شهدت النسخة الرابعة لبطولة وطني الهواة، بنظامها الحالي على مستوى فوج الشرق تألق أولمبي أقبو، الذي اتخذ من هذا القسم محطة عبور إلى حضيرة الاحتراف، لأن مغامرته في الرابطة الثانية لم تدم سوى موسما واحدا، واصل من خلاله «ديناميكية» الصعود للموسم الخامس تواليا، ليبلغ قسم «الكبار»، في انجاز لم يختلف كثيرا عن ذلك الذي كان قد حققه الاتحاد السوفي الموسم المنصرم، لما كسب الرهان في المجموعة الشرقية، وهو أمر يجسد الطرح القاضي بأن الصاعدين من قسم ما بين الجهات أصبحوا يتأقلمون بسرعة مع أجواء الوطني الثاني، ومعطيات سباق الصعود هذا الموسم كانت مطابقة لتلك التي كانت الموسم الماضي، بانفصال ضيفين جديدين عن باقي الكوكبة، في حين أن الزبائن التقليديين مازالوا يصارعون من أجل تفادي السقوط، خاصة الفرق التي تسقط من الرابطة المحترفة، لأن إرث الديون المقيّدة على مستوى غرفة المنازعات ظل أكبر عقبة، فكان سقوط مولودية العلمة وجمعية عين مليلة المصير الحتمي، مع نجاة هلال شلغوم العيد واتحاد عنابة في آخر جولة.
قراءة: صالح فرطاس
وعرف الموسم الكروي (2023 / 2024) لبطولة وطني الهواة انطلاقة متذبذبة، بسبب طفو إشكالية عدم تأهيل اللاعبين بالنسبة للفرق التي كانت تتواجد تحت طائلة العقوبة، تنفيذا لقرارات الغرفة الفيدرالية للمنازعات، وهو ما أجبر فرق اتحاد عنابة، مولودية العلمة وجمعية عين مليلة على المراهنة منذ البداية على عناصر شابة، في حين تم تعليق تأهيل المستقدمين الجدد لأندية مولودية قسنطينة، هلال شلغوم العيد واتحاد الحراش بسبب عدم القدرة على التسوية، قبل أن يجد الرئيس الجديد للفاف مخرجا لهذه القضية، باعتماد «بروتوكول التسوية»، الذي بموجبه استفادت الأندية من قرار تأهيل لاعبيها بصفة استثنائية، مع حصول البقية على تراخيص لاستقدام عناصر في «الميركاتو» الشتوي، الأمر الذي انعكس بصورة مباشرة على «ريتم» المنافسة، خاصة في النصف الثاني من الموسم.
«ديناميكية» انتصارات أقبو حسمت أمر الصعود مبكرا
وصنع أولمبي أقبو الحدث على طريقته الخاصة، وذلك بالكشف مبكرا عن النوايا الجادة في تحقيق صعود تاريخي إلى الرابطة المحترفة، رغم أنه افتتح مغامرته في الرابطة الثانية بهزيمة ثقيلة في باتنة على يد «الكاب» بثلاثية، غير أنه تدارك الوضع بسرعة البرق، وسجل سلسلة من الانتصارات المتتالية، مكنته من مراقبة السباق عن كثب، لأن الريادة كانت في الجولات الأولى من نصيب اتحاد خميس الخشنة، لكن سقوطه بالعلمة في الجولة الثامنة أبعده عن سباق الصعود، وفسح المجال لأولمبي أقبو وكذا قطبي ولاية باتنة لمواصلة الصراع على التذكرة المؤدية إلى قسم «النخبة»، ليكون منعرج الصعود في نهاية مرحلة الذهاب، لما ابتعد الأولمبي عن «البوبية» بما يفوق الرصيد النقطي لمقابلتين، وقد أخذ الفارق في الاتساع أكثر، ليبلغ 14 نقطة في منتصف مرحلة الإياب، وعليه فإن هوية البطل اتضحت رسميا قبل 5 جولات من خط النهاية.
«سيناريو» صعود أقبو، لم يختلف كثيرا عن ذلك الذي حققه الاتحاد السوفي في ماي 2023، وذلك باستكمال إجراءات حجز التأشيرة مسبقا، والتخلص من ضغط الجولات الأخيرة من الموسم، كما أن التنافس كان مع فريق صعد بدوره من قسم ما بين الجهات، لأن «السوافة» خاضوا سباقا مع جمعية الخروب، التي كانت حينها قد استعادت مكانتها في الوطني الثاني، بينما كان صراع أقبو مع مولودية باتنة، وهذا بعد خروج «الكاب» من الرواق في النصف الثاني من الموسم، ولو أن بطل هذه الطبعة كسر قاعدة كانت سارية المفعول في المجموعة الشرقية على مدار 4 مواسم متتالية، لأن صاحب اللقب الشتوي في هذا الفوج كان يفشل في مواصلة المشوار بنفس الريتم، ويخسر رهان الصعود في «السبرينت» الأخير، وهو ما حدث مع اتحاد الشاوية، شباب برج منايل وجمعية الخروب، لكن بطل هذه النسخة نجح في المزواجة بين اللقبين «الشرفي» و»الرسمي» وانتزع ورقة الصعود بتقدير ممتاز، لأن كان الأقوى على جميع الأصعدة، بانتزاعه الصدارة في كل المجالات، سواء تعلق الأمر بالترتيب الفرعي داخل أو خارج الديار، وحتى الريادة بأقوى هجوم وأقوى دفاع، ومع ذلك فإن مشوار مولودية باتنة كان ناجحا، لأن الفريق عاد إلى هذا القسم، وكان يعيش على وقع أزمة إدارية، ومع ذلك فإن نتائجه واكبت الطموحات، وفاقت التوقعات.
الزبائن التقليديون أوفياء لعادة مراقبة السباق
وساهمت «الديناميكية» التي فرضها أولمبي أقبو على وقع الانتصارات المتتالية في رسم معالم سباق الصعود مبكرا، لأن باقي المنافسين لم يتمكنوا من مسايرة الريتم السريع لقائد القافلة، رغم تمسك مولودية باتنة بمركز الوصافة، في حين ظل بعض الزبائن التقليديين في هذا القسم أوفياء لعاداتهم، لأن مشكل نقص الامكانيات المادية يبقى المشجب الذي تعلق عليها كل الأطراف فشلها في المراهنة على الصعود، فضلا عن قضية ديون غرفة المنازعات، والتي كان لها تأثير كبير على انطلاقة الموسم، خاصة بالنسبة للفرق التي كانت تنشط في الرابطة المحترفة، وعليه فإن شباب باتنة الذي لم ينهزم طيلة مرحلة الذهاب، وامتاز في تلك الفترة بتماسك جداره الدفاعي فقد التوازن بمجرد تذوقه طعم الهزيمة في الجولة الأولى من الإياب بأقبو، لأن ذلك الانهزام قضى على آمال أنصار «الكاب» في الصعود، كما خرج شباب برج منايل من السباق رغم انطلاقته الموفقة، وحسن التفاوض في السفريات، والأمر ذاته ينطبق على اتحاد خميس الخشنة، بينما حاولت مولودية قسنطينة تدارك انطلاقتها المتعثرة، والتي كانت بالاعتماد على ورقة الشبان كخيار حتمي، غير أن استفاقة الموك كانت جد متأخرة، ولم تمكنها من الاقتراب أكثر من الصدارة، لأن سلسلة الانتصارات المتتالية لأولمبي أقبو بلغت الذروة، بتفاديه الهزيمة على مدار 23 مقابلة متتالية.
«البابية» تستنسخ «سيناريو» انهيار «الكبار»
بالموازاة مع ذلك، فإن مولودية العلمة أثبتت عجزها الكلي عن مواكبة ريتم المنافسة، وتجرعت مرارة السقوط إلى قسم ما بين الجهات، بعد مشوار كارثي، في «سيناريو» جسد عدم قدرة النوادي التي تسقط من الرابطة المحترفة على الصمود في القسم الثاني، والبقاء تحت وطأة الديون العالقة لدى غرفة المنازعات، وهذا المشهد تكرر كثيرا في المواسم الأربعة الأخيرة، لأن العديد من الفرق التي تدحرجت من قسم النخبة واصلت سقوطها الحر إلى قسم ما بين الجهات وحتى الجهوي، في صورة دفاع تاجنانت، الذي رفع الراية البيضاء، وأعلن انسحابه النهائي من المنافسة، وكذا أهلي البرج، شبيبة سكيكدة، سريع غيليزان، اتحاد بلعباس، وداد تلمسان، وهذا الموسم أولمبي المدية. وارتسمت معالم سقوط مولودية العلمة منذ مرحلة الذهاب، لأن الفريق استلم الفانوس الأحمر منذ الجولة 11، وتجمد رصيده عن النقطة العاشرة لفترة طويلة، ليكون أول زبون على متن قطار النزول، خاصة وأن حصاده في النصف الثاني من الموسم لم يتجاوز الرصيد النقطي لمقابلتين.
من جهة أخرى، فقد انقاد وفاق سور الغزلان إلى قسم ما بين الجهات، وعاد من حيث أتى بعد مغامرة لم تدم سوى موسمين، رغم أن «المخطارية» كانت قد دخلت الموسم بقوة، إلا أن موازين القوى انقلبت رأسا على عقب في مرحلة الإياب، بعد تراجع الحصاد النقطي، في وقت سجلت باقي الفرق التي كانت مهددة بالسقوط انتفاضة كبيرة.
«لاصام» تكمل مثلث السقوط في نهاية «دراماتيكية»
على صعيد آخر، فإن جمعية عين مليلة كانت ثالث فريق يغادر الرابطة الثانية إلى قسم ما بين الجهات، بعد نهاية موسم كانت على وقع «سوسبانس» كبير، ولو أن منعرج سقوط «لاصام» كان في «النهائي» الذي جمعها بالضيف اتحاد عنابة في الجولة 27، لأن الجمعية كانت متفوقة إلى غاية الدقيقة (90 +5)، لكن الهدف الذي أمضاه خذير لصالح العنابيين قلب معطيات معادلة السقوط رأسا على عقب، لأنه أخرج أبناء «بونة» من عنق الزجاجة، وعقد بالمقابل من وضعية «لاصام» في حسابات النجاة، مادامت تلك النتيجة قد منحت «الطلبة» أفضلية تقرير مصيرهم بأيديهم، بينما أصبح أبناء «قريون» مجبرون على ورفع شعار «الانتصار والانتظار»، لأن رزنامة الثلث الأخير من المشوار لم تخدمهم، ووضعتهم أمام مباريات كلها «نهائيات»، بالنزول في ضيافة اتحاد الحراش، جمعية الخروب، نادي التلاغمة، هلال شلغوم العيد وأولمبي المقرن، وهي الكوكبة التي أنهت الموسم كأطراف بارزة في المعادلة، كما أن الملفت للانتباه أن تشكيلة عين مليلة ضيعت نقاطا حاسمة في اللحظات الأخيرة من المباريات، وهو «السيناريو» الذي حدث في التلاغمة، وتكرر في شلغوم العيد والمقرن، ليبقى الهدف الذي تلقته داخل القواعد أمام اتحاد عنابة بمثابة نقطة التحول، التي كلفت الفريق خسارة مكانته في الرابطة الثانية.
إلى ذلك، فإن اتحاد عنابة كان من أكبر المستفيدين من انتفاضة مرحلة الإياب، لأنه نجح في تحقيق 6 تعادلات في السفريات الثمانية التي قام بها في النصف الثاني من الموسم، بينما بصم هلال شلغوم العيد على أغلى انتصار له خارج الديار، لأنه انتظر إلى غاية الجولة الأخيرة لتذوق نشوة الفوز بعيدا عن ملعب المظاهرات، وكان ذلك بباتنة، لكنه كان بوزن ضمان البقاء. ص / ف