تصدّر وفاق سطيف المشهد في العشرية الأخيرة، التي عرفت دخول كرة القدم الجزائرية عالم الاحتراف، من خلال عدد الألقاب المحرزة في شتى المنافسات سواء المحلية أو القارية.
ونجح النادي السطايفي في الظفر بعدة ألقاب محلية وقارية، حيث يبقى صاحب الرقم القياسي في عهد الاحتراف في عدد الألقاب المحققة، فيما يتصدر فريقا شباب قسنطينة ومولودية الجزائر المشهد بالمقلوب، بفعل تحطيم أرقام كثرة التغييرات على مستوى الإدارات.
ونجح الوفاق في العشر سنوات الأخيرة، في الظفر بثمانية ألقاب كاملة، منها أربع بطولات محلية، وكان ذلك موسم «2011-2012» و»2012-2013» و»2015-2016» و»2016-2017»، إلى جانب التتويج برابطة أبطال إفريقيا في «النسخة المعدلة» الجديدة في موسم «2014 – 2015»، والكأس السوبر الإفريقي عام 2015، وكأس الجزائر في سنة 2012، والكأس الممتازة سنة 2017، ليبقى موسم «2014-2015» استثنائي، بالنسبة لأبناء مدينة عين الفوارة، خاصة وأنهم توجوا بثلاثية تاريخية، بعد الفوز بلقب البطولة ورابطة الأبطال والسوبر الإفريقي.
عدم الاستقرار ميزة جل الأندية
تعتبر الميزة الأهم، المسجلة على الأندية الجزائرية الناشطة في الرابطة المحترفة، انعدام الاستقرار على مستوى الإدارة، في غياب مشروع رياضي واضح، والتفكير على المديين المتوسط والبعيد، حيث يبقى الرؤساء رهينة النتائج، وهي التي تحدد مستقبلهم سواء بالبقاء أو المغادرة، مثلما هو الحال بالنسبة للمدربين، ولو أن رؤساء الأندية، ونقصد بذلك رؤساء مجلس الإدارة بالنسبة للشركات الرياضية المحترفة، خاصة بعد القوانين الجديدة المعمول بها على مستوى كل الفرق الناشطة في الرابطة الأولى، بناء على قرار لجنة مراقبة التسيير الرياضي التي يرأسها عبدوش، والتي تلزم كل الأندية بإكمال ملفات الحصول على إجازة نادي المحترف، فإن المسؤولين يظلون بين مطرقة النتائج الإيجابية وسندان ضغط الأنصار، الذين يطالبون بالنتائج الآنية.
وإضافة إلى عدم الاستقرار، فإن غالبية الأندية تفتقد لثقافة التسيير الاحترافي، بدليل ما شهدناه في الأيام القليلة الماضية، بسبب قضية احترازات نادي بارادو ضد شبيبة الساورة، والخطأ الذي وقع فيه نسور الجنوب، بإشراك المدافع مداحي المعاقب أوتوماتيكيا، بعد تراكم أربع إنذارات، ما يجبر الفرق على مراجعة حساباتهم والبحث عن كيفية تقوية الجانب الإداري، من خلال الاستعانة بأهل الاختصاص، ولما لا تكوين شبان جدد مؤهلين لهذا المنصب، ويملكون الشهادات العليا.
شباب قسنطينة ومولودية الجزائر حطما كل الأرقام
يعتبر فريقا شباب قسنطينة ومولودية الجزائر الأكثر استهلاكا وتغييرا للإدارات في عهد الاحتراف، خاصة وأن الفريقين يملكان قاعدة جماهيرية كبيرة، كما أن ملاك الشركة الرياضية لكل فريق، يضطرون في كثير من الأحيان إلى الخضوع لضغط الأنصار المطالبين بالتغيير على مستوى التسيير، حيث وصل الحد على مستوى شباب قسنطينة إلى تغيير أكثر من 14 إدارة منذ قدوم شركة طاسيلي للطيران وبعدها شركة الآبار، حيث كانت البداية مع إدارة فرصادو وبوالحبيب، وأعقبتها عدة إدارات من بينها مكرود الذي لم يعمر طويلا، وبن طوبال أكثر من عام في منصب المدير العام وحداد وسويسي وبوديدة، ثم تغيير الهيكل الإداري من خلال إلغاء منصب المدير العام، والاكتفاء بمناجير مثلما حدث مع عرامة الذي قاد الفريق إلى التتويج بلقب البطولة ويعتبر أكثر من عمر مع الشباب في هذا المنصب مع الشركة المالكة.
كما يعيش فريق مولودية الجزائر نفس الأجواء، بفعل كثرة التغييرات على مستوى الإدارة، التي تعاقب عليها عدة أسماء من بينها عمر غريب وقاسي السعيد وبطروني وصخري، وصولا إلى رئيس مجلس الإدارة الحالي ألماس.
ويوجد قاسم مشترك بين شباب قسنطينة ومولودية الجزائر، يتمثل في قلة التتويجات في عهد الاحتراف، حيث نجح السنافر في الظفر بلقب وحيد للبطولة كان ذلك موسم «2017-2018»، وأما بالنسبة لمولودية الجزائر فقد تمكن من الفوز بكأس الجزائر، في مناسبتين موسمي «2013-2014»و»2015-2016».
الساورة تصنع الاستثناء مع زرواطي
تصنع شبيبة الساورة الاستثناء في البطولة المحترفة، بالنظر إلى الاستقرار الكبير الموجود على مستوى هيكلها الإداري، في وجود الرئيس المؤسس للنادي محمد زرواطي على رأس الفريق إلى غاية الآن، بعد أن تم تعيينه من جديد لقيادة نسور الجنوب خلفا لحمليلي، رغم بقاء الأخير دائما في محيط النادي.
ويدرك أنصار الشبيبة جيدا أنه حتى في فترة حمليلي، فإن زرواطي كان يعتبر الآمر الناهي في النادي، وهو الذي يبحث عن كتابة التاريخ هذا الموسم، من خلال التتويج لأول مرة بلقب بطولة الرابطة المحترفة، ولما لا تكرار سيناريو شباب بني ثور، الذي أهدى أندية الجنوب أول لقب في تاريخها عندما نال رفقاء القائد حسان غولة آنذاك، كأس الجزائر طبعة «1999-2000».
واللافت للانتباه، هو أن شبيبة الساورة رغم أنها من بين الأندية التي تدعمت بشركة عمومية، لكنها حافظت على نفس التقاليد في التسيير، وهذا راجع إلى الثقة الكبيرة، التي يضعها الأنصار في الرئيس محمد زرواطي، بدليل أنه بعد انسحابه من النادي لفترة قصيرة، تحرك أعيان المدينة، وسارعوا لإقناعه بالعدول عن قراره، خاصة وأنهم يعتبرونه الشخصية القادرة، على قيادة الساورة نحو منصات التتويج.
عليق وسرار توّجا مع فريقين مختلفين
حاد كل من السعيد عليق وعبد الحكيم سرار عن القاعدة، من خلال نجاحهما في التتويج مع ناديين مختلفين، حيث تمكن السعيد عليق من قيادة شباب بلوزداد نحو الظفر بكأس الجزائر طبعة «2018-2019»، وقبلها توج مع اتحاد العاصمة، والحال كذلك بالنسبة لعبد الحكيم سرار، الذي نجح في رهانه مع اتحاد العاصمة، وفاز بلقب البطولة موسم «2018-2019»، وقبلها قاد الفريق الذي ترعرع معه وتقمص ألوانه لعدة سنوات وفاق سطيف للظفر بعدة ألقاب، قبل العودة للعمل مع رئيس مجلس الإدارة الحالي لافي، على أمل النجاح في التتويج بأحد الألقاب هذا الموسم، سواء لقب البطولة، بالنظر إلى المشوار المقدم من طرف أشبال الكوكي، وحتى منافسة كأس الكونفدرالية الإفريقية، التي يوجد فيها رفقاء القائد جحنيط في دور المجموعات.
الأندية بعيدة عن الاستثمارات وبارادو مثال يقتدى به
تفتقد غالبية الأندية الجزائرية إلى ثقافة الاستثمار في المجال الرياضي، من خلال وضع إستراتيجية واضحة المعالم، والبحث عن كيفية كسب الأموال، والمضي قدما بالنادي نحو الأمام، بما يمكن من النجاح في التسيير بعيدا عن إعانات السلطات المحلية.
ويبقى فريق بارادو صانع الاستثناء، ويراه أهل الاختصاص مثالا يمكن الاقتداء به، من أجل البحث عن جني الأموال، سيما في ظل توفر المادة الخام، والتي نعني بها المواهب الشابة الصاعدة، كيف لا ومدربين أجنبيين عملوا في الجزائر وحتى أطر جزائرية، تعمل في الخارج تؤكد على أن اللاعب الجزائري موهوب بالفطرة، وينقصه فقط العناية والرعاية والتكوين، سيما على مستوى الشق التكتيكي والبدني من أجل صقل موهبته، والبحث عن كيفية بيعه لأحد الأندية الخارجية.
ونجح فريق بارادو في السنوات الأخيرة من كسب أموالا كبيرة نظير تسويق لاعبين إلى أوروبا، في صورة كل من رامي بن سبعيني ويوسف عطال وهشام بودواي، وكان لنجاح الأسماء السالفة الذكر في تجاربها، الأثر الإيجابي، حيث أصبحت أكاديمية بارادو تملك سمعة طيبة، ما جعل لاعبيها يحظون باهتمام ومتابعة الفرق في الخارج، مثلما هو الحال بالنسبة للمتألق في الوقت الراهن، قادري واللاعب الدولي زرقان.
اللاعبون القدامى يفضلون العودة عبر التسيير
يفضل العديد من اللاعبين القدامى العودة إلى المجال الرياضي، لكن عبر بوابة التسيير، وليس كمدربين مثلما هو شائع في أغلب الفرق العالمية، وتبقى فقط حالات قليلة بالنسبة للعناصر القديمة، التي تألقت في سماء المستديرة، التي تحبذ قيادة الفرق، مثلما قام بها الظاهرة رونالدو البرازيلي الذي فضل شراء نادي بلد الوليد الإسباني، غير أن الظاهرة الجديدة تتمثل في تعيين لاعبين سابقين، لقيادة الفرق في مناصب مختلفة أغلبها تكون «في منصب مدير رياضي»، لكن الشيء اللافت للانتباه، أن هذا المنصب الحساس في أوروبا، لا يمكن تقلده إلا بعد الحيازة على الشهادات العليا، من خلال التوجه إلى مقاعد الدراسة وحضور تربصات خاصة في هذا المجال، ولكن في الجزائر الكثير من التعيينات تتم بناء على ضغط الأنصار، الذين يطالبون بإسناد المهمة لفلان وعلان.
ويعرف جيل أم درمان عودة قوية على مستوى الساحة الكروية الجزائرية، بدليل تواجد كل من صاحب هدف التأهل إلى مونديال جنوب 2010 عنتر يحي، مديرا رياضيا في اتحاد العاصمة، بعد تجربة كانت له في فرنسا مع عدة أندية في صورة أنجي وأورليون، قبل أن تحط الرحال به في سوسطارة، والحال كذلك بالنسبة للمهاجم ياسين بزاز، الذي تسلم نفس المنصب في شباب قسنطينة، ويطمح للنجاح مع الفريق الذي صنع له إسما وتوج معه بلقب البطولة موسم 2017-2018، كما فضل عديد اللاعبين من نفس الجيل، في صورة مغني ومصباح مواصلة الدراسة على أمل الظفر بمناصب مستقبلا، ولو أن مغني أكد من قبل في حواره مع النصر، عمله حاليا مع مناجيره السابق، أين يبحث عن العصافير النادرة في الجزائر، ويعمل على نقلها إلى أوروبا، عكس ما هو معمول به حاليا، أين يسعى عدة وكلاء أعمال، لتضخيم السوق المحلية باللاعبين المغتربين.
وفي هذا الصدد، ينصح أهل الاختصاص بضرورة مراجعة الكثير من الأمور على مستوى التسيير الرياضي، والبحث عن كيفية مجاراة مستوى الأندية المحترفة، خاصة على مستوى الاستثمار في الميدان الرياضي والبحث عن كيفية كسب الأموال بعيدا عن دعم السلطات، خاصة في الوقت الراهن، مع انعكاسات انتشار الفيروس اللعين.
حمزة.س