أكد المحامي فاروق قسنطيني أن إحالة ملفات الوزراء السابقين إلى المحكمة العليا في إطار الامتياز القضائي، لا يوفر لهم أي غطاء قانوني أو أفضلية عن باقي المتابعين، وإنما يهدف إلى توكيل الملفات إلى قضاة ذوي خبرة، وحرمان المسؤولين السامين من استعمال النفوذ والتأثير على مجريات التحقيق.
أفاد رئيس الهيئة الاستشارية لترقية حقوق الإنسان سابقا، مصطفى فاروق قسنطيني في تصريح "للنصر"، أن الامتياز القضائي إلى جانب أنه يضمن حقوق وكرامة الوزراء السابقين الذين كانوا مسؤولين على تسيير قطاعات بكاملها، فهو يضمن إحالة الملفات التي يتورط فيها وزراء وإطارات ومسؤولون سامون على المحكمة العليا ليتولاها قضاة متمرسين ويتمتعون بالخبرة والحنكة، لأنه لا يعقل أن تطرح ملفات ثقيلة بحجم تبديد المال العام واستغلال النفوذ على قضاة عاديين أو جدد، نافيا أن يكون الامتياز القضائي الذي تنص عليه المادة 573 من قانون الإجراءات الجزائية وسيلة للإفلات من العقاب أو للمفاضلة والتمييز لفائدة الإطارات والوزراء.
ويتم تعيين القضاة الذين سيحققون مع 12 وزيرا سابقا، من بينهم الوزيرين الأولين السابقين أحمد أويحيى وعبد المالك سلال، من طرف الرئيس الأول للمحكمة العليا، وتقتصر مهمتهم على التحقيق ودراسة الملفات، وإحالتها إلى محاكم جنائية تابعة لمجالس قضائية أخرى بعيدة عن مجال نشاط الوزراء السابقين، حتى لا تتاح لهم فرصة استغلال النفوذ والتأثير على سير المحاكمة لصالحهم، ما يعني أنه في حال توبع وزير في قضية وقعت بالعاصمة، فإن الملف يحال حتما إلى مجلس قضائي تابع لولاية أخرى، كالبليدة مثلا، علما أن كل مجلس قضائي يضمن محكمة للجنايات.
وبرر المصدر متابعة وزراء سابقين في ملفات كانوا يشرفون على تسييرها، بحجم القرارات التي اتخذوها ولم تكن عادية، حينما كانوا مسؤولين على القطاعات الموكلة إليهم، وذكر على سبيل المثال منح آلاف الهكتارات من الأراضي الفلاحية لمقاول ليس لديه أي صلة بالنشاط الزراعي، مؤكدا على جدية المحاكمات، وأنه لا يتمنى السجن لأي أحد، لكن من أخطأ عليه تحمل المسؤولية ودفع الثمن، لا سيما وأن البلاد كانت تسير نحو الدمار.
ودعا قسنطيني إلى ضرورة الثقة في العدالة، معتقدا بأن الأطراف التي حركت هذه الملفات الثقيلة تتمتع بالشجاعة والجرأة، لأنه ليس من السهل متابعة شخصيات تتمتع بالسلطة والنفوذ السياسي والمال، متوقعا أن يعين قريبا رئيس المحكمة العليا القضاة الذين سيحققون في الملفات، ليتم إحالتهم فيما بعد على المحاكمة.
الامتياز القضائي ازدواجية في التعامل مع المتقاضين
وأضاف من جهته الخبير الدستوري الأستاذ لحسن تواتي أن الامتياز القضائي لا يخفف العقوبة عن المتهمين ولا مستوى الإدانة، لأن الإجراءات هي نفسها من حيث مجريات المحاكمة، غير أن الفرق يكمن في تعيين قضاة بمستوى مستشارين في المحكمة العليا من قبل رئيس ذات الهيئة، للتحقيق في الملفات التي يحيلها النائب العام للمحكمة العليا، طبقا للمادة 573 من قانون الإجراءات الجزائية.
ورغم أن مجريات المحاكمة هي نفسها المتبعة على مستوى المحاكم العادية، إلا أن الأستاذ لحسن تواتي يرى بأن الامتياز القضائي هو إجراء ورثناه عن الاستعمار الفرنسي، وأن فرنسا استطاعت التخلص منه، في حين عمل الوزير الأول السابق أحمد أويحيى على تكريسه، بفعل سيطرته على العمل التشريعي وعلى الجهاز القضائي، لكنه يرى بأن توفر الإرادة وحده كفيل بضمان محاكمة نزيهة وعادلة في حق من تورطوا في نهب المال العام.
ودعا المختص في القانون الدستوري إلى ضرورة مراجعة قانون الإجراءات الجزائية لتصحيح الخلل الذي يتضمنه، وإلغاء الامتياز القضائي، الذي يعد في تقديره تمييزا وازدواجية في التعامل لفائدة مجموعة من الأشخاص، على غرار القضاء الإداري المخصص للإطارات الإداريين الضالعين في ارتكاب تجاوزات في إطار ممارسة مهامهم.
وتعد المرة الأولى التي يحال فيها وزراء على الامتياز القضائي للتحقيق معهم، وهي سابقة في تاريخ القضاء الجزائري، لا سيما وأن المسؤولين الذين تم استدعاؤهم سابقا كانوا بصفتهم شهودا لا متهمين، وكان النائب العام أو وكيل الجمهورية هو من يحرك القضية وليس المحكمة العليا، وتوقع المصدر أن يحال المتهمون على الحبس المؤقت، وأن لا تستغرق أطوار المحاكمة الـ 6 أشهر على أقصى تقدير، دون أن يستبعد إحالة ملفات بعض المسؤولين السابقين، أي أحمد أويحيى وعبد المالك سلال إلى المحكمة العكسرية. لطيفة/ب