أسفرت مخلفات الدور الأول للنسخة السابعة من بطولة إفريقيا للأمم عن رسم معالم جديدة للخارطة الكروية في القارة السمراء، لأن رياح التغيير التي هبت على الساحة الكروية الإفريقية مكنت بعض المنتخبات من الظهور كقوة ضاربة في هذه المنافسة، ليبقى منتخب مدغشقر بمثابة «المفاجأة السارة» لهذه الطبعة، على اعتبار أنه نجح في تحقيق انجاز تاريخي في أول مشاركة له، وذلك بالتأهل بالعلامة الكاملة إلى ربع النهائي، وهو رقم لم يسجله سوى المنتخب الوطني في هذه الدورة، وقد غاب عن منافسات «الشان» منذ طبعة 2011.
التغيير الكلي في معالم الخارطة الكروية القارية، ينطلق من المقارنة مع حصيلة هذه النسخة بسابقتها لطبعة 2020 بالكاميرون، حيث أن المنتخبات الثمانية التي مازالت معنية بتنشيط المنافسة في ربع النهائي لم تشارك سبعة منها في الطبعة السادسة، باستثناء منتخب النيجر الذي كان حاضرا في دورة الكاميرون، إلا أنه ودع المنافسة مبكرا، من دور المجموعات، برصيد نقطتين فقط، بينما غابت باقي المنتخبات التي تجاوزت عقبة الدور الأول في هذه الطبعة عن موعد 2020، وبالتالي فإن المنتخبات الثمانية التي كانت في النسخة الفارطة قد كسبت الرهان في دور المجموعات، ستكون كلها خارج السباق في هذه الدورة، الأمر الذي سيفسح المجال أمام أحد المنتخبات للتتويج باللقب لأول مرة في تاريخه، والرفع من عدد الأبطال في منافسة «الشان» إلى خمسة.
أول نقطة لـ «المرابطون» و مدغشقر تفاجئ
وإذا كان المنتخب الوطني قد حقق الأهم بتقدير ممتاز، بعد التأهل إلى ربع النهائي بالعلامة الكاملة، ودون تلقي أي هدف، فإن المفاجأة فجرها منتخب مدغشقر، الذي صنع الحدث في أول مشاركة له في هذه المنافسة، حيث ضرب بكل الحسابات الأولية عرض الحائط، وتجاوز عقبة كل من غانا والسودان، مع إحرازه فوزا على البساط، مما مكن النخبة الملغاشية من تقاسم «الامتياز» مع الخضر، بالخروج من دور المجموعات بكامل الرصيد، رغم أن كل المعطيات كانت تصنف منتخب مدغشقر في خانة الحلقة الأضعف للمجموعة الثالثة، إلا أن حقيقة الميدان أسقطت كل تلك الحسابات في الماء، فأجبر منتخب السودان على توديع المنافسة مبكرا من أول الأدوار.
وفي سياق متصل، فإن منتخب موريتانيا صنع الحدث بتحقيقه تأهلا تاريخيا إلى ربع النهائي، لأن كتيبة «المرابطين» لم يسبق لها وأن حصدت نقطة في تاريخ مشاركتها في «الشان»، بعد الخروج من الدور الأول في طبعتي 2014 و2018، لكن المعطيات تغيرّت كلية في هذه النسخة، بظهور المنتخب الموريتاني كقوة ضاربة، تجسدت في المواجهة الحاسمة أمام مالي، والتي بصم خلالها المهاجم مامادو سي على هدف الفوز، والذي كان تاريخيا، مادام الانتصار الأول للموريتانيين في بطولة إفريقيا للأمم كان وزنه تأهل إلى ربع النهائي، في ثالث مشاركة في هذه التظاهرة.
وعلى نفس الموجة يتواجد منتخب الموزمبيق، الذي كتب صفحة جديدة مع التاريخ، بتجاوزه عقبة دور المجموعات لأول مرة في تاريخه، بعدما كسبت «الأفاعي السوداء» الرهان، باحتلال المركز الثاني في المجموعة الأولى، بالتعادل مع إثيوبيا، ثم الفوز التاريخي على ليبيا، والذي عبد الطريق إلى ربع النهائي، في ثاني مشاركة للنخبة الموزمبيقية في بطولة إفريقيا للاعبين المحليين، بعدما كانت قد ودعت المنافسة مبكرا في طبعة 2014 بجنوب إفريقيا.
منتخب جديد سيضاف إلى قائمة «الابطال»
بالموازاة مع ذلك فإن المنتخبات الخمسة الأولى التي مازالت معنية بتنشيط لقاءات ربع النهائي، سبق لها وأن تخطت عقبة دور المجموعات، لكن بوضعيات متباينة في الأدوار المتقدمة من المنافسة، ولو أن القاسم المشترك بينها يتمثل بالأساس في عدم قدرة أي منتخب من المنتخبات الثمانية التي تواصل السباق في هذه النسخة على معانقة «التاج» الإفريقي، مما يعني بأن هذه الطبعة ستكشف عن هوية بطل جديد للقارة السمراء، في قائمة يبقى منتخب غانا يصنع فيها الاستثناء، باعتباره الوحيد الذي سبق له بلوغ النهائي، وكان ذلك في مناسبتين، إلا أنه خسر الرهان واكتفى بالمركز الثاني في دورتي 2009 و2014، في حين كانت مشاركته الثالثة كارثية، بالإقصاء من الدور الأول في طبعة 2011، دون الحصول على أي نقطة، ومشوار «النجوم السوداء» في هذه النسخة لم يكن موفقا إلى حد بعيد، خاصة بعد الهزيمة أمام مدغشقر، وهي رابعة مشاركة للمنتخب الغاني في هذه المنافسة.
وتزامن تأهل منتخب غانا إلى ربع النهائي مع عودة منتخبات منطقة غرب إفريقيا بقوة إلى الواجهة، لأن الغانيين عادوا إلى «الشان» بعد غياب عن 3 نسخ متتالية، فضلا عن نجاح منتخب النيجر في التأهل لثاني مرة في تاريخه إلى الدور الثاني، ليرفع منتخبا السنغال وكوت ديفوار من «كوطة» القاعدة الغربية للقارة في ربع النهائي إلى 4 مقاعد، وهو ما يعني بأن هذه المنطقة نجحت في حصد العلامة الكاملة، بنجاح ممثليها الأربعة في تجاوز عقبة دور المجموعات بسلام، خاصة وأن المنتخبين الإيفواري والسنغالي تأهلا سويا عن نفس الفوج، على حساب أوغندا والكونغو الديمقراطية، بعدما عادت «أسود التيرانغا» إلى المنافسة، وفكت عقدة لازمتها لمدة 12 سنة، وظهورها الثالث في «الشان» جاء ليواكب الانجازات الباهرة للمنتخب الأول، والذي يتسيّد القارة باللقب الذي كان قد أحرزه في «كان 2021» بالكاميرون، وكذا تنشيطه ثمن نهائي مونديال قطر 2022، في الوقت الذي تبقي فيه «الفيلة» الإيفوارية تحتفظ بأفضل ذكرياتها في هذه المنافسة من خلال دورة 2016، لما احتلت الصف الثالث، وهي المرة الوحيدة التي تخطى فيه منتخب كوت ديفوار دور المجموعات، مع إقصائه في الدور الأول خلال 3 طبعات أخرى، كانت في سنوات 2009، عندما لم يستغل عامل الأرض، وكذا 2011 و2018.
الخضر تحمل آمال دول شمال القارة
على النقيض من ذلك، فإن حصة منطقة شمال إفريقيا من المقاعد في ربع النهائي تقلصت إلى مقعد واحد، وكان من نصيب المنتخب الوطني، الذي تأهل بالعلامة الكاملة، ليكون خامس مستضيف للدورة يتخطى عقبة الدور الأول، ولو أن مشوار «الخضر» إلى حد الآن يمنحهم أفضلية معنوية للمراهنة على معانقة التاج، باستغلال ورقتي الأرض والجمهور، وكذا مخلفات دور المجموعات، على اعتبار أن تشكيلة بوقرة حصدت ميدانيا 3 انتصارات متتالية، ويتقاسم معها هذا الانجاز منتخب مدغشقر، لكن بإحراز الملغاشيين فوزا على البساط.
قراءة: صالح فرطاس