عاشت مدينة وادي الزناتي بقالمة أول أمس الخميس يوما مميزا صنعه عشرات المزارعين الشباب الذين جاؤوا من مختلف البلديات للمشاركة في المعرض السنوي المحلي للإنتاج الزراعي، الذي تقرر تنظيمه هذه السنة بعاصمة سهل الجنوب فخر الزراعة الجزائرية على مدى سنوات طويلة و موطن القمح «البليوني» الشهير.
المزارعون الشباب قدموا من الأقاليم الزراعية الأربعة و معهم خيرات جادت بها الأرض بعد جهد كبير و تحد رفعه هؤلاء الصامدون فوق الأرض بعيدا عن الأضواء يخوضون معركة مضنية مع الطبيعة القاسية لربح رهان جزء من الأمن الغذائي، و معركة الاقتصاد البديل الذي صار من بين الرهانات الصعبة التي تعيشها الجزائر.
العارضون شغلوا القاعة الرياضية الكبرى و الفضاءات المحيطة بها و بعثوا الحيوية و النشاط بالمدينة الحزينة المثقلة بالهموم الاجتماعية و الاقتصادية المتراكمة بالأحياء الشعبية العتيقة، و على امتداد مجرى النهر الكبير العابر للمدينة التاريخية النائمة وسط السهل الشهير الذي ظل يمد الجزائريين بالخيرات قبل أن تصيبه لعنة التغيرات المناخية المدمرة و يكف عن العطاء، فاسحا المجال لسهول أخرى بدأت تشق طريقها بثبات نحو الزراعة الحديثة المعتمدة على أنظمة السقي و التكثيف.
المزارعون من النشماية بأقصى الشمال و من بوشقوف بأقصى الشرق و من بوحمدان و الركنية غرب ولاية قالمة و من بومهرة و بلخير و الفجوج و هليوبوليس و قالمة بحوض سيبوس الشهير، و من بلاد القمح تاملوكة، عين مخلوف، عين العربي، عين رقادة و برج صباط و غيرها من البلديات قرروا المشاركة في التظاهرة الاقتصادية المحلية التي تحولت إلى تقليد سنوي يجمع المزارعين من مختلف الأقاليم يتعارفون في ما بينهم و يتبادلون الخبرات و التجارب و يتحدثون عن النوعية و المردود و مشاكل التسويق، و الارتفاع المتواصل لتكاليف الإنتاج و يتطلعون إلى مستقبل صعب قد يضع الزراعة الجزائرية على الطريق الصحيح أو يعيدها إلى زمن الفوضى و الاتكال على النفط اللعين.
خلال التظاهرة تم عرض ما لا يقل عن 7 أصناف من القمح اللين و الصلب و أصناف متعددة من الشعير، و غيره من الحبوب و البقول الجافة التي أصبحت تزرع على نطاق واسع بولاية قالمة، و عرض الفلاحون أيضا الكثير من الخضر و الفواكه ذات جودة و نوعية و عسل و زيتون و دجاج و بيض و معدات خفيفة و ثقيلة، أصبحت تلعب دورا كبيرا في تطوير الزراعة المحلية، و بين موقع عرض و آخر انتصبت أجنحة خبراء الزراعة و البنوك و شركات التأمين و مؤسسات بيع العتاد الزراعي و الأسمدة، و غيرها من الخدمات الفنية الداعمة للنشاط الزراعي الذي أصبح بين أيدي جيل جديد من الشباب يجيد علوم الزراعة و يروض أعقد التجهيزات و الآلات الحديثة و يجعلها طوع يديه، كالحاصدات الجديدة و آلات زرع و جني الطماطم الصناعية و الجرارات العملاقة، و آلات إعداد التربة و جمع الأعلاف و رش المبيدات و غيرها من المعدات المتطورة التي ملأت المكان و جلبت إليها أعدادا كبيرة من المواطنين الذين دفعهم الفضول إلى رؤية المنتجات الزراعية عن قرب يعرضها المنتجون أنفسهم بعيدا عن المضاربين و السماسرة الذين أحرقوا جيوب الفقراء.
و زارت سلطات قالمة المعرض الكبير و أدركت بأن مستقبل الزراعة في الميدان و بأيدي هؤلاء المزارعين الشباب، الذين ينتظرون مزيدا من التشجيع و الدعم المادي و المعنوي لإنجاح مساعي الانتقال السريع إلى التنمية المستدامة و الاقتصاد الأخضر البديل.
و تحدث عارضون للنصر عن تحديات كبيرة تواجه النشاط الزراعي بقالمة بينها موجات الجفاف المتعاقبة التي تضرب سهل الجنوب الكبير كل سنة، و نقص مياه السقي بعدة مناطق بينها بلدية الركنية التي تنام على مساحات خصبة واسعة، لكنها مازالت تنتظر وصول مياه سد زيت العنبة المجاور، و منطقة لخزارة التي يطالب مزارعوها بتوسيع محيط السقي بحوض سيبوس باتجاه المنطقة الجافة الواقعة جنوب بومهرة أحمد.
كما تحدث أصحاب الحاصدات و الجرارات الجديدة عن متاعب كبيرة مع قروض التحدي، و قال مزارعون آخرون بأنهم متخوفون من ارتفاع كبير في أسعار البذور و الأسمدة و الأدوية و الوقود و الطاقة الكهربائية و مشاكل التسويق و اليد العاملة. و غيرها من التحديات التي تواجه قطاع الزراعة المحلية التي قطعت أشواطا كبيرة في مجال النوعية و المردود و تقنيات التكثيف و تطبيق الدورة الزراعية.
فريد.غ