يشارك طلبة من دول عربية شقيقة الجزائريين فرحتهم بحلول شهر رمضان المبارك، متأثرين بالأجواء الاحتفالية التي يصنعها المواطنون في الشوارع والأسواق، والتي دفعت ضيوف الجزائر إلى التعريف بعاداتهم وتقاليدهم سواء داخل الإقامات الجامعية أو خارجها، الأمر الذي خفف من حنينهم إلى أهاليهم وبلدانهم في هذه الأيام الخاصة.
إيناس كبير
يصنع الطلبة أجواء خاصة بالشهر الفضيل داخل غرفهم التي يهيئونها لاستقبال زملائهم، حيث يعدون أشهى الأطباق والحلويات التقليدية التي تشتهر بها بلدانهم، بالإضافة إلى اجتماعهم في مصليات الجامعات والذهاب إلى المساجد لأداء صلاتي التراويح والصبح في أجواء دينية روحانية تتميز بالأخوة والدفء العائلي. ويعد شهر رمضان بحسب ما عبر عنه الطلبة، فرصة لهم للتعرف على ثقافات وعادات جديدة لإحياء المناسبات الدينية، خصوصا وأن الجامعات الجزائرية تضم طلبة من جاليات مختلفة.
رمضان في المساجد الجزائرية له طابع خاص
يقضي الطالب السوداني ضيف الله التجاني ثالث رمضان له في الجزائر، حيث يحضر غرفته كما قال، لاستقبال ضيوفه من زملاء الجامعة سواء من ولايات جزائرية أو من جاليات أخرى، أين يجتمعون للإفطار سوية كل يوم.
وقد اعتاد تحضير بعد الأطباق السودانية بمشاركة طلبة من الجالية التشادية، لأن للبلدين نفس العادات، يقول:«كل يوم يتكفل زميل بإعداد مائدة إفطار من الأطباق التي يشتهر بها بلده، وهكذا نرفع معنوياتنا في الغربة».
و اعتبر الطالب، أن الأجواء في الجزائر جميلة ومريحة، لتوفر كل الظروف الجيدة في الإقامة، بما في ذلك مصلى مجهز جيدا ونظيف ناهيك، عن وجود طلبة من حفظة القرآن يؤمونه زملاءهم في صلاة التراويح.
وزار ضيف الله عدة مساجد جزائرية لكن روحه انجذبت إلى مسجد الأمير عبد القادر بقسنطينة، الذي يتميز بأجوائه الروحانية واختيار مقرئين ذوي أصوات جميلة، كما أُعجب الطالب بمظاهر الخير والصدقة وسعي الجزائريين لتوفير كل ما يحتاجه المصلون من مياه، ومناديل، وغيرها.
تشابه العادات يخفف شوقي للسودان
واعتبر الطالب، أن مظاهر التآزر وإفطار الصائمين على الطريق، مهمة جدا لأنها تبعث على الطمأنينة، حيث تكون مطاعم الرحمة مجهزة بكامل الخدمات يوميا لتقدم موائد متنوعة للصائمين، وهو ما اعتاد عليه في بلده السودان، أين تكرس عادة «الطرا»، وتتمثل في تحضير سفرة للإفطار على حواف الطرقات، فلا يمر صائم إلا وأفطر على ما تجود به.
أما المائدة الجزائرية فوصفها بأنها غنية، مؤكدا حبه «للبوراك الجزائري»، و«الكسرة»، وطبق «الشخشوخة» الذي تناوله السنة الماضية عندما حل ضيفا على بيت صديقه، بينما تتميز المائدة السودانية بالتركيز أكثر على العصائر وذكر «الحلو المر»، «الكركديه»، «العراديب» لأن الجو يكون ساخنا، كما يشتهرون بطبق «العصيدة»، و«الكسرة والقراص» وهي أطباق خفيفة.
أجواء رمضان في الجزائر تذكرني بفلسطين
وصف الطالب الفلسطيني محمد الواقيلي، هذه الأيام المباركة في الجزائر بالرائعة، وبالأخص في أماكن ازدحام الناس والمحلات التجارية، وقال إنها تذكره ببلده رغم الاختلاف في بعض الجوانب الثقافية، ناهيك عن ظروف الحرب.
يقضي الشباب السهرات الرمضانية مع إخوانه الجزائريين الذين يواسونه في محنة بلده، كما يتحدثون عن مختلف العادات والتقاليد، ويناقشون تنوع الثقافات العربية ويذكرون أخرى جديدة تعرفوا عليها في المجتمع الجزائري مقارنين بينها وبين العادات الفلسطينية، مع رصد ملامح الشبه وقد أبدى الشاب إعجابه بالمطبخ الجزائري، خصوصا في رمضان.
وعن أشهر الأطباق الفلسطينية التي يحضرونها في الإقامة الجامعية، وذلك لعدم توفرها في المطاعم الجزائرية ذكر محدثنا « المقلوبة، والكبسة الفلسطينية، والأرز بجميع أنواعه، وبعض المقبلات والسلطات».
ويفضل محمد تأدية صلاة التراويح خارج الإقامة الجامعية لما تتميز به من سمات خصوصا في المساجد الكبرى، أين يكون الإقبال كبيرا وعلق بأن الأصوات المنبعثة من مكبرات الصوت تذكره بالأجواء الروحانية في غزة.
رمضان في فلسطين عنوان للتحدي والصمود
شاركنا الشاب أيضا، بعض صور الاحتفال برمضان في فلسطين، وقال إنها صور صمود وبالأخص في غزة التي تكرس الفرح برمضان رغم الدمار، والظروف في الخيام.
وعن العادات والتقاليد الفلسطينية التي تطبع هذه الأيام المباركة، ذكر أنهم يبدؤون بتهيئة المساجد لاستقبال المصلين، ونشر الأضواء في كافة المناطق، كما يلتقي الجيران لتنظيف الأحياء مع الحرص على فض النزاعات وفتح البيوت لاستضافة الأهل والأصدقاء، وتفتح الأسواق على مدار يوم كامل. ومن أبرز العادات ذكر الاعتكاف في المساجد، وقيام الليل طيلة رمضان حيث تزيد همة المصلين في العشرة الأواخر، وعن أداء صلاة التراويح في المسجد الأقصى، أوضح أنه مسموح بها لأهل الضفة الغربية والداخل المحتل فقط.
الجزائريون يحفظون للمناسبات الدينية قدسيتها
طوال سبع سنوات قضتها الطالبة الأردنية آية بالجزائر، لاحظت أن المجتمع الجزائري يعطي للمناسبات الدينية حقها وقيمتها، وهي سمة مشتركة بين المجتمعات العربية الإسلامية.أما في الإقامة الجامعية، فأخبرتنا أن الأجواء تكون لطيفة حيث تكثر تجمعات الصديقات والزميلات ويستحيل أن تفطر طالبة بمفردها، يطبخن سوية، ينزلن إلى المطعم، كما يتقاسمن المهام عند تحضير الإفطار في غرفهن ويتبادلن الأطباق فيما بينهم. وعلقت :«يستحيل ألا أصنع أجواء رمضانية أردنية في الإقامة، أبرزها تحضير القهوة العربية بعد الفطور وتناولها مع القطايف، وهو نوع من الحلويات المشهورة في بلدي».
أما في آخر أيام الشهر، فتحضر الشابة حلوى العيد المعروفة بـ«المعمول» الذي صنعته أكثر من مرة ووزعته على زميلاتها، ومن الأطباق الجزائرية التي أعجبتها كثيرا «طاجين الحلو»، و«شباح الصفرة»، و«البوراك». وقالت آية، إنها تعرفت على ثقافات كثيرة خصوصا وأن إقامتها الجامعية، تضم طالبات من جنسيات مختلفة، فلسطينيات، وتونسيات، وكذا طالبات من الصحراء الغربية. بعد الإفطار تذهب الفتيات لتأدية صلاة التراويح جماعة، وأحيانا تنقلهن إدارة الإقامة إلى مسجد الأمير عبد القادر، وبما أنها تقضي آخر سنة لها هنا أخبرتنا أنها متحمسة جدا لتعيش الشهر بكامل تفاصيله سواء في الإقامة مع زميلاتها في كلية الطب، أو في المستشفى أين تتدرب.
وتحدثت آية، عن عادات وتقاليد الأردن لإحياء الشهر الفضيل كاجتماع العائلة على مائدة الإفطار، وذكرت الحلويات مثل القطايف التي تُباع في الشوارع وتكون طازجة وساخنة، وأيضا العصائر والمشروبات مثل التمر الهندي، وعرق السوس، وقمر الدين، ويقابلها في الجزائر «الشاربات». من العادات الأردنية المميزة أيضا كثرة العزائم، وتبادل الأطباق بين الجيران، بالإضافة إلى زينة رمضان التي تنير الشوارع والشبابيك وأبواب المنازل، مثل الفوانيس، وهي سمة خاصة ببلدان المشرق العربي.
هكذا نصنع أجواء سورية في الإقامة
قالت الطالبة السورية حياة رمضان فحلة، بأن ما ينقص أجواء رمضان في الإقامة الجامعية هي اللمة العائلية، لذلك يحاولن كطلبات مغتربات تعويض بعضهن البعض، كالذهاب سوية لإحضار بعض المواد الغذائية من مطعم الإقامة، وتزيين الغرف بهلال رمضان، وأيضا تحضير العزائم والسهرات بعد التراويح.
وقالت إن صديقاتها الجزائريات المنحدرات من ولايات أخرى يجلبن أكلا من بيوتهن ويشاركنه معها مثل «الكسرة»، وذكرت أيضا أن الإقامة الجامعية توفر مطبخا للأجانب مكونا من ثلاثة طوابق كل طابق مجهز بالغاز، ومكان لغسل الأواني، كي يتمكنوا من الطبخ بأريحية، وهكذا يتعرفون على ثقافات جديدة، مثلما تعرفت هي على السينية القسنطينية المكونة من «فلون، ومكسرات، وحلوى قلب اللوز».
أخبرتنا الشابة، أنها تحب الطبخ كثيرا وعادة ما تطبخ لصديقاتها أطباقا سورية مثل الشوربة، والملوخية، والأرز، والمحشي، وشيش برك، وشيخ المحشي، والسلطة، والمقبلات، و المتبل، وتكون العزيمة جميلة حيث يشاهدن مسلسلات والبرامج أثناء الإفطار، ثم يحضرن القهوة التركية التي تصاحبها الحلويات.
بعد التراويح يجتمعن على مائدة بها شاي وحلويات «الشعيبيات، والنمورة، والقطايف، وأحيانا البرازق، والفواكه»، كما يحضرن الكنافة وكلها مظاهر تشعرهن أنهن في سوريا.
وعن وجبة السحور قالت: «أحيانا نتناول ما بقي من وجبة الإفطار، أونعتمد على الحواضر وهي عبارة عما يعرف في سوريا بـ «كسر السفرة» وتتكون من جبن، وبيض، وزيتون، ولبنة، وحمص، وشاي، وذلك إذا لم يتوفر في المطعم طبق المسفوف الذي أحبه كثيرا».
كما تقسم الوقت بين التحضير لمذكرة التخرج، والعبادة.
ولأنه سابع رمضان لها في الإقامة الجامعية، أكدت أن الشعب الجزائري كريم جدا، ذلك لأنها لم تشعر يوما بالحاجة بفضل كل ما يتوفر في الإقامة من طعام، مع تجهيز المصلى أين تؤمهم زميلة للتراويح، أو التنقل إلى مسجد الأمير عبد القادر.
أما الآذان فيحرص المشرفون على الإقامة، أن يكون مسموعا من خلال «المايكروفونات» سواء المغرب للإفطار، أو الفجر للسحور، وتشارك الطالبة أيضا في بعض الفعاليات التي تبرمجها إدارة الإقامة بمناسبة الشهر.
أريد تعلم تحضير أطباق جزائرية
ويتشارك السوريون والجزائريون في صفة الفرح بقدوم الشهر الفضيل فتزدحم الأسواق، كما تتوفر سلع خاصة برمضان فقط، مع ذلك يختلف التحضير لسفرة الإفطار وفقا لها.
تقول :«بينما تقف المرأة الجزائرية لساعات في المطبخ، تجهز السوريات أغلب الأكلات قبل رمضان ويحتفظن بها في الثلاجة، مثل «السمبوسة» التي تشبه «البوراك»، والكبة، واليلنجي، والمقبلات بشكل عام، وكذا العصائر مثل عصير التوت، والتمر الهندي، ومشروبات خاصة بشهر رمضان، وكذلك بعض الحلويات المنزلية كالقطايف، والشعيبيات» موضحة أن الهدف من التحضير المسبق هو التفرغ لأداء العبادات.
وتحب حياة تعلم بعض الأطباق الجزائرية عموما، والقسنطينية على وجه الخصوص، مثل شباح الصفرة التي وصفتها بأنها لذيذة، والكسرة، وطاجين الزيتون، والجاري الأبيض، وقلب اللوز، وقد تعلمت تحضير الكسرة، والحميص كما قالت.
الأجواء الأخوية في الإقامة تنسينا الوحدة
قالت الطالبة الفلسطينية الأردنية فاطمة الزهراء رصرص، إن الطالبات في الإقامة يصنعن أجواء رمضانية جميلة طوال أيام الدراسة، عن طريق الطبخ و السهرات، لكن الوضع يختلف في نهايات الأسبوع حيث يعم الهدوء، فتحاول رفقة من يبقين من زميلاتها التخفيف من وطأة الوحدة، بالتجمع والإفطار سوية.
وعن أبرز العادات التي اكتشفتها في الجزائر ذكرت وجبة السحور التي تتكون من المسفوف واللبن، أو الرفيس، وهي أطباق غير موجودة في الأردن وقد أحبتها كثيرا.
وتحب فاطمة كذلك، التمازج الثقافي الموجود في الإقامة، لذلك تنوع في تجريب مختلف الأطباق الجزائرية في مطعم الإقامة، كما تعد الفلسطينية بنفسها و تستطعم ما تحضره باقي زميلاتها.
وقد وصفت الأجواء الدينية بالجميلة، وتعرفت في الجزائر على التلاوة برواية ورش، على خلاف الأردن أين تنتشر رواية حفص، فكل صلاة بالنسبة لها هي مدرسة تركز فيها مع كل آية وتنتبه إلى لفظ الإمام.
الحلويات الرمضانية الجزائرية مميزة جدا
ولدت الطالبة الفلسطينية المقيمة بالأردن، فاطمة الزهراء رصرص بالجزائر وقضت بها العشر سنوات الأولى من عمرها، لذلك ترى أن شهر رمضان مختلف هنا عما هو عليه في المشرق، وتحديدا بالأردن وفلسطين، وعبرت بأن له نفحات خاصة تجعله مميزا مثل صناعة الحلويات في الأسواق كالزلابية، وطبق «الجاري»، و«طاجين الحلو» وهي أجواء كبرت عليها في طفولتها وتشعر بأنها خاصة بالجزائر فقط. مؤكدة، أن والدتها تطبخ لهم في رمضان أطباقا جزائرية، ومن الأكلات التي تعجبها «البوراك»، و«الجاري»، و«طاجين الحلو»، «الشخشوخة» التي تريد إتقان إعدادها.
أخبرتنا الشابة كذلك، عن بعض العادات المنتشرة التي تميز رمضان في فلسطين والأردن، كاستقبال الشهر بأحلى الأطباق، كما تتزين البيوت والشبابيك بفوانيس مضيئة تنير الأحياء إلى الصباح، بالإضافة إلى خروج الأطفال إلى الشوارع للعب.
إ.ك