استبعد البروفيسور كاسح لعور أحمد، الباحث في الميكروبيولوجيا السريرية، إيجاد لقاح ضد فيروس كورونا كوفيد 19، بسبب الطفرة المتغيرة لجينات الفيروس، واعتبر البروفيسور رئيس مخبر تحاليل كشف فيروس كورونا كوفيد 19 بمركز مكافحة السرطان بباتنة، في هذا الحوار الذي أجرته معه النصر، بأن حدوث موجة ثانية للفيروس يبقى أمرا وارد ا، في حال عدم الالتزام التام بالإجراءات الوقائية، مستدلا بتاريخ الانفلونزا الاسبانية التي انتشرت سنة 1918 بقوة خلال الموجة الثانية، ومع ذلك طمأن بعدم خطورة الفيروس المنتشر بالجزائر مقارنة بدول أخرى للتغير الحادث في جزيئاته.
حاوره: يـاسين عبوبو
- النصر: بداية، كيف كان استعدادكم لمواجهة فيروس كورونا قبل وبعد تسجيل أولى الحالات بالجزائر؟
أشكركم في البداية لتسليط الضوء على مجهوداتنا، وفيما تعلق بسؤالكم بخصوص الاستعدادات، فقد تجندنا منذ بداية انتشار الجائحة بتشكيل فريق بحث يتكون من باحثين أطباء وجامعيين هنا بولاية باتنة، للانطلاق في العمل على مستوى مخبر مركز مكافحة السرطان، حيث وجهت النداء للباحثين الراغبين للانضمام فتشكل فريق يتكون من 25 شخصا، بين باحثين أطباء وأطباء مقيمين وباحثين جامعيين وشبه طبيين، وكان فريق العمل الذي تم تشكيله على اتصال مسبق، قبل ظهور وانتشار فيروس كورونا، وكانت الجائحة قد جندتنا أكثر فتضافرت جهودنا لمواجهة الجائحة مباشرة بعد تسجيل أولى الحالات بولاية البليدة، وقبلها كنا على دراية مسبقة بما ينتظرنا خلال ظهور الفيروس بالصين، وأتذكر أنه خلال أيام طبية في الثاني عشر من شهر مارس الماضي باشرت الاتصالات لتشكيل فريق البحث.
- النصر: فيما تمثلت مهمتكم، وكيف تعاملتم في البداية مع فيروس مستجد ليس له علاج ولا لقاح؟
بحكم تخصصنا في الميكروبيولوجيا، فإن مهمتنا على مستوى المخبر تركزت على إجراء التحاليل، ولا أخفيك أن البداية لم تكن سهلة في ظل حالة الهوس والبسيكوز من فيروس مستجد لا نعرفه بعد، وبحكم ترأسي للفريق وخبرتي المهنية طيلة 35 سنة تعاملت خلالها في مخابر بحث أمام عدة أوبئة فتاكة، أدركت منذ البداية أن دوري يجب أن يكون التحضير النفسي لفريق البحث، خاصة وأن أغلبهم طلبتي الذين أشرفت على تكوينهم لسنوات، فعملت على تحفيز كافة عناصر فريق البحث لرفع التحدي، وتلبية نداء الواجب المهني، وأحيي الفريق المتطوع من كل المؤسسات الاستشفائية ومن جامعة باتنة، وأشيد أيضا بوقوف إدارة مركز مكافحة السرطان، وعلى رأسها المدير عيسى ماضوي إلى جانب فريق البحث الطبي، من خلال توفير كل الإمكانيات اللازمة.
- النصر: كيف تمكنتم من تجاوز أزمة محدودية إجراء تحاليل الكشف عن كوفيد 19؟
أشير أولا، إلى أننا كنا السباقين وطنيا ممن استعدوا لإجراء تحاليل الكشف عن فيروس كورونا على مستوى المخبر المركزي لمركز مكافحة السرطان بباتنة، وهذا قبل الحصول على الترخيص من معهد باستور، بفضل توفر الإمكانيات، خاصة ما تعلق بجهاز الكشف «بي سي أر» الذي قلما تتوفر عليه مراكز ومخابر البحث الطبية، وكذا تواجد الإطارات المؤهلة، وقد ساعدتنا هذه العوامل على تجاوز عديد العراقيل بعد رفع التحدي، خاصة ما تعلق بالوسط الناقل المستعمل في رفع العينات الذي كان أبرز عائق عند ظهور الجائحة، وكان يسجل اضطراب في توفر أنابيب هذه المادة على المستوى الوطني، وكانت كل ولاية تنتظر حصتها التي لا تتجاوز 50 أنبوبا يوميا من أجل رفع عينات الحالات المشتبه بها.
- النصر: إلى أي مدى بلغت قدرات تحليل المخبر بعد ابتكاركم للوسط الناقل للفيروس؟
ابتكار الفريق البحثي للوسط الناقل للفيروس، كان تحديا وإنجازا في ظرف صعب، وكان الفريق السباق وطنيا بابتكار الوسط وفق المعايير العالمية المعتمدة، وجعل الابتكار من مخبر مركز مكافحة السرطان يستقبل العينات لإجراء التحاليل من مختلف الولايات الشرقية والجنوب شرقية منها، وهي خنشلة وبسكرة إلى جانب ولاية باتنة، وتقديم الدعم أحيانا لولايتي سطيف وعنابة، وبلغنا منذ انطلاق العملية في الثاني عشر من شهر أفريل 2000 تحليل، وأوضح هنا بأنه بالإمكان رفع قدرات التحليل، لكن ذلك مرتبط بجهاز الكشف الذي تبلغ قدرته 96 تحليلا، وأضيف في ذات السياق بأن الوسط الناقل الذي قمنا بابتكاره يتكون من ثلاثة أنواع، بحيث كل نوع يراعي مسافة الحفظ، وتتمثل في النوع الموجه لمخبر باتنة لإجراء تحليل آني، ونوع يحفظ الفيروس على مسافة 40 كلم، ونوع ثالث يحفظ الفيروس إلى غاية وصوله للمخبر على مسافة تزيد عن الألف كلم.
- النصر: ما الفرق بين الكشف عن فيروس كورونا مخبريا أو بأجهزة الأشعة والكاشفات المستحدثة لذلك؟
تكمن أهمية إجراء التحاليل المخبرية بصفة خاصة، في الكشف عن الحالات المؤكدة للأشخاص الذين يحملون الفيروس دون أن تظهر عليهم الأعراض المرضية، وهي الحالات التي تشكل أكبر خطر في نشر العدوى إلى الآخرين، وهو ما لاحظناه من خلال التحاليل وسط عائلات تحمل نفس اللقب، وبالتالي فإن اكتشاف هذه الحالات يمكن من عزلها لتفادي انتقال العدوى، وعلى عكس التحاليل المخبرية، فإن أجهزة الكشف بالأشعة والكاشفات، لا تكتشف سوى الحالات المتقدمة من المرض التي ظهرت عليها الأعراض، وأشير إلى أن الوسط الناقل لفيروس كورونا، ناهيك عن رفعه وتوسيعه لدائرة تحاليل الكشف عن فيروس كورنا كوفيد 19، فإن ابتكاره وإنتاجه على مستوى مخبر مركز مكافحة السرطان بباتنة، مكننا من إجراء التحاليل وكشف النتائج بسرعة في اليوم نفسه من رفع العينة، وكذا دعم مخابر أخرى بهذه المادة الأساسية التي توفر في أنبوبين صغيرين، ومن بين المخابر التي استفادت منه معهد باستور.
- النصر: كيف تقيمون الوضعية الوبائية بالنظر إلى مؤشر الحالات المسجلة؟
أشير أولا، أن العامل الذي يمكن أن يشكل أكبر خطر في تفاقم الوضعية الوبائية يأتي من قبل الأشخاص الحاملين للفيروس، الذين لا تظهر عليهم الأعراض المرضية، وكما أشرت مسبقا فإن التحاليل وحدها في هذه الحالات الكفيلة بكشف الإصابات المؤكدة، وبالنسبة للوضعية الوبائية من خلال أرقام نتائج التحاليل، فهي لاتزال غير مستقرة، فأحيانا نسجل ارتفاعا، وأحيانا نسجل انخفاضا في عدد الحالات، وهنا أشير إلى أن انخفاض أو ارتفاع عدد الحالات المسجلة مرتبط بمدى التزام المواطنين بالحجر الصحي، وإجراءات الوقاية، حيث لاحظنا ارتفاعا خلال الأسبوع، الذي تلى رفع الحجر خلاله في شهر رمضان نتيجة عدم احترام إجراءات الوقاية.
- هل نفهم من كلامكم أن كبح انتشار الفيروس مرتبط بالتطبيق الفعلي للحجر الصحي؟
هذا أمر منطقي، وهو ما رصدناه من خلال نتائج التحاليل التي كان خلالها انخفاض الحالات، وارتفاعها يبدو جليا مرتبطا بمدى التقيد بالحجر الصحي وإجراءات الوقاية، وانتشار الفيروس بقوة في فترات كان بسبب الاستهزاء، وتحقيقات وبائية كشفت على أن انتشار الفيروس في حالات كان خلال حفلات وجنائز، كان يتواجد بهم أشخاص يحملون الفيروس دون أن تظهر عليهم الأعراض، ومن حسن حظنا بالجزائر أن فيروس كورنا كوفيد 19، خطورته أقل حدة مقارنة بالفيروس الذي ظهر بيوهان الصينية ودول أخرى، وهذا راجع لتغير الطفرة الجينية للفيروس جعلته يفقد شراسته، وهذا لا يعني أن نتساهل بل يجب علينا التعامل مع الوضع دون تهويل ولا تهوين، من خلال احترام إجراءات الوقاية باحترام الحجر ووضع الكمامة.
- هل نقص حدة خطورة فيروس كورونا وراء الاستهزاء لدى البعض في الالتزام بإجراءات الوقاية؟
تراجع خطورة فيروس كورونا بالجزائر مقارنة بدول أخرى، لا يعني الاستهزاء في التعامل مع الوضع لكن للأسف هذا ما نلاحظه، وهو ما يثبط معنويات وجهود الأطباء الساهرين على مكافحة الفيروس، وهو ما جعلني أؤكد على التعامل بحذر دون تهويل ولا تهوين، والاستهزاء بالفيروس، أعتبره جهلا، والتخلص من جائحة كورونا يبقى مرتبطا بمدى الوعي والالتزام بإجراءات الوقاية، وللأسف لازلنا نلاحظ تهاونا وتجاهلا للفيروس من طرف الكثيرين، وهو ما من شأنه أن يطيل في عمر الأزمة.
- النصر: التباين في عدد ضحايا كورونا بين البلدان يرجع إذن للتغير في جينات الفيروس؟
صحيح، فمن حسن حظنا أن فيروس كورونا بالجزائر كما سبق وأن أشرت خطورته أقل حدة مقارنة بالفيروس المنتشر في باقي المعمورة، فالفيروس الذي ظهر بيوهان الصينة أشد فتكا، والذي حدث هو أن الفيروس في الجزائر وإفريقيا وقعت عليه طفرة في جيناته، ويفقد جزيئاته، ما جعله يفقد شراسته وأبانت الدراسات العلمية عن حدوث أزيد من أربعة الاف طفرة تغير في جينات الفيروس، وبالإضافة إلى ذلك توجد عوامل أخرى ساهمت في التبيان في عدد ضحايا فيروس كورونا كوفيد 19، فالمجتمعات الغربية متقدمة في السن عكس مجتمعنا، وكانت فئة كبار السن الشريحة الواسعة التي عرفت تسجيل وفيات وسطها، ومن بين العوامل التي أدت إلى التباين في عدد الضحايا أيضا، هي الاختلاف في طبيعة ودرجة المناعة.
- النصر: ما تعليقكم على الجدل الذي ثار حول فعالية بروتوكول العلاج الكلوروكين؟
أظن أن الكلوروكين كان له الأثر الواضح في الحد من تكاثر الفيروس، وأبان عن جدوى وفاعلية في ظل عدم وجود علاج بديل ولا لقاح وحتى إن كانت له تأثيرات أو مضاعفات سلبية فهي طفيفة وتحت مراقبة الأطباء، وكانت حالات لمصابين متقدمين في السن قد شفوا، بينهم عجوز من تينيباوين تبلغ من العمر 94 سنة، وعجوز بثنية العابد عمرها 90 سنة، وحتى بالنسبة لمنظمة الصحة العالمية فقد تراجعت عن عدم اتباع علاج الكلوروكين، ومعروف عن مقترح العلاج الباحث الفرنسي ديدييه راوول خبرته حول علاج الكلوروكين.
- النصر: هل يمكن التوصل إلى إيجاد لقاح ضد فيروس كورونا كوفيد 19؟
الوصول إلى لقاح ضد الفيروس ليس أمرا سهلا، بل أجده أمرا مستبعدا، مادامت طفرة الفيروس متغيرة مثلما تحدثنا، دون أن ننسى الجانب المالي لأن قيمته ستكون باهضة الثمن، ولنا مثال في فيروس السيدا الذي ليس له لقاح لأن جزيئاته تتغير، وللاستقرار على لقاح يجب استقرار جينات الفيروس، وحتى إن تم ابتكار لقاح فإن فعاليته ستكون محدودة الزمن، وبالنسبة لفيروس كورونا كوفيد 19، فإن الدراسات اكتشفت حدوث الاف الطفرات على جزيئاته، ما جعل خطورته تختلف، كما أن الداء إذا وُجد له الدواء فهو ليس بحاجة إلى لقاح.
- النصر: هل تتوقعون زوال الجائحة بعد رفع الحجر الصحي، أم يمكن حدوث موجة أخرى؟
أتوقع أن يختفي الفيروس تدريجيا مثلما حدث مع فيروس سارس كوف 01 في 2003، لكن أخشى في الوقت نفسه حدوث موجة أخرى تكون أقوى كالنار في الهشيم، وتاريخ الأوبئة والأمراض المعدية أثبت ذلك، فالإنفلونزا الإسبانية التي ظهرت سنة 1918 كانت أكثر انتشارا في الموجه الثانية بعد الرفع عن التباعد الاجتماعي، لهذا وجب على السلطات أخذ ذلك بعين الاعتبار بالتطبيق الصارم للقوانين المتعلقة بالوقاية من انتشار الفيروس، وأشير إلى أن وضع الكمامة في التجمعات إلزامي، والتصرف بحكمة يجنبنا موجة ثانية.
- النصر: هل من كلمة أخيرة؟
بودي أن أغتنم الفرصة لأحيي كافة الفريق الذي عمل و لايزال يعمل بجد بمخبر مركز مكافحة السرطان بباتنة وللجيش الأبيض عبر المستوى الوطني، وأشكر أيضا الإدارة على تجاوبها معنا بتوفيرها لكل المتطلبات، وأدعو المواطنين إلى التقيد بإجراءات الوقاية لأن ذلك يساهم في تثمين مجهودات الأطقم الطبية الساهرة على مكافحة جائحة كورونا، وبودي أن أشير إلى إعداد مجلة علمية ستصدر في عددها الثالث نهاية الشهر الجاري، وهي عبارة عن عدد حصري حول فيروس كورونا كوفيد 19 تصدر عن الجمعية العلمية المكروبيولوجية السريرية
الأوراسية.
ي . ع