نادرا ما تجد لاعبا يجمع بين الرياضة والسياسة، لأن المجالين خطان متوازيان لا يلتقيان إلا في حالات نادرة، لكن أيقونة الكرة الجزائرية والسطايفية الدراجي بن جاب الله تمكن من ذلك.فلاعب الأمس في صفوف الوفاق، تقمص ألوان الحزب العتيد وانتخب في المجلس الشعبي لبلدية سطيف لعهدة كاملة من 2002 إلى 2007.
خلال حوار للنصر خرج أحد صانعي أفراح السطايفية سنوات الثمانينات والمنتخب الوطني أواسط في مونديال 1979 عن المألوف، وصرّح بأن الرياضة والوفاق نصباه ملكا في سطيف، لكن فاجأنا بالقول بأن ولوجه عالم السياسة حرمه من عائلته التي أهملها، استنزف ثروته وضيّع تجارته، كما جعله يقف ضد أقرب الناس إليه، ومع ذلك رفض وصفها بالتجربة الفاشلة، بل يرى بأنها كانت درسا قاس.
أنا أحضّر للحصول على شهادة «كاف 3» للإشراف على فرق النخبة أو الفئات الصغرى، كما أنني مقترح للإشراف على تدريب إحدى الفئات الشبانية للوفاق.
أنا متتبع لمجريات البطولة، وأثمن القفزة النوعية التي حققها الوفاق، وتتويجاته الكثيرة، خصوصا كأس إفريقيا ومشاركته في كأس العالم للأندية.
كان رائعا بكل المقاييس. لا يمكن أن أعبر عنه في كلمات. باختصار قضيت أحسن فترة في حياتي معه، وتوجت بالألقاب التي يتمناها كل لاعب، أهمها كأس إفريقيا والكأس الآفرو- آسياوية والبطولة والكأس.
احترفت سنة 86 في فريق كورباي الباريسي بفرنسا، ورغبت في تجديد عقدي معه، وعدت لتمضية رمضان فقط في سطيف، لكن المسير الإداري للوفاق آنذاك ورئيسي في العمل بوزيدي، رفض تمديد إحالتي على الاستيداع ووعدني بشقة وسيارة والألقاب، في حين كان الوفاق بعيدا عن ذلك، بقيت وكانت لي سنوات مجدي معه.
أتأسف لحال هذا الفريق العريق، وأتمنى أن يصل إلى مصاف الفرق الكبرى.
كان الجميع في الوفاق كعائلة واحدة، وضم العديد من الأشقاء، وبالتالي كان الاحترام المتبادل.
أرى بأن الأموال أحدثت الفارق. جيلنا كان يلعب على الألوان وحاليا على الأموال. كنا نحفز بتشجيع بسيط أو هدايا بسيطة، مثلا سقط الوفاق سنة 87 بسبب المعاملة الجافة من الجميع، ولولا الوالي الذي منحنا سكنات اجتماعية وقتها، لكن الجيل الحالي لا ينتظر تكريم، لأنه يرى أن أحسن تكريم أو التفاته دفع مرتباته الشهرية وأنا أؤيدهم مطلقا.
مطلقا. من يقول بأنها ضعيفة لا يفقه في أمور الكرة، أو يرغب في استصغار تتويج الوفاق. صحيح أنها تشترك في بعض نقاط الغرابة لكنها قوية.
مولودية العلمة فريق قوي وأسقط نفسه بنفسه. كان عليه تفادي تعادل الساورة والفوز على الموب، ودليل قوته مشاركته في المنافسة الإفريقية.
أتكهن بعودتها سريعا، لأنها تحضر حاليا للبطولة بمباريات كأس إفريقيا أفضل من بقية الفرق، كما بإمكانها تقديم وجه طيب في المنافسة الإفريقية على الرغم من قوة المجموعة.
لقد تمكنت من تسجيل هدف التأهل إلى الدور نصف النهائي أمام إسبانيا، والتي كانت مزيجا بين لاعبي ريال مدريد وبرشلونة، وأقصينا على يد الأرجنتين بأرمادة بقيادة مارادونا.
لم تتمكن الجزائر من التأهل مجددا لمونديال الشبان، بسبب التهميش المتعمد للاعبين القدامى، وتفضيل أصحاب الشهادات الجامعية والمعاهد، بدل الاعتماد على مزيج بينهما، مثل ما يحدث في الفرق الأوربية الحديثة. مؤسف أن نجد حاليا رؤساء لا يفقهون في كرة القدم سوى «بكم؟» (السعر)، أو أناس يشرعون قوانين على المقاس ضد اللاعبين القدامى. بإمكاني الحكم على نتيجة المباراة في الدقائق العشر الأولى، ما يعجز عنه خريجو المعاهد والجامعات.
هذا حدث سريعا، اقترح علي رحماني حمادي عضو قسمة الأفلان سنة 1999 الانضمام، كنت تاجرا أموّل الشرق الجزائري بالجملة بالملابس الرياضية، وربطت علاقات كثيرة، جسدت الخطوة فعليا سنة 2001 وقت كان حامدي بلباشا أمينا للقسمة، ليتم ترشيحي في قائمة المجالس الشعبية البلدية، ورتبت في المرتبة السادسة لعهدة (2002-2007)، ناضلت بالمال والوقت، وغطيت وقتها العديد من مصاريف القسمة.
أخطأت حين اقتحمت عالم السياسة مباشرة دون تكوين. وقد ترتب عن ذلك عدة أمور سلبية، حيث ضيعت تجارتي وأموالي وعائلتي. فبدل أن أقبل بمنصب عضو فقط أقلبت على المسؤولية، عينت في لجنة الرياضة برئاسة «المير» الحالي وهراني نصر الدين خلال سنتين، ثم كنائب مكلف بالممتلكات في الثلاث سنوات المتبقية. اكتفيت بتقاضي راتب زهيد قدره 15000 دج بعد أن كانت تجارتي تدر علي مالا وفيرا. قررت التفرغ للسياسية وخدمة المجتمع مقابل إهمال عائلتي، تسببت في عدم متابعة دراسة ابني وابنتي مهدي وفريال، اللذين توقفا عن الدراسة في الثالثة ثانوي.
بدون تفكير كنت من مناصري الرئيس بوتفليقة، الذي أقتدي به منذ كان على رأس وزارة الخارجية كأصغر وزير شاب، كان جنبا إلى جنب مع الرئيس الراحل بومدين. اخترته أيضا كرجل مصالحة وقادر على تقديم الإضافة للجزائر، لكن هذا الاختيار كانت عواقبه وخيمة على مشواري السياسي، وأطالب برد الاعتبار.
لقد تم تهميشي رفقة عدد كبير من إطارات الحزب، رغم تفضيلهم خيار بوتفليقة، لأن الخصوم رغم تقهقرهم بعد فوز الرئيس بوتفليقة في الانتخابات الرئاسية لسنة 2004، ، إلا أنهم عادوا بقوة.
نصّبت خلال هذه الفترة كنائب مكلف بالممتلكات، لكن مع نهاية العهدة الانتخابية والإعداد للانتخابات المحلية لسنة 2007، وجدنا بأن الخصوم عادوا بقوة إلى دواليب وهياكل الحزب، وأبعدونا من القوائم ورميت ملفاتنا في سلة المهملات.
كما أضيف بأنني ترشحت لعضوية مكتب المحافظة، لكن رفض طلبي و أنا الذي كنت أعتقد بأن المجموعة ستزكيني لأنني قدمت خدمات كثيرة للحزب؟! بالمناسبة أساند عمار سعداني لأنه صفى الآفلان من الانتهازيين.
لا واصلت النضال لكنني كنت غاضبا ومستاء. كلفني الحزب بعدها بإدارة حملة بوتفليقة ببلدية سطيف سنة 2009، أشرفت على تأطير 400 مكتب انتخاب، تعبت كثيرا وأدرت الحملة بنجاح، بدليل تلقيت تهاني من طرف مدير الحملة الوطنية السيد سلال، لكن لم يقابل ذلك اعتراف من الحزب، وقررت تغيير الوجهة السياسية إلى حزب التجمع الوطني الديمقراطي، الذي كان ضمن الائتلاف الرئاسي سنة 2010، وقررت خوض الانتخابات المحلية مع «الأرندي» سنة 2012، وقد تلقيت وعودا بترتيبي ضمن الخمسة الأوائل، لكن في الأخير رتبت في المرتبة 19، رغم ذلك قمت بالحملة الانتخابية معهم، وتحصل الحزب على 4 مقاعد فقط، لأنسحب مباشرة بعدها وأركن للراحة سياسيا وأتفرغ لعائلتي وتجارتي من جديد.
قمت بتأجير محل تجاري وبعث نشاط بيع الملابس الرياضية، لكن كان الوقت قد فات، حيث تغيرت الأمور وطرأت مستجدات، من خلال تعزيز مجال التجارة الحرة وسوق الاستيراد، وانتشار محلات شارع دبي، فسرعان ما أغلقت المحل لأنني لم أتمكن من تسديد مستحقات الإيجار، درّبت بعض الفرق الصغرى لكنها كانت بدون طموح ثم قررت الابتعاد قليلا.
الحمد لله، رغم أنني تضررت كثيرا خلال فترة توقفي عن التجارة، واكتفائي بالراتب الشهري المتواضع في البلدية. خلال تلك الفترة بعت كل شيء لضمان العيش لأبنائي، حتى أنني دخلت إلى البلدية بسيارة فاخرة من نوع «بي.أم.دبليو» لكنني خرجت بكلاكيت.
رفضت أن أمد يدي للرشوة والحرام.. لكنني تحصلت على محبة وتقدير الناس. لم أجد مشكلا في تحصيل قوتي، فالوفاق جعلني ملكا في سطيف، بالأموال كنت أتسوق وبدونها كنت أتسوق أيضا، كان بإمكاني أن أعيش بالمجان في سطيف التي أشكر تجّارها.
رغم أنني كنت محبوبا إلا أنها زادت من احترامي من طرف الناس البسطاء. حرمتني من أقرب الناس الذين كنت أتبادل معهم الاحترام لما كنت رياضيا. للأسف السياسة والأفكار الإيديولوجية التي يتبعها كل حزب جعلتني أصطدم بهم. أحيانا طموحاتنا تجعلنا نتصادم مع بعض المقربين منا، وميزة الرياضة أنها تجمعك بكل الناس من مختلف الأطياف والتوجهات.
أفضل الرياضة بطبيعة الحال وأنا عائد إليها بقوة، رغم أن السياسة خسرت فيها ماديا لكن تجربتها كانت مفيدة لي شخصيا، لأنني اقتربت من مواطني سطيف، وساهمت في حل بعض مشاكلهم. تعلمت الفصاحة فيها والإدلاء بآرائي بحرية، بعد أن كنت لاعبا يدلي بتصريحات مقتضبة حول المباريات والتعليق عليها فقط.
أتذكر حادثة بقيت محفورة في ذاكرتي. أولئك الأشخاص الذين ساعدتهم والعائلات التي أنقذتها من الضياع، كما يحضرني موقف وقع مع الوالي الأسبق لسطيف نورالدين بدوي، طالبته خلال جلسة عمل بإزالة مركز العبور المتواجد بحي «الكومباطا» منذ الحقبة الاستعمارية، وتعيش به مئات العائلات في ظروف مؤسفة ونحن ننعم بالاستقلال. قام الوالي بإزالته وأرسل ليعلمني بذلك، حيث تضمنت مراسلته ما يلي: «اذهبوا وقولوا للرياضي بن جاب الله الدراجي بأنني أزلت مركز العبور».
لم أركن للراحة ما أزال نشطا وحيويا. حاليا أسهر على متابعة تعليم ابني التوأم أصيل وأصلان، وأسهر على تعليمهما. هما متفوقان وتحصلا على معدل 14/20 يجتازان البيام الموسم المقبل، ويمارسان كرة القدم في صنف الأصاغر بوفاق سطيف. لن أكرر خطئي مع شقيقيهما الوسطيين، في حين اطمأنيت على ابنتي الكبرى نجاح التي تعمل كأخصائية في تصحيح النطق والتعبير اللغوي.
- أنا مع هذه الفكرة وأنتظر تحركات شخصية رياضية معروفة في سطيف (رفض ذكر الاسم)، من أجل لم الشمل وتوحيد الصف والتفكير في مستقبلنا وخدمة مصالحنا.
بدون تفكير أقول أسوأ ذكرى سقوط الوفاق سنة 87، وأحسن ذكرى تتويجاتي الكثيرة مع الوفاق.
فرحة الدراجي بن جاب الله بعد تسجيله هدف الفوز أمام إسبانيا في مونديال الأواسط بطوكيو 1979
بحاجة إلى تطور.
اكتشاف.
نصّبني ملكا.
محقورون.
عظماء التدريب في الجزائر.
كما قال الساسي حاوزماني لم تنصفه الجغرافيا!
أشكركم وكل قراء جريدة النصر على إتاحتي الفرصة، لتأريخ ذكرياتي وكتباتها للأجيال المقبلة.