بلغت درجة أزمة العقار لإنجاز مشاريع تنموية ببلدية تازولت في ولاية باتنة، حد انعدام وعاء عقاري لتشييد مدرسة ابتدائية، بعد أن تشبع مخطط التهيئة والتوسع العمراني وأصبح محاصرا بأراض تصنف إما فلاحية، أو غابية أو أثرية. وتعد تازولت إحدى أقدم المدن الأثرية في الجزائر، حيث تتوفر على مؤهلات تنموية في المجال الثقافي، لما تزخر به من آثار مكتشفة وغير مكتشفة.
وتزخر تازولت بمؤهلات سياحية بغابات ومواقع طبيعية خلابة وهي المؤهلات التي تعد المنفذ الوحيد للنهوض تنمويا، لكنها ما زالت غير مستغلة، فضلا عن منطقة النشاطات الصناعية بذراع بن صباح والتي يرتقب توسعها وإنشاء مؤسسات و وحدات صناعية بها، حتى تعود بالمنفعة على البلدية العاجزة ماليا، حيث لا تكفي مداخيلها البسيطة لسد أجور عمالها سوى لستة أشهر، فيما تسدد ستة أشهر مما تضخه الدولة من إعانات.
إنجاز تجمعات سكنية دون تخصيص أرضيات لمرافق عمومية
ولطالما كانت أزمة العقار ببلدية تازولت تطرح نفسها بشدة على مر العقدين الماضيين وشكلت هاجسا بالنسبة للمجالس المنتخبة المتداولة على البلدية، حيث كان لها الأثر الواضح في عدم تسجيل وتوطين مشاريع تنموية لمرافق عمومية في قطاعات عدة، وقد راحت هذه الأزمة تتفاقم بمرور الزمن، حتى بلغت درجة انعدام وعاء عقاري لإنجاز مدرسة ابتدائية حسبما كشف عنه رئيس البلدية مشاشطي عبد الله في لقاء مع النصر.
وأكد «المير»، أنه ومع استكمال إنجاز المشاريع السكنية الجديدة من مختلف الصيغ المقدرة بنحو 800 وحدة بالجهة العلوية الشرقية، لم يعد بالإمكان توفير أرضية لإنجاز مرافق عمومية خاصة منها التربوية، وقال بأنه مع تسليم 400 سكن من صيغة البيع بالإيجار لوكالة «عدل» وتوزيع مفاتيح 200 سكن اجتماعي إيجاري عمومي، بالإضافة لنحو 200 وحدة من الترقوي والتساهمي، لن تستوعب المؤسسات التعليمية المحيطة بهذه الأحياء السكنية الجديدة، التلاميذ مستقبلا، ما يطرح أزمة اكتظاظ وغياب مؤسسات تعليمية.
واصطدمت بلدية تازولت باستحالة التوسع العمراني بسبب تصنيف الأراضي المدمجة والمحيطة بمخطط التوجيه العمراني، حيث وبعد أن ظلت تنتظر منذ سنة 2005 تطبيق مراجعة مخطط التوجيه الذي يمس بلديات باتنة، فسديس، وادي الشعبة، عيون العصافير، جرمة، وسريانة، بالإضافة لبلدية تازولت، تمت المصادقة في نهاية ديسمبر من سنة 2018 على المراجعة، غير أن بقاء تصنيف أراضي مدمجة ضمن المخطط على أنها فلاحية رغم عدم استغلالها حسب المجلس البلدي، حال دون إمكانية التوسع العمراني.
وأوضح الأمين العام للبلدية، بأن إعادة تصنيف الأراضي الفلاحية يخضع لقرارات مجلس الوزراء المشترك، وأكد في سياق آخر أهمية منطقة النشاطات المستحدثة بإقليم البلدية بمنطقة ذراع بن صباح في توفير مداخيل للخزينة، وقال بأن دخول وحدات صناعية جديدة حيز الخدمة من شأنه أن يعود بالفائدة سواء من حيث المداخيل أو توفير مناصب الشغل لشباب البلدية.
كما تحدث رئيس البلدية من جهته، عن إمكانية استغلال وعاء عقاري في حال التنازل عنه للبلدية، والمتواجد بجوار الثانوية، إلى جانب إزالة مخلفات نشاط تربية الدواجن التي أكد «المير» بأن مصالحه لا تجني منها أي منفعة، موضحا بأن النشاطات التي تقام بالمكان لا تدر مداخيل وباتت مصدر تلويث.
قطع أثرية مهددة بالتلف في متحف لا يستجيب للمعايير
وتعد مدينة تازولت تاريخيا، عاصمة نوميديا قبل نقلها إلى سيرتا، وكانت مدينة عسكرية لفيلق روماني لهذا فهي تحتوي آثارا كثيرة، منها ما يزال بحاجة إلى الاكتشاف على غرار اللوحات الفسيفسائية التي توقفت أشغال استكشافها على جانب الطريق الوطني 31.
وفي سياق متصل يتهدد بعض اللوحات الفسيفسائية والقطع الأثرية التي تعود جلها للحقبة الرومانية بالمتحف القديم بوسط مدينة تازولت، التلف بسبب شروط الحفظ غير الملائمة بالمكان الذي يعد في الأصل عبارة عن مخزن قديم للحبوب، واتُخذ متحفا لتجميع المكتشفات الأثرية غير أن الرطوبة وتسربات المياه يهدد بعض اللوحات والقطع بالتلف، وهو ما يلاحظ بالعين المجردة خلال زيارة المتحف.
وناهيك عن ذلك، فإن المكان لم يعد يسع لتجميع وحفظ ما تكتنزه المنطقة من آثار، وشكل مطلب إنجاز متحف يليق بتاريخ المنطقة مطلبا لمختصين وجمعيات للمجتمع المدني والمواطنين، غير أن الوضع ظل على حاله لسنوات على الرغم من إنجاز متحف بمخرج المدينة والذي يستغل كإدارة ملحقة بديوان لاستغلال وتسيير الممتلكات الثقافية.
وقد أوضح مدير الثقافة للنصر، تقديم مقترح لنقل اللوحات الفسيفسائية إلى مركز المتحف الجديد من أجل الحفاظ عليها، بالنظر إلى الشروط غير الملائمة بالمتحف الحالي الذي كان مخزنا للحبوب خلال الحقبة الاستعمارية الفرنسية، كما أفاد بترقب استئناف نشاط أشغال حفريات بموقع أثري بتازولت هذه السنة بعد أن توقفت لسنوات لأسباب عدة منها جائحة كورونا.
وأوضح مدير الثقافة في حديث مع النصر، بأن التأخر المسجل لسنوات من طرف فرق البحث المختصة المشتركة الجزائرية والفرنسية، لا يعني التوقف لأن العملية عبارة عن مشروع علمي تكويني طويل المدى.
وقال ذات المسؤول، بأن الأشغال ستستأنف من موقع اكتشاف اللوحة الفسيفسائية النمرة التي تعد لوحة نادرة وذات قيمة علمية ودلالة حضارية، وأضاف بأن التنقيب يمثل مشروعا علميا وتكوينيا طويل المدى في إطار شراكة بين كل من مركز الأبحاث الأثرية للجزائر ومركز مختص بفرنسا، وتوقع استئناف الأشغال مجددا هذه السنة، مؤكدا على أهمية الحفر والتنقيب لإبراز ما تسخر به المنطقة من آثار، على غرار اللوحات الفسيفسائية التي تم استكشافها من طرف فرق البحث منها لوحة «القربان الخائب لفركسوس وهيلي» ولوحة النمرة التي تعرضت إلى تخريب طال جزءا منها وسط ظروف غامضة.
ويهدف المشروع حسب مدير الثقافة، إضافة إلى التنقيب وإبراز المعالم الأثرية بمنطقة تازولت أو لمباز كما كانت تعرف سابقا والتي كانت عاصمة نوميدية، إلى إشراك أساتذة وطلبة الجامعات الجزائرية في المشروع العلمي، لكسب الخبرات والمهارات، وقال بأن المشروع طويل المدى وعرف تأخرا لعوامل منها جائحة كورونا، مؤكدا أهمية الأبحاث بالموقع بعد أن تبين أن المكتشفات من اللوحات الفسيفسائية نادرة بمركز قيادة عسكرية مما يدل على أهمية الموقع حضاريا عبر التاريخ، مشيرا إلى استخدام مواد بناء نادرة في الزخرفة منها مادة الجص.
مشروع معلق بين مطرقة التنمية وسندان حماية الآثار
وعلى الرغم من الكنوز الأثرية التي تضمها مدينة تازولت، إلا أن البعض من السكان يرى بأنها تحولت إلى نقمة لعدم الاستثمار فيها من جهة، و وقوفها في كل مرة عائقا أمام التوسع أو إنجاز مشاريع بخصوص التحفظات التي ترفعها مصالح حماية الآثار ومن بين التي استحال إنجازها، طريق مزدوج على مسافة خمسة كيلومترات بمنطقة مركونة ببلدية تازولت، حيث توقف منذ سنوات بعد أن تطوع مقاولان لإنجازه من أجل إزالة النقطة السوداء على طول ذلك المحور لحوادث المرور.
وكانت مصالح حماية الآثار قد اعترضت على توسيع جزء من الطريق، ما دفع بمقاولة إلى توقيف الأشغال في جزئها الأول، الأمر الذي جعل مديرية الأشغال العمومية تبحث عن حلول للدفع بالشطر الأول حسبما أفاد به مسؤول بالمديرية، نظرا لطبيعة المشروع التطوعي، الذي يحول دون توجيه إعذار لمقاولة الإنجاز.
وتطوعت مقاولتان قبل خمس سنوات، لتوسيع وإنجاز طريق مزدوج على طول 5 كيلومترات تمتد من منطقة مركونة من حاجز الدرك الوطني إلى غاية حاجز الشرطة عند مخرج مدينة تازولت، غير أن وزارة الثقافة بعد أن أوفدت لجنة للتقصي حول مسار الطريق التوسعي، رفضت إنجاز هذا الأخير في شطره الثاني الممتد من قاعة الحفلات إلى غاية حاجز الشرطة، لتواجد مواقع أثرية منها لوحات فسيفسائية لاتزال محل بحث وتنقيب من فرق الآثار.وأسندت السلطات العمومية، للمقاولتين المتطوعتين المشروع بحيث تتولى إحداهما جزءا يمتد من الحاجز الثابت للدرك الوطني بمركونة إلى قاعة الحفلات، فيما تتكفل المقاولة الأخرى بالجزء الثاني من القاعة إلى حاجز الشرطة، وعقب قرار مصالح حماية الآثار بمنع الأشغال في الجزء الثاني، توقفت في الجزء الأول، حيث ظل ورشة مفتوحة.
وأكدت مديرية الأشغال العمومية، استمرار البحث عن صيغة توافقية لاستكمال المشروع عبر المسار المحدد، من أجل وقف حوادث المرور التي يعرفها هذا الشطر من الطريق، واعتبر تغيير المسلك لا يحل المشكلة، وأن مصالح الأشغال العمومية لا يمكنها بعد تغيير المسلك المقترح للتدخل، كون الطريق يصبح بلديا وليس من اختصاصها.من جهته، رئيس بلدية تازولت، أكد رفضه لمقترح تغيير المسلك بشق طريق جديدة من حاجز الدرك الوطني إلى محور دوران الطريق الاجتنابي الشرقي، لأنه سيشق أراضيَ فلاحية خاصة وسيكلف ماليا، ويفرض العزلة على البلدية، وقال بأنه يتمسك بحل مواصلة الأشغال المتوقفة بعد رفع تحفظ مصالح الآثار، مشيرا إلى توقف مشاريع تنموية مماثلة منها إنجاز بئر لتزويد السكان بالمياه بسبب تحفظات مصالح الآثار، التي اقترحت شق مسلك آخر من حاجز الدرك بمركونة إلى محور الدوران بالطريق الاجتنابي الشرقي.
يـاسين عبوبو