تواصل القوات الأمنية المشتركة بقالمة إحكام قبضتها على بؤر الإجرام ليلا ونهارا، من خلال مداهمات مكثفة للمواقع المشبوهة التي اعتاد عليها هواة السكر العلني السافر، ومروجو السموم القاتلة، من مخدرات وعقاقير طبية مهلوسة، ألحقت الأذى بالمستهلكين والمجتمع، الذي يواصل دعمه للدرك الوطني و الشرطة في مهمة التصدي للإجرام بكل أنواعه، وحماية الأشخاص والممتلكات.
وقد أخرج فصل الصيف الحار، القالميين من منازلهم ليلا، وألقى بهم في الساحات العامة والحدائق والمنتجعات الغابية المجاورة للمحيط العمراني، حيث الهدوء والسكينة والهواء المنعش الذي يشجع على البقاء خارج المنازل ساعات طويلة من الليل، قد تمتد إلى الفجر كلما كان الوضع آمنا من كل سوء قد يعكر صفو الساهرين بمنتجع غابي، وحديقة وسط حي سكني، وعلى حافة طريق و في حقل زراعي تصله أضواء خافتة، منبعثة من الضواحي السكنية التي ضاقت بأهلها ودفعتهم إلى الخروج كل ليلة صيف هربا من الحرارة و رطوبة الجدران والبعوض المزعج.
تنسيق محكم لصد الإجرام وبسط الأمن
هذه المرة كانت المداهمة مشتركة بين الدرك الوطني والشرطة، و امتد نطاقها إلى المنتجعات الغابية بجبل ماونة المطل على مدينة قالمة، والضواحي المظلمة التي يلجأ إليها المنحرفون هربا من رقابة رجال القانون والمجتمع.
النصر رافقت قوات الدرك الوطني و الشرطة ليلة الاثنين إلى الثلاثاء، في مهمة تأمين ليالي الصيف وتجفيف منابع الإجرام، من خلال الإطاحة بكبار الرؤوس المروجة للسموم وإنقاذ المستهلكين المدمنين الذين وقعوا في المستنقع الآسن، ولم يعودوا قادرين على الخروج منه.
وقد انطلقت فرق المداهمة من كتيبة الدرك الوطني الواقعة بالضاحية الشمالية لمدينة قالمة، أين التحمت الشرطة مع الدرك و تراصت الصفوف، لسماع كلمة قادة المهمة الذين شددوا على ضرورة التصدي بحزم لكل ما يعكر صفو العائلات الساهرة، وتشديد الخناق على المنحرفين في إطار احترام الحقوق والحريات العامة، وحماية الممتلكات العمومية والخاصة من كل اعتداء قد يطالها في غمرة الأجواء الصيفية الصاخبة، التي استعادت حيويتها بعد نحو سنتين من الإغلاق، بسبب تفشي جائحة كورونا التي حاصرت الناس في منازلهم.
قصة نهاية هارب من الخدمة الوطنية
كانت وجهتنا الأولى منتجع جبل ماونة الواقع ببلدية بن جراح، حيث الطبيعة الساحرة و الهواء المنعش من على أعلى قمة جبلية بولاية قالمة، قمة "لالة" ماونة موطن الأسطورة و قاعدة أبراج الاتصالات العملاقة، من هنا يمكنك رؤية كل إقليم الولاية تقريبا، وخاصة خلال ساعات الليل حيث تكشف أضواء الشوارع والساحات العامة عن المزيد من المدن والقرى التي تتخفى نهارا وتستحيل رؤيتها من مسافات بعيدة.
اتخذنا مقعدا لنا بسيارة للدرك الوطني تستعمل لتعقب مخالفي قانون المرور بواسطة رادار متنقل، لكن مهمتها هذه الليلة تأمين ليالي السمر ومطاردة المنحرفين وملاحقة الهاربين من العدالة و الخدمة الوطنية.
جلس بجانبي دركي يبدو حيويا في مقتبل العمر، كان شديد الاهتمام والعناية ببنادق الكلاشنيكوف وأحزمة الذخيرة التي كانت تتخذ هي الأخرى مكانا لها بالمقعد الخلفي للسيارة وتفصل بيني وبين الدركي الذي اكتسب خبرة في التعامل مع الرادار ومنتهكي قانون السير الذين مازالوا يتمادون في تجارة السوء و يقترفون السرقات و الاعتداءات الجسمانية على ضحاياهم، و منهم المتورطون في حوادث السير التي بلغت أشدها في ذلك اليوم بولاية قالمة، عندما حادت حافلات الركاب عن الطريق في أمسية ممطرة، و خلفت العديد من الضحايا.
كان الظلام يطبق بسرعة على مرتفعات ماونة، و كانت قطرات خفيفة من الأمطار ماتزال تسقط، البرق يضيء الأفق البعيد. كنا نعتقد بأن غابات ماونة ستكون خالية من زوارها هذه الليلة بسبب التقلبات الجوية التي لا تؤتمن بهذه القمة العالية.
في هذه الأثناء كان شاب هارب من الخدمة الوطنية يحتسي مشروبات كحولية رفقة آخرين تحت شجرة فلين، تطل على منحدر من الأحراش و الأدغال التي نمت بقوة و لم تطلها حرائق الصيف. لم يكن يعلم بأنه سيقع في قبضة الأمن و يدخل في متاهات قانونية كان في غنى عنها لو امتثل للقانون و أدى واجبه الوطني.
كانت عائلات كثيرة بالفضاء الأخضر الفسيح، و مطعم متنقل يقدم مشروبات غازية و عصائر و قهوة و وجبات ساخنة للساهرين دون أن يكترث أصحابه لمشاهد المداهمة التي أحاطت بهم من كل جانب.
جهاز لتعريف الأشخاص و المركبات
بسرعة خاطفة انطلق رجال الدرك والشرطة نحو المجموعة التي كانت تحت شجرة الفلين وانقضوا عليها، لكن عنصرا على الأقل من أفراد المجموعة ربما يكون قد فر وسط الأدغال متسترا تحت جنح الظلام، بينما استسلمت البقية للتفتيش الجسدي و خضعت سيارتها لعملية تنقيب دقيقة بواسطة المصابيح اليدوية، و كلب مدرب عنيد كان يبحث بجد عن مادة مخدرة و عقار طبي مهلوس. هو مدرب على هذا، يقول صاحبه الذي علمه أسرار الكشف عن السموم.
بينما كان الكلب في مهمة البحث عن الهدف كان رجال الدرك و الشرطة يحققون مع المجموعة التي ألقي عليها القبض، بينهم الشاب الهارب من الخدمة الوطنية، وقد وقعت المجموعة تحت طائلة السكر العلني و تلويث البيئة بقارورات فارغة من مادة الألومينيوم، و قيادة سيارة بلوحة ترقيم مزورة.
كان جهاز تعريف الأشخاص المشتبه بهم و المركبات يشتغل بقوة في غابات ماونة، وكل شخص يتم توقيفه تعرض هويته على نظام معلوماتي و كذلك السيارات، حيث يتم إدخال لوحة الترقيم والرقم القاعدي للمركبة، والاسم واللقب و تاريخ الميلاد إلى البرنامج الآلي الذي لن يفلت منه كل ملاحق من طرف القانون المدني والعسكري.
تم توقيف المجموعة و تحويل السيارة البيضاء إلى الحظيرة، في انتظار استكمال إجراءات التحقيق بفرقة الدرك الوطني ببلدية بن جراح، التي تشرف على إقليم جبل ماونة والمنتجعات الموجودة فيه، بينها مخيم صيفي للشباب.
عندما يعم الأمان بالمدينة والمنتجع الجبلي
كان أصحاب المطعم المتنقل يؤدون عملهم دون توقف، والعائلات من حولهم تستمتع بالهواء المنعش و جمال الطبيعة. كان الجميع هادئا مطمئنا عندما نزلت كل هذه القوة من الدرك و الشرطة بالمكان، هذا هو هدف المداهمات يقول قادة المهمة، من خلال تأمين مواقع السمر وحماية العائلات والممتلكات، ونشر السكينة بهذا الموقع السياحي الذي تراهن عليه ولاية قالمة لتطوير قطاع السياحة الجبلية، وتدريب الناس على الاستمتاع بالطبيعة و حماية البيئة و التنوع الإيكولوجي، الذي يواجه تحديات كبيرة متأثرا بتغيرات مناخية متطرفة.
خلال المداهمات الليلية يستعمل رجال الشرطة و الدرك الوطني مصابيح يدوية لإضاءة المكان وملاحقة الفارين، و البحث عن المخدرات و الأقراص المهلوسة، وبإمكان المصباح الواحد أن يوقفك عن الحركة ليلا عندما يصوب إلى وجهك و يطوقك من كل جهة. هو سلاح ليلي قوي يدعمه كلب مدرب، و رجل أمن عنيد يجيد التوغل ليلا داخل الأحراش و الأدغال كلما دعت الضرورة إلى ذلك.
خضع الكثير من مرتادي منتجع ماونة للتحقيق و التعريف في هذه الليلة، و باستثناء الشاب الهارب من الخدمة الوطنية ومجموعة السكر العلني، والسيارة ذات الترقيم المزور، لم يعثر رجال الدرك والشرطة على صيد ثمين، وتقرر التوغل أكثر باتجاه أبراج الاتصالات، ومخيم الشباب، عبر طريق معبد ومسالك جبلية أنجزتها محافظة الغابات، لفك العزلة عن سكان المنطقة وتسهيل عملية التدخل عند اندلاع الحرائق، حيث لم يعثروا على شيء مريب هناك، وتوقفت المهمة قبل الوصول إلى أبراج الاتصالات المنتصبة في شموخ على علو 1411 مترا فوق سطح البحر.
مدينة قالمة ليلا...ظلام
و صيد قليل
من منتجع ماونة عادت فرق المداهمة إلى قالمة القديمة، و ضاحية مقام الشهيد، و كانت المدينة تبدو لنا قرية صغيرة و نحن ننظر ليلا من فوق قمة الجبل ومرتفع مقام الشهيد، و رغم جهود التطوير التي تعرفها في السنوات الأخيرة، مازالت المدينة العريقة تبدو مظلمة ليلا، و تكاد ضواحيها الشعبية تغرق في الظلام.
كان هدف المرحلة الثانية من المداهمة حدائق المدينة وساحاتها العامة، الممتلئة بعشاق السمر و ليالي الصيف البيضاء، حيث خضع الكثير من الشباب للتحقيق والتفتيش الجسدي بحثا عن السموم التي تثير قلق الجميع.
وأبدى شاب عنيد المقاومة و رفضه للتفتيش بمقام الشهيد، و عثر رجال الشرطة والدرك الوطني على دراجة نارية تخلى عنها صاحبها بحديقة الولاية، و ما دون ذلك كان هدوء و سكينة في ليلة صيف جميلة حالمة، سبقتها عاصفة ماطرة زادت من رطوبة و حرارة البيوت، فخرج الجميع بحثا عن الهواء المنعش.
فريد.غ