الحديث إلى المدرب الفلسطيني سعيد حاج منصور ذو شجون. فهو فلسطيني ولد عام النكبة، عاش يتيما ومشردا بعيدا عن الوطن. هو من مهجري عام 48 في رحلته الكثير من الحكايات والمواقف في عالم الساحرة المستديرة. عرفه الجمهور الجزائري من خلال تدريبه عديد الأندية الجزائرية على مدار ربع قرن من العطاء. حاج منصور لمن لا يعرفه هو أيضا شاعر مرهف، لم تمنعه كرة القدم من نظم القصائد، ومن حب الجزائر التي فضل الإقامة بها، والارتباط بجزائرية لم يخف افتخاره بها. عرف خلال محطاته العديد من الأفراح والمسرات، بتتويجات مع اتحاد الشاوية ومولودية وهران واتحاد الحراش، ويعيش اليوم على خط التماس ليس لرغبته في الاعتزال، وإنما لغياب العروض. عشية مباراة الخضر والمنتخب الفلسطيني فتح حاج منصور سجل ذكرياته للنصر.
حاوره: نورالدين - ت
بداية ما تعليقك على الاستقبال الحار الذي حظي به المنتخب الفلسطيني في الجزائر؟
هذا استقبال ثورة لثورة، ثورة الجزائر العظيمة التي حققت الاستقلال تحاول أن ترمي بظلالها على نظيرتها الفلسطينية حتى تتمكن بدورها من أجل تحقيق الاستقلال، الاستقبال الحافل الذي وقفنا عليه نهاية الأسبوع الماضي استقبال ثوار لثوار.
ألا ترى بأن الاستقبال الحافل هو تأكيد لدعم الجزائر المطلق للثورة الفلسطينية؟
الرئيس الراحل هواري بومدين رحمه الله قال كلمته الشهيرة «نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة»، وهي عبارة لا يزال صداها يتردد في أذان الصغار قبل الكبار والثوار، وخروج الجزائريين بهذه الأعداد لاستقبال منتخبنا يسير في هذا الاتجاه.
وما تعليقك على تصريح رئيس الاتحاد الفلسطيني اللواء جبريل الرجوب بأن المنتخب زار عدة بلدان ولم يحظ باستقبال مماثل؟
دليل التزام الشعب الجزائري بالثورة الفلسطينية ومحبته للفلسطينيين ولعدالة قضيتهم.
بعد قضائك أزيد من عقدين في الجزائر هل تؤكد بأن العلاقة بين الشعبين استثنائية وتتعدى حدود الكرة؟
هو أمر تثبته الأحداث، ليس أنا من أحدده بل الواقع والاستقبال العظيم الذي خص به منتخبنا، هو لم يحظ بكل هذا لأنه المنتخب الفلسطيني بل لأنه جزء من الشعب الفلسطيني، والعلاقة تتعدى بكثير كرة القدم، لأنها علاقة كفاح وعلاقة دم.
من خلال طول إقامتك وتجوالك ببلادنا، كيف كان شعورك وشعار الأنصار «فلسطين الشهداء» يدوي مدرجات الملاعب؟
ما في شك أنه خشوع ووقوف بعزة أمام هذا الشعب العظيم الذي حقق أنبل ثورة تحريرية على الأرض، وتدعيمه للثورات وخاصة ثورة الشعب الفلسطيني.
وكيف تعلق على تصريح الرجوب بأن الاتحاد الفلسطيني لا يقبل سوى المدربين الجزائريين والتونسيين للعمل في فلسطين؟
هو نابع عن الثقة التي يضعها في المدربين الجزائريين والشعب الجزائري.
نعود إلى الوراء قليلا، انت أول مدرب فلسطيني وربما الوحيد الذي مارس مهنة التدريب لفترة طويلة في الجزائر كيف تم ذلك؟
أهم نقطة تتمثل في أن حبي للجزائر كان وراء قدومي للعمل بها، فبعد حصولي على شهادة الدكتوراه في ألمانيا كنت أشتغل هناك، لكنني قلت بأن الألمان لديهم ما يكفيهم من التقنيين والمدربين، وبمجرد أن طلب وفاق سطيف خدماتي لبيت الدعوة وتركت فريق اتحاد برلين، وقدمت إلى الجزائر عرفانا وتقديرا مني للجزائر التي تعد من الدول القليلة التي رفعت علمها عاليا في كأس العالم (إسبانيا 1982) كما أن الفوز على ألمانيا منحني فكرة عن سير الكرة الجزائرية في الاتجاه الصحيح.
ابتعدت عن الميادين في الفترة الأخيرة هل هو اعتزال أم استراحة محارب؟
أنا ضحية التعتيم في الفترة الأخيرة وهناك أشخاص عمدوا إلى تهميشي.
كيف تفسر تولي المدرب الجزائري نورالدين ولد علي العارضة الفنية للمنتخب الفلسطيني؟
التقني الجزائري هو عضو في الجهاز الفني يشغل منصب المحضر البدني وليس المسؤول الأول عن العارضة الفنية، والمدرب الأول هو فلسطيني من الضفة الغربية، وبالعودة لسؤالكم فتواجد الأخ ولد علي في المنتخب هو مؤشر على تلاحم الشعبين الفلسطيني والجزائري.
وبالمقابل هل سبق وأن تلقيت عرضا لتدريب المنتخب الفلسطيني ؟
جاءتني عدة عروض من فلسطين لتدريب المنتخب الوطني، لكن إسرائيل لا تسمح لي بدخول الضفة الغربية أو قطاع غزة لأنني من فلسطينيي 48، وإسرائيل تعتقد انه لو سمحت لي بالدخول ستسمح لكل الشعب الفلسطيني الذي هجر في سنة 1948 .
وهل كنت محل اهتمام الفاف في فترة تداولك على الأندية الجزائرية؟
في الفترة الأولى من عملي بالجزائر كنت محط الاهتمام وأحد المرشحين لتدريب الخضر والصحافة كتبت بإسهاب حول هذا الموضوع خلال سنوات 98 و99 و2000 وحتى 2002 لكن للأسف دون أن تتعدى الأمور مرحلة الاهتمام و الترشيحات.
ما هي أفضل ذكرى تحتفظ بها من تدريبك عديد الأندية الجزائرية؟
لا شك أنني احتفظ بعديد الذكريات، فهناك فريق اتحاد الشاوية الذي توجت معه بلقب الدوري الجزائري ومولودية وهران التي قدتها للتتويج بلقب بطولة الأندية العربية وكذا الظفر بلقب البطولة مع اتحاد الحراش، ومن أحسن الذكريات مساهمتي في إنقاذ وفاق سطيف من السقوط، حيث أشرفت عليه وفي رصيده نقطتين بعد سبع جولات وكان ذلك إنجاز يعادل تتويجا بلقب، وهناك عدة فرق اتحاد البليدة وشباب قسنطينة وغيرها فليس ضروريا أن تتوج بلقب لتكون الذكرى طيبة بل أحيانا المحاولة والعمل بتفان وإخلاص يبقى من الذكريات الجميلة، وعموما العمل في الجزائر يبقى وسام شرف على صدر أي شخص يشتغل بهذا البلد الطيب في مجال كرة القدم.
تعد من التقنيين القلائل الذين نجحوا في مهنة التدريب خارج فلسطين، فما سر التألق؟
بداية أنا مارست كرة القدم، ومن حبي لهذه الرياضة تركت مقاعد الدراسة في الجامعة، أين كنت أدرس فيزياء وكيمياء ورياضيات وتوجهت إلى كلية التربية الرياضية، فكنت لاعبا محترفا في الدوري الإماراتي لمدة سنة ودربت هناك، وبعد تمكني من جمع مبلغ من المال سافرت إلى ألمانيا أين تحصلت على ماجستير ودكتوراه في كرة القدم حتى أكون جديرا بالعمل في مجال الكرة، و لحد الآن لا تقام ندوة في ألمانيا وإلا ويتم استدعائي لحضورها وآخر مرة استدعاني نادي بايرن ميونيخ منذ شهرين لحضور ندوة بعنوان اتجاه تطور لعبة كرة القدم، وسافرت إلى هناك وللأسف في كل مرة أكسب معلومات لا أستطيع التعامل معها في الواقع المهني، لأن البعض يعمل على تحطيمك، فهناك صحفي كتب مرة أنني مدرب أمي لا أحسن الكتابة ولا القراءة.
أتذكر منذ سنوات أنك أثرت الانتباه باعتمادك في العمل على وسائل عصرية، لم تكن متداولة في الوسط الكروي.
هي متطلبات كرة القدم في تلك الفترة، والآن هناك متطلبات جديدة من جميع النواحي البدنية المهارية والتكتيكية والتعامل مع الخواص النفسية إضافة إلى العامل الاقتصادي، في البداية لما قدمت إلى الجزائر ووضعت أقراصا على الأرض في الحصص التدريبية، قيل بأنه أحضر صحونا للأكل ووضعها في الملعب، وكرة القدم مثل عدة مجالات أخرى في تطور مستمر، والإنسان يواكب ذلك بالمطالعة والمتابعة والمشاركة في الدورات خاصة العالمية.
من ألمانيا إلى الجزائر ما سر هذا الاختيار؟
أولا لكوننا نحن الفلسطينيون لا نشعر بأن الجزائر وطننا الثاني بل الأول، وذلك منذ الكلمة الخالدة للرئيس الراحل هواري بومدين الذي قال «نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة»، كما أن الجزائر كانت متطورة كرويا، ورغم أنني كنت أعمل بألمانيا إلا أنني قلت لنفسي بأنه يوجد العديد من أمثالي بهذا البلد والمعرفة التي اكتسبتها والعلم الذي حصلته الوطن العربي أحق به، واعتقد أنني قدمت الإضافة بتكويني مدرسة جديدة في تدريب كرة القدم.
المعروف عنك أنك أعطيت الفرصة لعديد اللاعبين ومن هؤلاء مهاجم الخضر العربي هلال سوداني في بداياته مع جمعية الشلف، فكيف تم ذلك؟
وهو أحد أسباب مغادرتي جمعية الشلف لاختلافي مع الرئيس حول سوداني، لقد كان وقتها لاعب إفريقي كلف خزينة الفريق الكثير، هو مهاجم مهاري يملك القدرة على مواجهة مجموعة من المدافعين والتفوق عليهم لكنه لم يكن يتمتع بالفعالية، عكس سوداني الذي كان «ينام» فوق الميدان ولما «يستيقظ» يهز الشباك، وليس سوداني فقط هناك أيضا يسعد بورحلي والعيد خياط وعلي دحلب و سي الطاهر شريف الوزاني، كلهم لاعبون أشرفت عليهم، و حينها كنت كل فريق أدربه يمد المنتخب بثلاثة لاعبين على الأقل، والآن الجزائر كلها لا تملك لاعبا واحدا في المنتخب الوطني.
وكيف تفسر غياب اللاعب المحلي عن المنتخب الوطني؟
نتيجة العمل فغياب اللاعب المحلي عن تعداد الخضر، مؤشر على العمل المنجز في الداخل والذي لا يستطيع أن يوازي العمل الذي قام به اللاعبون خريجو المدارس الأوروبية، بدليل تطور الكرة في القارة العجوز .
وماذا عن تألق المنتخب الوطني في السنوات الأخيرة؟
مما لا شك فيه أن مرد ذلك أساسا للإدارة الحازمة للفيدرالية الجزائرية لكرة القدم بقيادة الرئيس محمد روراوة الذي استطاع أن يجمع المنتوج الجزائري من جميع أنحاء العالم، ليعبر عن حضارة الجزائر وعن شعب الجزائر وتطوره خاصة من الناحية الرياضية، لأن التطور الرياضي يعكس حضارة الشعوب، إضافة إلى العامل الاقتصادي فالعالم يضم 250 مليون شخص يشتغلون في المجال الكروي، والجزائر بفضل عمل الفاف استطاعت تثبيت خطواتها وان تكون من بين أفضل ثلاثين منتخبا في العالم.
هذا الحديث يجرنا للحديث عن فلسفة حاج منصور في عالم المستديرة؟
فلسفتي في الكرة تعتمد على العمل العلمي، فالعمل في مجال الكرة علم قائم بحد ذاته، في حين أن النتائج ليست علوما دقيقة.
إذا أنت مع العلم والتحصيل و الرسكلة لإنجاح مشوار المدربين؟
هذه هي الحياة وعلاوة على ما ذكرت هناك ضرورة مواكبة التطور، لأنه منذ حوالي شهرين كان هناك ندوة في ألمانيا ندوة حول تحديد اتجاه كرة القدم والهدف من معرفة وجهة الكرة ومستقبلها وبعبارة أخرى إلى أين تتجه، التفكير حاليا منصب على المستقبل، حتى سنة 2000 كان أفضل لاعب كرة القدم يقطع مسافة 5 إلى 6 كلم في المباراة، واليوم اللاعب يقطع من13 إلى 15 كلم هذا تطور من الناحية الإستراتيجية والتكتيكية، وأنا في إحدى تحليلاتي لكأس العالم الأخيرة قلت لهم أن الأرجنتين تملك ميسي و نيمار عند البرازيل و روبن عند هولندا و كريستيانو عند البرتغال والألمان عندهم مجموعة، وفلسفة كرة القدم الحديثة لا تقضي بامتلاك 11 ميسي لتشكيل أفضل فريق في العالم، لأن ذلك يتطلب 11 لاعبا يكملون بعضهم وعملية التكامل تحتاج إلى وقت، في العالم كله هناك 7 إلى 8 لاعبين موهوبين والباقي كله صناعة، وعليك إتقان الصناعة بامتلاك المادة العلمية، فالخبرة وحدها لا تكفي.
وهو الاتجاه الذي نلاحظه مع الجيل الجديد من المدربين في صورة غوارديولا وزيدان؟
نعم هؤلاء تعلموا وعرفوا قيمة المهنة، لقد حضروا دورات وعادوا إلى مقاعد الدراسة لامتلاك طرق ووسائل القيام بالتحضير البدني وضبط التكتيك وإستراتيجية اللعب وكيفية الوصول إلى الخواص النفسية للاعب والتعامل معها، وكيفية قراءة نظام لعب المنافس وكيف نكيفه مع متطلبات كرة القدم المستقبلية، لأن حصر التفكير في الحاضر سيجعلنا نتأخر لأن العالم يتقدم بسرعة ولا ينتظر.
بالعودة إلى شخصكم ما سر تسميتك منصور؟
اسمي منصور ولقب العائلة حاج سعيد، أبي استشهد في 48 خلال اشتباك مع العدو، وكانت أمي حاملا بي، وقال أبي لرفاقه في الكفاح لو رزقت ولدا أسميه منصور لنحقق الانتصار في معركتنا، وبعد استشهاده بلغ صديقه والدتي التي عملت بالوصية، حيث ولدت في الطريق عندما كانت أمي بصدد الهروب من العدو في العام 48 منحتني اسم منصور عملا بوصية والدي رحمه الله.
معروف عنك الزواج من جزائرية بعدما كنت متزوجا من ألمانية، فلماذا تعتز بالجزائرية في كل مرة؟
اعترف أن ما تقوله حقيقة، واعتزازي نابع من كون الزوجة الجزائرية والمرأة الجزائرية بشكل عام متفتحة ومخلصة وتتفانى في سبيل أبنائها.
كما يعرف عنك ميولك للشعر فكيف توفق بين الكرة و هواية تنظيم القصائد؟
لا يوجد أي شيء يمنع إنسانية الشخص، لا المهنة تحدد إنسانية الواحد منا ولا الشعر بإمكانه فعل ذلك، فالإنسان خليط، كتلة من التفاعلات الحياتية، إن كان مهنيا أو ذهنيا أو فنيا أو حتى تمتعا بالطبيعة واعتقد أن زيادة وعي الإنسان وزيادة ثقافته تنعكس على مهنته بصورة أفضل.
كيف تعلق على تأكيد الجماهير الجزائرية بأنها ستناصر المنتخبين مساء الأربعاء؟
الهدف مساء الأربعاء لا يتمثل في مباراة كرة قدم، بل إعطاء دفعة معنوية لشعبنا الفلسطيني من خلال انعكاس حضارته على العمل المنجز على كافة المستويات، ولعلمكم فلسطين من أول الدول العربية التي شاركت في تصفيات كأس العالم إلى جانب المنتخب المصري وكان ذلك في ثلاثينيات القرن الماضي، وهو يعكس حضارة وتراث الشعب الفلسطيني الثقافي والإنساني.
وماذا عن الجيل الجديد من اللاعبين الفلسطينيين الذين قادوا المنتخب إلى المشاركة لأول مرة في كأس أمم أسيا ؟
هو انجاز كبير ويدل على حيوية ومدى قدرة الشعب الفلسطيني على التناسب مع العصر والحياة.
وكيف وجدت مستوى المنتخب في دورة أستراليا ؟
المنتخب في بداية خطواته على الطريق السليم، واعتقد أن الرياضة الفلسطينية استطاعت أن تصنع توليفة رائعة جدا لكرة القدم أكدت للعالم أننا شعب موجود على الأرض، وهذا هدف أسمى من كرة القدم.
عشية المباراة الودية بين المنتخبين
(يقاطعنا) لا أشاطرك فيما تقول لأنني اعتقد أنه منتخب واحد يجري مباراة بتشكيلتين.
فما هي كلمتك للجمهور واللاعبين؟
للاعبين الفلسطينيين أتمنى التوفيق وعليهم أخذ التنافس بصورة جدية وعدم التهاون، وعلى لاعبي التشكيلتين بذل قصارى الجهود لتقديم كرة جميلة لإمتاع الجمهور، مع التحلي بالروح الرياضية والتلاحم وبالمناسبة اقترح عدم نزول كل فريق على حدا بل الفريقين معا لاعب من كل منتخب جنبا إلى جنب، على أن يحمل اللاعب الفلسطيني العلم الجزائري ويحمل الجزائري العلم الفلسطيني.
كلمة أخيرة
كل الطرقات شريان لجسدي تحمل فلسطين في القلب.