أثبت المنتخب الوطني علو كعبه، وبلوغه درجة «العالمية»، من خلال المستوى الذي قدمه في المباراة الودية التي جمعته سهرة أول أمس، بنظيره المكسيكي بمدينة لاهاي الهولندية، لأن الخضر ضربوا في هذا الموعد، عدة عصافير بحجر واحد، وذلك بتوجيه رسالة واضحة المضمون إلى كل المتتبعين، أكدوا فيها على أن منتخب «طبعة بلماضي» يمتلك شخصية قوية، يتمكن بفضلها من مواجهة أقوى المنتخبات على الصعيد العالمي، دون أي عقدة أو مركب نقص، والكتيبة الحالية تجاوزت بمستواها حدود تسيّد القارة السمراء، وأصبحت تنظر إلى أعلى المستويات، الأمر الذي يكفي برفع عارضة الطموحات عاليا، والمراهنة على أهداف «تاريخية» في المونديال، انطلاقا من النسخة القادمة المقررة بعد نحو سنتين بقطر.
نجاح النخبة الوطنية في تفادي الهزيمة لم يكن من باب الصدفة، بل أن «فيزيونومية» اللعب أثبتت بأن الخضر، كانوا قادرين على الإطاحة بمنتخب المكسيك، وإلحاقه بقائمة ضحايا الانتفاضة الكبيرة للكرة الجزائرية، وذلك بفضل إستراتيجية اللعب التي اعتمدها بلماضي، والمبنية بالأساس على الروح الجماعية، لأن هذا العامل يبقى «السلاح» التي أصبحت أكبر القوى الكروية العالمية، عاجزة عن الصمود أمامه وفك شفرته، على اختلاف الأنماط والأساليب المنتهجة من طرف المنافسين، بدليل أن المنتخب الوطني واجه هذه المرة منافسا من المنطقة «اللاتينية»، يمثل القوة الضاربة في إقليم «الكونكاكاف»، ودخل هذه المباراة بثوب بطل قارته، لكن ذلك لم يكن كافيا لترك أبسط الآثار على «توازن» النخبة الجزائرية، سيما وأن بلماضي عمد إلى المراهنة على نسبة كبيرة من التشكيلة الأساسية المعتادة، والتي كانت قد صنعت المجد، وانتزعت اللقب الإفريقي بالأراضي المصرية، وذلك بإعادة ستة ركائز كانت قد وضعت خارج نطاق الخدمة في الودية الأولى أمام نيجيريا، في صورة الحارس مبولحي، وثلاثي وسط الميدان قديورة، بن ناصر وفغولي، إضافة إلى بونجاح وبراهيمي في الهجوم، مقابل احتفاظه بنفس تركيبة الخط الدفاعي، المتشكل من الرباعي حلايمية، بن سبعيني، تاهرات وماندي، فضلا عن القائد وصانع الألعاب محرز، الذي أصبح تواجده كأساسي أمر لا نقاش فيه.
عودة بلماضي إلى الخيارات، التي اعتاد عليها في «كان 2019»، لا تنقص من قيمة وإمكانيات باقي العناصر، التي كانت قد قدمت مردودا مميزا أمام نيجيريا، لكن «فلسفة» الناخب الوطني تدفعه دوما إلى السعي، للمحافظة على توازن واستقرار المجموعة، والذي تكون ثمرته كسب التشكيلة شخصية قوية، ترتكز مقوماتها على الروح الجماعية، والتلاحم الكبير بين اللاعبين، وهذا المكسب أخرج الخضر من دائرة الظل إلى الأضواء بلمسة واضحة، من التقني المحنك بلماضي، في عمل امتد على مدار 26 شهرا، تمكن بفضله المنتخب من تحقيق قفزة عملاقة من جميع الجوانب، لتتحول رحلة البحث عن مكانة ضمن كبار القارة السمراء إلى مشروع كروي «عالمي»، ارتسمت التصاميم الأولى لمخططاته ميدانيا، بالنجاح في «مقارنة» أكبر وأقوى المنتخبات على الصعيد العالمي، ومن مختلف القارات، والخلاصة التي خرج بها المتتبعون من مواجهة المكسيك، والتي حملت في طياتها الكثير من مؤشرات التفاؤل بمستقبل الكرة الجزائرية، جاءت امتدادا لتلك التي صنعها «كومندوس» بلماضي قبل أزيد من سنة بالأراضي المصرية، ثم جاء التأكيد الميداني بمدينة ليل الفرنسية في أكتوبر 2019، في ليلة «الأحلام» التي تلقى فيها العملاق الكولومبي، درسا في كرة القدم بلمسات سحرية جزائرية.
ولئن تغير المنافسون على اختلاف طرق لعبهم، فإن أداء المنتخب الوطني أصبح ثابتا، رغم أن بلماضي يعمد إلى انتهاج خطط تراعي أسلوب المنافس ونقاط قوته وضعفه، لكن الشيء المميز أن الخضر يترك في كل مباراة يخوضها بصمات الشخصية القوية التي يمتلكها، وذلك بإظهار الروح الجماعية التي يستمد منها قوته، وهو أهم سلاح استعمله الناخب الوطني لتشكيل «كتيبة» ارتقت إلى درجة «العالمية»، وأصبحت تقارع منتخبات من «التوب 10» في لائحة التصنيف الشهري للفيفا، ونجاح المكسيك في تفادي الهزيمة في اللحظات الأخيرة، لم يقلل من قيمة المنتخب الوطني، الذي بات يزاوج بين الأداء والنتيجة في كل خرجاته، سواء الرسمية منها أو الودية، لأن الجدية تبقى «الشعار» الوحيد الذي يرفعه بلماضي.
ص / فرطــاس