تنقل النصر يوميات عمل أعوان الحماية المدنية مع فيروس كورونا، منذ ظهور الوباء بولاية البليدة، التي تحولت إلى البؤرة الأولى لانتشاره و كيف استطاع أعوان الحماية المدنية التأقلم مع الفيروس الجديد و المفاجئ الذي لم يكونوا مجندين له.
روبورتاج: نورالدين عراب
و يذكر عدد من الأعوان، أنهم عملوا في مختلف الكوارث الطبيعية و الحرائق و الأمور كانت عادية بالنسبة لهم، بالرغم من صعوبة المهمة، في حين أن العمل وسط جائحة كورونا، كان أمرا مختلفا و لم يخفوا حالة القلق و الخوف التي عاشوها، خصوصا خلال الأيام الأولى، باعتبارهم يواجهون عدوا مجهولا و لا يملكون وسائل محددة لمواجهته سوى بعض السلوكيات الوقائية.
و أكد العديد من الأعوان الذين حدثتهم النصر، على أن ظروف العمل خلال أزمة فيروس كورونا، لم تختلف عن ظروف العمل في الحروب، من حيث الاستعداد التام و الجاهزية و التزود بسلاح الوقاية في كل لحظة و الابتعاد عن العائلة، بحيث اتخذ قرار في الأيام الأولى لظهور الوباء، ببقاء كل الأعوان في الوحدات و عدم تنقلهم إلى منازلهم و منهم من لا يزال إلى يومنا هذا يقيم في وحدات العمل لمدة تزيد عن الشهر و النصف بعيدا عن أهله، لتفادي نقل العدوى إلى الأقارب.
و أجمعوا كلهم، على أن العمل في مواجهة فيروس كورونا، كان عصيبا جدا و لم يسبق لهم أن عملوا في هذه الظرف، بالرغم من نشاطهم في عدة كوارث وقعت في الجزائر خلال العقود الأخيرة، منها زلزال بومرداس، فيضانات باب الوادي و غيرها.
24 عونا أصيبوا بكورونا
يذكر المكلف بالإعلام في مديرية الحماية المدنية بالبليدة، عادل الزغيمي، في هذا الإطار، أن أعوان الحماية المدنية كانوا أكثر الفئات عرضة للإصابة بفيروس كورونا، لتواجدهم في الميدان و نقل الحالات المشتبه فيها إلى المستشفيات، كاشفا عن تسجيل إصابة 24 عونا بفيروس كورونا، مازال 4 منهم يخضعون للعلاج في المستشفيات، كما تم تسجيل حالتين خطيرتين، إحداهما لمصاب بمرض مزمن، تجاوز حاليا مرحلة الخطر و البقية يوجدون في فترة نقاهة و ينتظر عودتهم إلى مناصبهم قريبا.
و يذكر محدثنا، أن أعوان الحماية المدينة، كانوا في الميدان منذ اللحظات الأولى لظهورالوباء بالبليدة، مشيرا إلى أنه في البداية كان العمل شبه عادي، بعد إصابة العائلة الأولى في مدينة البليدة و التي انتقل إليها الفيروس عن طريق أحد أقاربها، لكن الخوف و الارتباك بدأ يتسرب إليهم، بعد أن اشتدت الأمور و ارتفاع حالات الإصابة، مضيفا بأن حادثة القطار الذي توقف بمحطة البليدة قادما من وهران و كان يقل مهاجرين غير شرعيين قادمين من إسبانيا و يشتبه في إصابة عدد منهم بفيروس كورونا، كان مرعبا بالنسبة لأعوان الحماية المدنية، بحيث التنقل إلى محطة القطار في مدينة البليدة لتحويل الحالات المشتبه فيها إلى مستشفى بوفاريك، كان أمرا مرعبا بالنسبة لهم في ظل مواجهة عدو خفي، مذكرا بأنهم لم يكونوا يملكون طرق مكافحته و وسائل الوقاية كانت ناقصة، في البداية.
مضيفا بأن الصعود لعربات القطار لتحويل المشتبه فيهم، كان صعبا جدا، خاصة و أنهم لم يكونوا متأكدين مما إذا كان الفيروس ينتشر وسط أروقة العربات و هل هناك إمكانية لنقل العدوى إلى عائلاتهم بعد هذا الحادث؟ أسئلة عديدة طرحت في ذلك اليوم و اتخذ بعدها قرار بضرورة بقاء كل أعوان الحماية المدنية في الوحدات، لتفادي نشر الفيروس وسط عائلاتهم و إلى غاية التعرف على الطرق الصحيحة للوقاية منه و توفير الوسائل اللازمة.
و في السياق ذاته، يذكر عادل الزغيمي، أن أعوان الحماية المدنية، لهم تكوين للتدخل في حالة وجود خطر بيولوجي و منها مثلا الأوبئة التي تظهر في منطقة معينة مغلقة، كالكوليرا مثلا، لكن التدخل في حالة فيروس كورونا أمر جديد و لم سبق لهم التعامل معه و لم تكن لهم أي دراية بطريقة مواجهته، لهذا وقع الأعوان في ارتباك و قلق حول كيفيات التعامل مع الوباء، لكن مع مرور الوقت، يضيف، تأقلموا و تكيفوا معه و أصبح جزءا من يومياتهم، خاصة بعد أن تدربوا على طرق الوقاية منه و توفرت لديهم الأجهزة اللازمة لذلك.
نقل ما بين 25 إلى 45 حالة مشتبه بها يوميا إلى المستشفيات خلال فترة الحجر الكلي
يقول مسؤول الإعلام بمديرية الحماية المدنية، بأن أصعب فترة مروا بها، هي خلال فترة الحجر الكلي و ارتفاع حالات الإصابة بين المواطنين، مشيرا إلى أن مصالح الحماية المدنية، كانت تنقل يوميا و خلال فترة الحجر الكلي الذي خضعت له ولاية البليدة، ما بين 25 إلى 45 حالة مشتبه فيها إلى المستشفيات، في حين بعد رفع الحجر الكلي، أصبحت عناصر الحماية المدنية لا تتدخل سوى لنقل الحالات الإيجابية فقط.
و يشير محدثنا في هذا الإطار، إلى أنه و بعد رفع الحجر الكلي عن ولاية البليدة، كان له تأثير سلبي على مواجهة الوباء، مشيرا إلى أنه و خلال فترة الحجر الكلي، كان يتم الاعتماد على مصالح الحماية المدنية فقط في نقل الحالات المشتبه فيها إلى المستشفيات و أعوان الحماية المدنية مجهزون بكل وسائل الوقاية من الفيروس، كما أن سيارات الإسعاف معقمة، في حين أنه بعد رفع الحجر الكلي و فتح المجال لحركة المواطنين، أصبح يعتمد المواطنون على سياراتهم الشخصية أو سيارات « الكلوندستان» في نقل الحالات المرضية أو المشتبه فيها و هو ما يتسبب في نقل الوباء بشكل أسرع،.
بحيث أن سائقي السيارات غير مزودين بأجهزة الوقاية و السيارات غير معمقة و لم يستبعد المتحدث تسجيل عدد من الإصابات الجديدة، بعد استخدام المواطنين لسياراتهم الشخصية في نقل الحالات المشتبه فيها إلى المستشفيات، مشيرا في ذات السياق، إلى أن الحجر الصحي المنزلي لبعض الحالات المصابة، هو الآخر أمر سلبي و لم يستبعد أيضا وجود حالات مصابة تتجول في الشوارع و قد تنقل العدوى لغيرها من المواطنين.
استقبال 1300 مكالمة يوميا متعلقة بكوفيد19
كما يذكر الزغيمي، أن حالات الهلع و الرعب التي عاشها سكان ولاية البليدة خلال الأيام الأولى لوضع الولاية تحت الحجر الكلي، يعكسها حجم المكالمات الهاتفية التي كانت تصلهم من المواطنين، مشيرا إلى استقبال ما بين900 إلى 1300مكالمة يوميا متعلقة بفيروس كورونا، خلال فترة الحجر الكلي، في حين انخفض عدد المكالمات بعد رفع الحجر الكلي و وضع البليدة تحت الحجر الجزئي، إلى ما بين120و230 مكالمة يوميا.
و تتعلق مكالمات المواطنين، خاصة تلك التي تستقبل خلال فترة الحجر الكلي، بالتبليغ عن حالات مشبه فيها و استفسارات حول طرق الوقاية من الفيروس، كما اتصل أشخاص تماثلوا للشفاء من الفيروس، للاستفسار حول طريقة التعامل مع العائلة بعد مغادرة المستشفى، كما تلقت مصالح الحماية، مكالمات تبلغ عن كسر للحجر الصحي من طرف بعض المواطنين في الأحياء.
مواطنون يخفون إصاباتهم بالفيروس خوفا من نظرة الجيران
و في السياق ذاته، يذكر محدثنا، أن سيارات الإسعاف التابعة للحماية المدنية و أعوان الحماية المدنية الذين يرتدون الأجهزة الواقية من الفيروس، تحولوا إلى مصدر رعب للعائلات، مشيرا إلى تسجيل عدد من الحالات لأشخاص مشتبه في إصابتهم بفيروس كورونا، يرفضون التنقل على متن سيارات الإسعاف التابعة للحماية المدنية و ذلك خوفا من نظرة الجيران لهم، بحيث يصبح التعامل معهم حذرا و لينا، فيما يخفي آخرون الإصابة بالفيروس، حتى لا تتأثر علاقته مع الجيران، مؤكدا على أن بعض العائلات أصبح المهم بالنسبة لهم هو العلاقات الاجتماعية لا الوضعية الصحية الشخصية.
و يضيف مصدرنا، بأن أعوان الحماية كانوا دائما يتدخلون من أجل تحسيس المواطنين بضرورة التنقل على متن سيارات الإسعاف و يعلمونهم بأن السيارات معقمة.
كما تحدث إلينا عن بعض المظاهر السلبية لمواطنين في بعض الأحياء، تصدر منهم بعض الألفاظ السلبية اتجاه أعوان الحماية المدينة الذين يستعملون الأجهزة الواقية و كأن هؤلاء الأعوان هم مصدر الوباء و ليس مصدر الوقاية و الحماية.
تكفل نفسي بأعوان الحماية المدنية و عائلاتهم
قال عادل الزغيمي، بأن مديرية الحماية المدنية لم تغفل التكفل النفسي بأعوانها خلال هذه الفترة الصعبة التي مر بها البلاد، مشيرا إلى تنظيم حصص تكوينية لهم حول كيفية التدخل في الوباء، خاصة و أنه أمر جديد بالنسبة لهم لم يسبق التعامل معه، كما انتقلوا إلى مرحلة ثانية تتعلق بالعناية النفسية بالأعوان الذين تعرض أفراد من عائلاتهم للفيروس و يتم دعمهم بمجموعة من التقنيات حول طرق التعامل مع المحيط العائلي المصاب بالفيروس و في مرحلة ثالثة، يتم التكفل النفسي بالأعوان الذين أصيبوا بالفيروس.
من جانب آخر و عن يوميات أعوان الحماية المدنية خلال فترة الابتعاد عن الوسط العائلي، يقول الزغيمي بأنه بقي شخصيا لمدة 25 يوما بعيدا عن العائلة، مشيرا إلى أنه و بعد عودته إلى العائلة، احترم شروط الوقاية بدقة و كان حذرا في التعامل مع أفراد أسرته لتفادي نقل الفيروس، كما ساهم عن طريق اللعب في توعية أبنائه بهذا الفيروس، دون التأثير على نفسياتهم.
وفي بداية انتشار الفيروس، كان العزل إجباريا بين أعوان الحماية المدنية في الوحدات، لتفادي نقل العدوى، في حين أنه و مع مرور الوقت و التكيف مع الوباء، عادت بعض الأنشطة داخل الوحدات ومنها ممارسة الرياضة الفردية، باعتبار الرياضة مهمة للأعوان، إلى جانب المطالعة و غيرها من الأنشطة.
ن ع