أكد خبراء في علم الاقتصاد ومختصون في الاجتماع للنصر، أن الثقافة الاستهلاكية تشهد تغيرا ملفتا، تترجمه مظاهر التهافت على اقتناء مختلف المنتجات والمواد الغذائية، وهو سلوك بات مقترنا بالمناسبات عموما و رمضان على وجه التحديد، وقد أرجعوا الأمر إلى الانفتاح على مواقع التواصل الاجتماعي، والتأثر بعادات غذائية دخيلة، أثرت على النمط الاستهلاكي، وكشفت عن نوع جديد، يسمى «بالاستهلاك التفاخري»، الذي تفرزه المقارنات الاجتماعية.
أسماء بوقرن
يظهر التغيير في النمط الاستهلاكي للأسر، من خلال التهافت على الفضاءات التجارية الكبرى خلال رمضان، الذي بات يرتبط الإنفاق المفرط، إذ يبغ التهافت ذروته قبل وخلال أيام الصيام لدرجة تسجيل اختناق مروري عند بعض النقاط التجارية، وهي سلوكيات لم تكن شائعة بهذا الشكل من قبل كما يذهب إليه مختصون في علم الاجتماع، و تعد اليوم من المؤشرات الرئيسة على تغير الثقافة الاستهلاكية، والناتج بالأساس عن تغير في السلوك الفردي الذي صار يتأثر بمواقع التواصل، وبالمحتوى المتداول عبرها بشكل كبير.
خلل في بوصلة التدبير العقلاني للميزانية
وبالنظر إلى المحتوى الأكثر انتشارا عبر الفضاء الأزرق خلال هذه الأيام، نجد أن نسبة كبيرة من المنشورات ترتبط بالاستهلاك الغذائي، وصور موائد الإفطار التي تعكس تغير عادات الصيام، والإسراف في تحضير مختلف الأطباق والمقبلات وغيرها. كما تتصدر الترند مواضيع ترتبط في مجملها بالغذاء و التغذية والاستهلاك المفرط، ما أثر حسب متابعين، على سلوك الفرد، وكشف عن نمط جديد للاستهلاك يسمى بالاستهلاك التفاخري المقترن بالمقارنات الاجتماعية دون مراعاة الدخل الأسري، ما يوقع البعض في فخ الاستدانة، ومأزق تسديد أعباء الفواتير وحتى تكاليف العلاج.
تغير عادات الصيام والانفتاح على مواقع التواصل
التباهي باقتناء مختلف المستلزمات من أطعمة وأواني و مفروشات وغيرها، بات موضة رائجة على المنصات، ونوعا من المحتوى المطلوب جدا، حتى إن هناك من يكلفون أنفسهم أعباء مالية إضافية فقط لأجل التفاخر بالتسوق في المراكز التجارية و تجربة مختلف السلع الجديدة، فيما يمتهن البعض صناعة هذا النوع من المحتوى ويصلون لدرجة عرض فواتير المقتنيات، والترويج لمنتجات معينة وتشجيع متابعيهم على اقتنائها. ومن العوامل الأخرى التي ضاعفت الاستهلاك، طرق التسويق الحديثة، التي يعتمد عليها أصحاب «السوبرماركت»، الذين يواكبون تطورات السوق ويستغلون المناسبة لإطلاق عروض تجارية مغرية يحددونها بمدة لا تتجاوز أحيانا الساعتين من الزمن، ما يرفع معدل الإقبال في وقت محدد على الفضاء ويدفع المستهلكين للتقدم إلى المكان قصد الاستفادة من العرض أو التخفيض حتى دون الحاجة إلى المنتج.
* الخبير الاقتصادي البروفيسور مراد كواشي
تطور آليات التسويق الشبكي ظاهرة صحية أسيء استخدامها
أكد الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي، البروفيسور مراد كواشي في حديثه للنصر، أن طريقة الاستهلاك تغيرت بشكل ملحوظ لدى الفرد الجزائري، وربط ذلك بتغيرات العصر وتطور آليات التسويق الشبكي، والانفتاح على مواقع التواصل الاجتماعي، والتسوق والدفع عن بعد، الذي وبالرغم من إيجابيته إلا أن عديد الأسر لا تراعي في استخدامه ميزانيتها، بل وفقدت بوصلة التسيير العقلاني للموارد المالية، لتقع في فخ الاستدانة دون أن تشعر.
وقال الخبير، بأن بوادر تغير نمط الاستهلاك ظهرت مع تطور استغلال مواقع التواصل الاجتماعي، وهي سمة من سمات العصر، تُستغل في الترويج الشبكي وتتيح فرصة التسوق عن بعد، وتخفف عبء التنقل لاقتناء المستلزمات، وهي ظاهرة وصفها بالصحية تتماشى مع تطور المجتمعات البشرية، لكن شريطة أن لا تؤثر على ميزانية الأسر وتؤدي لزيادة التهافت على شراء السلع. ويفترض حسب البروفيسور كواش، أن تلعب شبكات التواصل دورا إيجابيا، في تقليص الميزانية من خلال إتاحة فرصة لشراء سلع بسعر أقل وبطريقة عقلانية تساعد على تقليص ميزانية الأسر وترشيد النفقات، وليس تحمل ميزانية إضافية.
عقلنة الاستهلاك بما يتماشى و موارد الأسرة
ويعتقد محدثنا، أن سلوك جزائريين قبيل أيام الشهر الفضيل حتى من دون وسائل التواصل يميل إلى زيادة الشراء وتحمل أعباء إضافية على الميزانية الاعتيادية ليقع الفرد في فخ التبذير ورمي الأكل، لذا يجب العمل على أكثر من مستوى لتجاوز هذه الممارسات، بداية باستغلال مواقع التواصل الاجتماعي استغلالا إيجابيا والتعامل مع شهر الصيام كشهر للعبادة وليس للاستهلاك.
ودعا إلى العمل على الحد من التبذير، الذي تتضاعف نسبته خلال هذا الشهر، حسب ما تؤكده الإحصائيات، فالظاهرة تؤثر على ميزانية الأسر وتؤثر وبشكل كبير كذلك على ميزانية الدولة، التي تدعم عديد المنتجات خاصة واسعة الاستهلاك، مؤكدا أنه يتعين على المواطن التحلي بالوعي في سبيل تخفيف هذه الأعباء، وأنه على أرباب الأسر التعامل بعقلانية أكبر خلال هذه المناسبات و تعلم تسيير الميزانية العائلية والصيام بأريحية دون اللجوء للاستدانة.
* سارة زقاد أخصائية في علم الاجتماع
ترشيد النفقات لتجنب الوقوع في مأزق الاستدانة والمشاكل الأسرية
من جهتها، دعت الأخصائية الاجتماعية، سارة زقاد، الأسر لترشيد النفقات لتجنب الوقوع في مأزق الاستدانة والمشاكل الأسرية، وتجنب بعض العادات الغذائية الدخيلة المروج لها عبر الفضاء الأزرق، و التي ترهق جيب المواطن وتؤدي للتبذير.
وأوضحت الأخصائية الاجتماعية، أن السلوك الاجتماعي للفرد الجزائري، يتغير قبيل وخلال رمضان، لارتباطه بعادات التحضير للمناسبة المتوراثة أبا عن جد، حيث يزيد الإقبال على مستلزمات المطبخ لاستقبال رمضان، غير أنه ومع الانفتاح على مواقع التواصل، أصبحت مظاهر الاحتفال والتحضير للمناسبة مبالغا فيها، إذ تتحمل الأسر أعباء إضافية لمسايرة الواقع الاجتماعي، الذي بات يتحكم في فيه محتوى افتراضي في كثير من الأحيان، فالمنشورات التي تتداولها سيدات ومؤثرات والمتعلقة مثلا بمقتنيات رمضان كالأواني، تشجع على مضاعفة الاستهلاك و شراء أشياء لا طائل منها.والتفاعل مع هذا النوع من المنشورات، كما تضيف المتحدثة، يستغل من قبل التجار لبيع سلعهم، إذ يستقطبون الزبائن من خلال العروض والتخفيضات، فيجد الفرد نفسه أمام فرصة لشراء منتج معين بسعر أقل، ويعتبر الأمر مكسبا لينتهي به الأمر وهو ينفق مبلغا إضافيا على سلع قد لا يكون بحاجة إليها فعليا.وذكرت الأخصائية عاملا آخر، يعد من العوامل الرئيسية التي تقف وراء تغير النمط الاستهلاكي، وهو انتشار عادات غذائية دخيلة غذتها فيديوهات الترويج للأطباق والربط بين فطرة الطبخ ورمضان، إلى جانب تأثير منشورات عرض المقتنيات، وتنويع الأطباق، وتجريب الوصفات المتداولة عبر الفضاءات التفاعلية.
وقالت، إن هذه الممارسات أدت إلى ظهور نوع جديد من الاستهلاك هو الاستهلاك التفاخري، الذي عصف بميزانية أسر، فلم تعد قادرة على التدبير العقلاني لمواردها المالية الشهرية، ما يوقعها في مأزق الاستدانة ويؤدي لنشوب خلافات أسرية، حول سوء تسيير الميزانية الأسرية وتسديد الديون، وعدم القدرة على تسديد تكاليف أخرى خاصة بالتمدرس والعلاج. وتنصح المتحدثة، بضبط قائمة المقتنيات بما يتوافق والميزانية، وادخار جزء من الدخل الشهري تحسبا لأي طارئ، وتجنب تحمل أعباء إضافية لمنتجات غير ضرورية قد يكون مآلها حاوية القمامة. أ ب