفرنسي و كذا خبراء من لجنة التحكيم التابعة للإتحاد الأوروبي بقيادة الإيطالي كولينا للتنقل إلى الجزائر في الأشهر القليلة القادمة للإشراف على عملية رسكلة للحكام بخصوص نظام العمل بهذه التركيبة، على أن نعممها بداية من موسم (2016 /2017) إلى مباريات بطولة الرابطة المحترفة الأولى، في الوقت الذي جلبنا فيه كميات معتبرة من قنينات الرذاذ التي سيستعملها الحكام بداية الموسم المقبل.
تلك مجرد إشاعات، لأنني جددت الثقة في الطاقم الذي عمل معي بثقة كبيرة الموسم الماضي، ودعمنا التركيبة بالحكم المعتزل بيشاري، في حين أن الجديد يتمثل في هيكلة اللجنة بتعيين مديريات فرعية واحدة مكلفة بالجانب الطبي و أخرى بمتابعة سفريات الحكام، تنقلاتهم و الحجز في الفنادق، و ثالثة مهمتها الحرص على تسديد المستحقات، فضلا عن تشكيل لجان خاصة بكرة القدم النسوية و أخرى بكرة القدم داخل القاعة.
بالنسبة لي قضية حيمودي أخذت بعدا إعلاميا أكثر من حجمها، و قد تهجم على شخصي، لكنني طويت الصفحة، لأن سياستنا واضحة، و ذلك بفتح الأبواب أمام كل من هو قادر على تقديم الإضافة للسلك، حيث أدرج ضمن قائمة المراقبين، على إعتبار أننا نفضنا غبار النسيان عن الكثير من الوجوه التي قدمت الكثير للصفارة الجزائرية، و خبرتها ستكون في مراقبة الحكام أثناء المباريات، وحيمودي سيكون واحدا من المراقبين، من دون تقلده أي منصب في اللجنة.
تزامنا مع التأهب لبداية الموسم الجديد فإن رسالتي إلى الحكام تكون بعبارات شديدة اللهجة، بالحرص على العمل الميداني الجاد والابتعاد عن كل الشبهات، لأن صورة المجتمع للحكم في الجزائر مشوهة، كما أؤكد لكل من أزعجته بتواجدي في هذا المنصب بأنني لست بيطريا كما زعم البعض في «الفايسبوك»، بل أنا طبيب عام جئت إلى التحكيم لتطهيره من الفساد، حاملا برنامج عمل طموح، والثمار الميدانية ستكون بعد سنتين، بدخول مرحلة الاحتراف الفعلي.
ص /ف