- العديد من التعديلات تدُعم وتكرس مفاهيمَ الحكم الراشد في الجزائر الجديدة
يرى الدكتور عربي لادمي محمّد، أنّ نص التعديل الدّستوري الحالي يُؤسس لتكريس وتنظيم المؤسسات الدّستورية والحرص على اِستقلاليتها واِستحداث مؤسسات جديدة تسمو بالدولة الوطنية إلى اِستكمال مطمحها المنشود. مؤكداً من جهةٍ أخرى أنّ عملية الاِستفتاء على الدّستور الحالية في حد ذاتها تُعدُ مكسبًا ديمقراطيًا للشعب الجزائري بعدما سُلبَ منه منذ 24 سنة وفي محطات عديدة ومصيرية، وبالتالي عملية الاِستفتاء على الدّستور هي اِستعادة الشعب لسيادته مُجددًا. مُعتبراً أنّ مشروع تعديل الدّستور لبنة أساسيّة لبناء دولة حديثة بمعايير أكثر وأعمق ديمقراطية، حيث كان أكثر وضوحًا في تحديده للمرجعية السّياسيّة والتاريخيّة للهوية الوطنية في ديباجته. كما أنّ أكثر ما ميَّز مشروع التعديل الحالي في هذا الخصوص هو تحديده بيان أوّل نوفمبر مصدراً للشرعيّة السّياسيّة ومرجعًا دستوريًا لقوانين الجمهورية. الدكتور لادمي، أشاد بتحديد العهدات، قائلا في هذا السياق: «تحديد العهدات النيابية يُعتبر مكسبًا ديمقراطيًا تميَّز به التعديل الدّستوري عن باقي الدساتير السابقة التي عرفتها الجزائر».
حاورته/ نـوّارة لحــرش
تكريس دولة الحق والقانون من خلال إعطاء الأولويّة للحقوق الفردية والجماعية
أي آفاق يحملها نص مشروع تعديل الدّستور. وهل هو كفيل بخلق طبقة سياسيّة لديها مسارات سياسية واضحة؟
- عربي لادمي محمّد: في البداية لابدّ من الإشارة إلى أنّ عملية الاِستفتاء على الدّستور الحالية في حد ذاتها مكسبًا ديمقراطيًا للشعب الجزائري بعدما سُلِب منه منذ 24 سنة وفي محطات عديدة ومصيرية، وبالتالي عملية الاِستفتاء على الدّستور هي اِستعادة الشعب لسيادته مُجددًا.
فمشروع تعديل الدّستور الحالي يُعتبر لبنة أساسيّة لبناء دولة حديثة بمعايير أكثر وأعمق ديمقراطية، حيث كان أكثر وضوحًا في تحديده للمرجعية السّياسيّة والتاريخيّة للهوية الوطنية في ديباجته، سواء تعلق الأمر بالمركز التاريخي للجزائر منذ آلاف السنين مروراً بالحضارات التي عرفتها إلى عصر الدولة الوطنية منذ الاِستقلال مثل ما نص عليه دستور2016، فالأمة التي ليس لها تاريخ لن يكون لها وجود في المستقبل.
أمّا ما ميَّز مشروع التعديل الحالي في هذا الخصوص هو تحديده بيان أوّل نوفمبر مصدراً للشرعيّة السّياسيّة ومرجعًا دستوريًا، فتوحيد المرجعية السّياسيّة يُساهم في توحيد الأمة، بالإضافة إلى التأكيد على ثوابت الهوية الوطنية الثلاثة: الإسلام، العربية وتمازيغت، وهو ما يُساهم في الاِندماج المجتمعي ووحدة الشعب وتعاضده.
كما أكد التعديل الدّستوري الحالي الحفاظ على مكون الهوية الوطنية المُتعلق باللّغة سواء العربيّة وحمايتها وتعميمها و استمراريتها وكذلك الاِعتراف بتمازيغت كلغة وطنية ورسمية تعمل الدولة على تطويرها وهو مكسب نضال الشعب الجزائري، والتي تبلورت بشكلٍ جلي في دستور2016.
كما أنهت النسخة النهائية لمشروع تعديل الدّستور الجدل المجتمعي حول بند حرية المُعتقد الّذي اِعتبره الكثيرون بأنّه تهديد للإسلام في بلد الإسلام، لما أسقطت لفظ المُعتقد من المادة 51 (لا مساس بحرية الرأي) والتي نصت في دستوري 1996 و1989 بحرمة المساس بحرية المُعتقد وحرية الرأي.
هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى نرى بأنّ هذا التعديل، يُكرس دولة الحق والقانون من خلال إعطائه الأولويّة للحقوق الفردية والجماعية مع ضمان حياد الإدارة وتكريس العدالة الاِجتماعية، و الرقابة، واستقلالية القضاء، هذه الأخيرة التي تدعمت من خلال التعديلات التي طرأت على تشكيل المجلس الأعلى للقضاء وتكريس حرية أكبر للقُضاة، واستحداث محكمة دستورية تسهر على مطابقة التشريعات للدّستور وعدم خرق بنوده.
أمّا بخصوص كفالة التعديل الدّستوري بخلق طبقة سياسيّة ذات مسار واضح، فإنّ المادتين 54 و57 من المشروع حددتا العديد من الاِمتيازات التي تُساهم في تكريس حرية الصحافة والعمل الصحفي وكذلك إنشاء الأحزاب وعملها، ومن المعلوم أنّ للصحافة والأحزاب دورٌ كبير في صقل التنشئة والثقافة السياسيتين للطبقة السّياسيّة، وهذه الاِمتيازات اِفتقدتها الدساتير السابقة التي أشارت إلى حرية الصحافة وإنشاء الأحزاب بشكلٍ مُقتضب وبدون اِقتراح آليات للتطبيق.
تحديد العهدات النيابية يعتبر مكسبًا ديمقراطيًا
برأيكم هل حق التنظيم وحرية التعبير وتحديد العهدات سواء في رئاسة الجمهورية أو البرلمان التي يضمنها مشروع الدّستور الجديد ستساهم خلال السنوات المقبلة في تجديد الطبقة السّياسيّة وخلق التغيير بطريقة سلسلة والوصول إلى بناء دولة القانون؟
- عربي لادمي محمّد: بالفعل، يمكن ذلك، لأنّ المُلاحظ في الحياة السّياسيّة في ظل نظام العهدات المفتوحة وهو ما ميّز الساحة السّياسيّة إثر التعديلات الدّستوريّة التي أجازت فتح العهدات للرئيس لإعادة اِنتخابه مجدداً وهو أمرٌ أعاق عملية التداول على السلطة.
أمّا على مستوى المجالس الوطنية، فإنّ عدم تسقيف العهدات النيابية أدى بالطبقة السّياسيّة إلى الركود وعدم التجديد في الأفكار وعدم الفعّاليّة، كما تكرس ما يُسمى بالنمط الديمقراطي الهش، فالنائب الّذي لم يقدم أي إضافة لدائرته الاِنتخابية خلال 10 سنوات من اِنتخابه، لا يمكنه أن يصنع أي تغيير في عهدات لاحقة بل بالعكس، إذ نجد أنّ العديد من النواب يدخلون البرلمان في العهدة الأولى باِسم الشعب، ويُقيمون في البرلمان لعهدات مُتتالية باِسم المال أو النفوذ أو القبلية، دون أن يقدموا أي تغيير.
كما أنّه بتحديد العُهدات فإنّه سيتم ضخ دماء جديدة كلّ 10 سنوات على الأكثر ويمكن من خلالها تقديم إضافة نوعية، خاصةً في ظل تعديل قانون الاِنتخاب الّذي اِشترط المستوى الجامعي للترشح.
ويعتبر تحديد العهدات النيابية مكسبًا ديمقراطيًا تميز به التعديل الدّستوري عن باقي الدساتير السابقة التي عرفتها الجزائر، وذلك لتحقيق الفاعلية وفسح الفُرص للجميع لمُمارسة العمل السياسي وعدم اِحتكاره من خلال تجديد العهدات اللا محدود.
لأوّل مرّة يتم تحديد بيان أوّل نوفمبر كمرجع دستوري
ما هي برأيكم أهم أو أكثر الأمور الإيجابية التي اِحتواها مشروع تعديل الدستور؟
- عربي لادمي محمّد:باِختصار أهم الأمور الإِيجابية التي تضمنها الدّستور تتمثل في: -التأكيد على البُعد الحضاري للجزائر الضارب في التاريخ والمُتعدّد الأقاليم. -تحديد ولأوّل مرّة بيان أوّل نوفمبر كمصدر للشرعية والمشروعية السياسيتين، واعتباره مرجعًا دستوريًا لقوانين الجمهورية. -التأكيد على قداسة الثوابت الوطنية: الإسلام، العربية، تمازيغت. -رفع القيود الإجرائية عن النشاط الصحفي والحزبي وفسح المجال لحرية الرأي والتعبير بكلّ الوسائل السمعية والمرئية والإِلكترونية.
التعديل رفع من مركز الحقوق الأساسيّة والحريات العامة للفرد أمام الإدارة والمؤسسات
باب الحريات الفردية والجماعية. هل ترون أنّه سيُساهم بفتح المجال للتنظيم وتسهيل عملية تأسيس الجمعيات التي كانت تتطلب وقتًا طويلاً لمنح التراخيص والاِعتماد؟
- عربي لادمي محمّد:يدعم باب الحريات الفردية والجماعية ببنود جديدة في التعديل الحالي، فهو يدعم تبلور الفكر الجمعوي والنقابي، ما يجعل تلك الجمعيات أكثر فعاليّة ونجاعة مِمَّا مضى. خاصةً وأنّ هذا التعديل رفع من مركز الحقوق الأساسيّة والحريات العامة للفرد أمام الإدارة والمؤسسات، في مادته34: إذ تلـزم الأحكـام الدّستورية ذات الصلة بالحقوق الأساسية والحريات العامة وضماناتها، جميع السلطات والهيئات العمومية.
المشروع اِستحدث مؤسسات ذات أهمية كُبرى في تحقيق الإصلاحات
حسب نظرتكم. هل يحمل أو هل يُشكل مشروع التعديل الدّستوريّ الّذي سيُعرض للاِستفتاء الشعبي في الفاتح من نوفمبر، أي -بعد أيّام قليلة- بوابة للإصلاحات في مُختلف المجالات والقطاعات؟ وهل القوانين العضوية الصادرة عن مشروع التعديل الدّستوري ستعمل على تقديم هذه الإصلاحات؟
- عربي لادمي محمّد:تضمن التعديل الدّستوري الحالي عِدة إصلاحات في مجالات وقطاعات مختلفة، خاصةً في ما يتعلق بالحريات الفردية والجماعية، وكذلك في قطاع العدالة، كما اِستحدث مؤسسات ذات أهمية كُبرى في تحقيق الإصلاحات كالمحكمة الدّستوريّة، والهيئة المُستقلة للاِنتخابات وكذلك السلطة العُليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته. بالإضافة إلى تنظيم مؤسسات الدولة بِمَّا يرقى بالدولة إلى مصاف دولة الحُكم الراشد ودولة الحق والقانون. لكن هذه الإصلاحات لا يمكن أن تُؤتي أكلها إلاّ باِستحداث قوانين عضوية تتلاءم مع طموحات الإصلاحات المنشودة.
النص يُؤسس لتكريس وتنظيم المؤسسات الدّستورية والحرص على اِستقلاليتها
دولة المؤسّسات حاضرة في مشروع التعديل الدّستوري بكثير من التعزيز والمراهنة. هل يمكن أن تُؤسس حقًا لمرحلة مفصلية لاِستكمال مسار الدولة الوطنية؟
- عربي لادمي محمّد: لا يمكن لأي دولة بلوغ مستوى النضج والاِستقرار والمتانة ما لم تكن لها مؤسسات دستوريّة تتسم بالرصانة والاِستقلالية والرشادة والاِستقرار، وهو ما حاول التعديل الدّستوري الحالي تكريسه. وذلك من خلال تنظيمه للمؤسسات الدّستورية والحرص على اِستقلاليتها وكذلك وضع الحدود لوظائفها والفصل فيما بينها، واِستحداث مؤسسات جديدة تسمو بالدولة الوطنية إلى اِستكمال مطمحها المنشود.
برأيكم هل الدّستور الجديد يحتوي على تعديلات تصبُ في خانة بناء وتكريس المفاهيم الواسعة للحُكم الراشد في الجزائر الجديدة؟
- عربي لادمي محمّد: تُعَرِّف منظمة الشفافيّة الدولية الحُكم الرشيد بأنّه: هو الغاية الحاصلة من تكاتف جهود كلّ من الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني ومختلف المواطنين في مكافحة ظاهرة الفساد، بدايةً من جمع المعلومات وتحليلها ونشرها لزيادة الوعي العام حول الظاهرة، وخلق آليات تُمَكِّن هذه الأطراف من القضاء على الظاهرة أو على الأقل التقليص منها. وقد أتت العديد من التعديلات في مشروع الدستور تدُعم وتكرس مفاهيم الحُكم الراشد في الجزائر الجديدة، أهمها: -اِستحداث هيئة السلطة الوطنية المُستقلة للاِنتخابات، وهي مكسب ديمقراطي، ينقل العملية الاِنتخابية من يد الإدارة التي قد تنحاز وقد لا تضمن نزاهة الاِنتخابات، إلى طرف مستقل وصاحب إجماع وطني، يسهر على نزاهة الاِنتخابات وسلامة إجراءاتها. هذه السلطة التي تلعب دوراً كبيراً في تكريس نزاهة الاِنتخابات والشفافية وهي بالتالي تُساهم في بناء دولة ديمقراطية وسلطة ذات مشروعية سياسيّة. -اِستحداث هيئة السلطة العُليا للشفافية والوقاية من الفساد ومحاربته، التي تسعى إلى تحقيق دولة الحُكم الراشد ودولة الحق والقانون، بالإضافة إلى مكافحة الفساد. بالإضافة أيضا إلى اِعتماد المحكمة الدّستورية بدلاً من المجلس الدّستوريّ، والتي تسعى دومًا إلى الحفاظ على روح الدستور وعدم تعارض القوانين العضوية معه. ناهيك عن العديد من المواد التي تُنظم سير المؤسسات وتحمل الطابع الرقابي القبلي والبعدي للأفراد والمؤسسات في إطار تنفيذ السياسات العامة.
ن/لـ