أكد خبراء واقتصاديون للنصر، على هامش المنتدى الدولي حول الاستثمار و المقاولاتية، الذي نظم، أول أمس بسكيكدة، قدرة الجزائر على تحقيق نهضة اقتصادية من منطلق المقومات التي تمتلكها في مختلف المجالات، معتبرين لقاء رئيس الجمهورية والحكومة بالولاة خطوة هامة لتحسين الجانب المعيشي للمواطن، كما أشاروا إلى أن الملتقى فرصة لإبراز مشاريعهم وأفكارهم ومناسبة للاحتكاك وتبادل الخبرات وإبرام اتفاقيات مع دول أوروبية وإفريقية، كما يعد خطوة تبشر بمستقبل واعد في الاقتصاد الوطني خارج الريع البترولي.
كمال واسطة
* أمين بوطالبي رئيس المركز العربي الإفريقي للاستثمار والتطوير
الإقلاع الاقتصادي ممكن بالاعتماد على المؤسسات الصغيرة
كيف تقرأ الراهن الاقتصادي للجزائر في ظل التحولات الاقتصادية الإقليمية والدولية ؟
يعد منهج الحكومة لبناء مؤسسات ناشئة ذات بعد إقليمي و دولي ـ كما جاء في أفكار رئيس الجمهورية ـ ليس بالشيء المستحيل ويمكن تحقيقه، و لنأخذ مثلا دولة الفيتنام، التي استطاعت بفضل مؤسسات صغيرة في ظرف عشر سنوات أن تنافس شركات صينية عملاقة في البيع الالكتروني، وهو ما يمكن تحقيقه في بلادنا لأننا الآن نملك مقومات النهضة الاقتصادية والإقلاع الاقتصادي ولا بد أن نحقق هذا بالإرادة والتجرد لوطننا، لأن إفريقيا ليست بعيدة ونأخذ مثالا بما جاء في تدخل مستشار سفارة أوغندا خلال هذا الملتقى والذي لمح إلى العديد من المقومات وقال إن بلاده تحتاج إلى كل السلع الجزائرية ويمكن تحقيق تعاون مع الجزائر في العديد من المجالات.
وكما جاء أيضا على لسان ممثل سفارة الفيتنام أنه منذ سنوات تقوم بلاده باستيراد مليون طن من مادة «الخروب» معتبرا مثل هذه المعاملات ثمينة، و أن الجزائر جنة، و لذلك يجب أن نعي أنه بإمكاننا بناء مستقبل أفضل لجيل قادم، و على شباب اليوم أن يشتغل بإرادة قوية جدا، و لا بد أن نعبد ونفتح له الطريق لولوج الأسواق العالمية ودخول إفريقيا من بابها الواسع، ويمكن أن نتقدم ونصير دولة قوية جدا في مصاف الدول التي تعرف تنافسية مثل الفيتنام التي كانت دولة فقيرة، لكن حاليا مؤسساتها غزت العالم واستطاعت أن ترسم أحلام الشباب الفيتناميين، الذين كانوا قبل سنوات لا يتوقعون إطلاقا أن تصبح بلادهم بما هي عليه في الوقت الراهن، وتنافس أكبر الدول، وما لاحظناه مؤخرا من دعوة الرئيس الأمريكي السابق ترامب للقاء الرئيس الفيتنامي يدخل ضمن هذا الإطار. وكما جاء أيضا في كلمة السفير الفيتنامي أن بلاده تنافس اليابان وسنغافورة، لذلك يجب أن نرسم أحلامنا وأمالنا مع دول استطاعت أن تصنع نهضة عملاقة في ظرف وجيز وهذا يمكن أن يتحقق.
أي دور للمؤسسات الصغيرة في النهوض بالاقتصاد الوطني ؟
في كل أنحاء العالم إذا لم تمتلك مؤسسات صغيرة ومتوسطة لا يمكنك أن تحدث ثورة صناعية، لأن كل مؤسسة تتكون من شخصين إلى غاية 25 شخصا أو أكثر، وأغلبها عائلية، واليوم لا بد علينا أن نعي أن المؤسسة الصغيرة إذا لم تساعدها المؤسسة الكبيرة لا يمكن أن تعيش لأنه حتى في المناولة لا بد أن يكون هناك تنويع أو تكامل بين المؤسسة الكبيرة و الصغيرة و المتوسطة، وفي الواقع المؤسسة الصغيرة هي أهم حلقة اقتصادية في أي منظومة اقتصادية عالمية.
يمكن بهذه المؤسسات المصغرة، الوصول إلى الأسواق العربية أيضا، و بحكم عضويتي في جامعة الدول العربية وعضو بمجلس إدارة الاتحاد العربي لمعرض المؤتمرات العربية، نحن دائما نأمل لبناء علاقات اقتصادية وتجارية بين الدول العربية، وهناك اتفاقيات عديدة بين الدول العربية لكنها غير مفعلة نظرا لعراقيل أو ربما بسبب لوبيات أجنبية، وبالتالي التحدي كبير لكنه ليس مستحيلا و يمكن أن نرسمه من خلال هذه اللقاءات وتنظيم أفكارنا وترتيب أولوياتنا.
كيف تقيّم مناخ الاستثمار في الجزائر ؟
حتى أكون صريحا، في الجزائر لا يوجد مناخ استثمار واضح، و هذا مشكل كبير جدا لأنه يؤثر على الفرد والأسرة والمجتمع، اليوم لا بد علينا أن ننفتح على اقتصاد حقيقي وفق استراتيجية وطنية على المديين المتوسط والطويل، وننخرط في أجندات 2063 بالنسبة لإفريقيا وننخرط أيضا وفق الآليات والمكونات والمتغيرات الموجودة لترتيب الأوراق والأفكار، ونحضر لأشياء لا يمكن أن نعلمها و جائحة كورونا علمت الجميع أن نترك أشياء بديلة في الاقتصاد وهذا هو عملنا الآن.
ما رأيك في مخطط الحكومة في شقه المتعلق بالاقتصاد والتنمية؟
نستبشر خيرا بهذه المخططات الاقتصادية، التي برمجتها الحكومة لتطوير وتنويع الاقتصاد، خاصة إذا توفرت الجرأة والإرادة والحزم وسارت هذه المخططات نحو أهدافها المسطرة، و ما لقاء رئيس الجمهورية والحكومة والولاة، إلا لتحميل مسؤولية برنامج عمل الحكومة، وهو شيء مهم جدا بالنسبة للولاة، الذين عليهم تحمل المسؤولية خاصة وأن رئيس الجمهورية سيلغي تجريم الخطأ وعلى الوالي أو المسؤول المحلي أن يدرك ما عليه من مسؤولية وكل عرقلة لأي مشروع يعني عرقلة 100 أو 200 عائلة، و هذا شيء يؤثر على الاقتصاد وعلى الدوران العادي للمنظومة المالية.
* عبد المالك بن لعور رئيس لقاء شباب الجزائر
نسعى لجعل الشباب ينتقلون من طالبي وظيفة إلى منتجين
أرى بأن المتندى الاقتصادي الدولي الذي نظم بولاية سكيكدة، هو منتدى مهم جدا للشباب السكيكدي، والجزائري بصفة عامة، وهو ليس منتدى شكلي أو محلي أو «للبريستيج» كما يعتقد البعض وإنما هو منتدى حقيقي يسمح بتبادل الخبرات والتجارب، حضره ممثلو مؤسسات من دول أوروبية وافريقية، وركزنا على الأخيرة لأننا نرى بأنها سوق عذراء وواعدة للشباب الجزائري للاستثمار فيها، وأردنا احضارهم إلى سكيكدة من أجل الاحتكاك المباشر والتواصل فيما بيننا، خاصة وأن هؤلاء الأجانب أبدوا استعدادا للتعامل مع الشباب الجزائري، ونحن نريد ونسعى أن ينتقل من شاب يطلب وظيفة عمل إلى شاب يحاول أن يكون رب عمل، ويصنع ثروة وإنتاجا ويساهم في التنمية الحقيقية للبلاد، وهذا لن يتأتى سوى بالأخذ بزمام المبادرة والشجاعة في الذهاب إلى إنشاء مؤسسات ناشئة وفق ما جاء في برنامج الحكومة ورئيس الجمهورية، خاصة وأن الدولة تمنح تسهيلات كبيرة في هذا المجال ولذلك نحن بهذا النقاش مع فعاليات المجتمع المدني نسعى أن تكون لنا بصمة ودور في المساهمة في تنمية اقتصادنا، وترسيخ ثقافة المقاولاتية، والاستثمار لدى الشباب الجزائري.
* الهواري تيغرسي خبير اقتصادي
«الرقمنة» هي الحل السحري لتحقيق التطور الاقتصادي
هل لك أن تبين أهمية ودور الرقمنة في تحقيق التطور الاقتصادي ؟
«الرقمنة» تعني كل العراقيل والأوراق والملفات، التي لا بد أن تنتقل من الجانب الورقي إلى الجانب المعلوماتي وفي الاقتصاد الرقمي توجد رقمنة، وتحول رقمي لأنه مثلا لما نأخذ على سبيل المثال الدعم الاجتماعي في ميزانية الدولة، تقريبا يمثل 25 في المائة بقيمة 20 ألف مليار دج، ما يعادل 17 مليار دولار لكن ما يصل للمواطن يبلغ 20 في المائة فقط بمعنى أن الرقمنة لها قيمة كبيرة، وفي هذا الجانب يمكن أن نجمع 12 مليار دج من خلال هذا القطاع.
ففي قطاع التعليم العالي مثلا، كل العالم كان يدرس بطريقة عادية في فترة كورونا، إلا الجزائر التي حصل بها شبه توقف، بسبب إشكالية في الاعتماد على الرقمنة بالنسبة لوصول الأنترنت إلى المناطق السكنية المعزولة، وحتى في الجانب العلمي له أثر يمكن أن تضيع سنة أو سنتين هذا فقط لتطبيق طريقة للدراسة، ولك أن تتصور عندما يكون كل شيء بقطاع التعليم العالي مرقمن.
وكذلك السيولة النقدية، 50 في المائة توجد في السوق الموازية، و تقدر بين 60 و70 مليار دولار، لو نعتمد على الرقمنة في هذا الجانب خاصة في رفع القدرة الشرائية للمواطن من خلال استعمال البطاقة الرقمية أو البنكية من خلال منح تحفيزات جبائية فيما يخص استعمال هذه الرقمنة، بمعنى أن الأموال الموجودة في السوق الموازية تأتي من المواطن، وبهذه التقنيات البسيطة تكون حافزا بالنسبة للمواطن في إطار بنكي وطبعا هذه الأموال تصب في حسابات التجار على مستوى البنوك وهنا تحدث شفافية بالنسبة للمتابعة والمراقبة الضريبية.
ولما نتحدث عن الضريبة في الجزائر، هناك حوالي 70 في المائة منها لا تدخل الخزينة العمومية وتدخل فقط 30 في المائة، لكن لما نطبق الرقمنة الحديثة يمكن معرفة مسار الأموال، كما توفر منصات رقمية في كل القطاعات، مثلا في وزارة الفلاحة لما نتحدث عن الانتاج الفلاحي كل المعطيات تنقل كلها في المنصة الرقمية ويكون بحوزتنا كل المعلومات، و بهذا يتم القضاء على الاحتكار في الأسواق الوطنية. كما يجب التذكير أنه بعد أشهر قليلة سوف ينطلق الاحصاء العام للسكان ولا بد ألا يبقى في الوتيرة الكلاسيكية كالسكن، عدد الغرف، والكهرباء ..إلخ، إذ يجب أن ننتقل إلى المعطيات التي نحتاجها ونستغلها، مثلا في كيفية منح الدعم والميزانية المقترحة.
والرقمنة من موقعي كخبير اقتصادي هي أرقام مالية كبيرة جدا وأعتقد أن 50 في المائة من المداخيل الوطنية تأتي من الرقمنة، ويمكن القول أنها هي الحل السحري للقضاء على البيروقراطية الإدارية وكذا مشاكل الانتخابات و معوقات الاستثمار والبنوك.
ما تعليقك على المخططات والتوجهات التي سطرتها الدولة للنهوض بالاقتصاد ؟
هي مخططات مهمة جدا، لكن يجب أن تمر عبر آليات وميكانيزمات، فمثلا في عملية التمويل هل نلجأ إلى الاقتراض أو الطبع هنا تكمن الإشكالية، وإذا أخذنا مشكلة الدعم سيتم حلها في مراحل قادمة وأتوقع أن تكون صعبة جدا، إلا إذا توفرت الإرادة السياسية، ولا بد من إصلاحات مالية كبيرة على مستوى البنوك لأننا ورثنا تركة بيروقراطية على مستوى هذه المؤسسات المالية والمراحل القادمة لا بد أن يرتكز العمل فيها على كيفية إصلاح ذلك الشخص الموجود في البنك، و هل يمكن أن يتماشى مع هذه الإصلاحات.
وهناك أيضا الاصلاح على مستوى الجباية، خاصة إذا علمنا أن الجباية في الجزائر أقل استثمارا وقيمتها كبيرة جدا تقريبا 52 في المائة، بينما قيمتها في دول افريقيا تبلغ قيمتها الضريبية 14 أو 15 في المائة ما يجعل المستثمر يتهرب من السوق الموازي، خاصة وأن 90 في المائة من المؤسسات الوطنية موجودة في السوق الموازية.
كذلك في الجانب المتعلق بالعقار الصناعي، لما نعود للرقمنة يمكن أن نتعرف على وضعية العقار الصناعي من استفاد منه هل يتم استغلاله وكذلك الأمر بالنسبة لقطاع الجمارك، فالرقمنة في هذا القطاع ضرورية جدا، و من الواجب أيضا أن تسند المنظومة المعلوماتية إلى مؤسسات وطنية بدلا من مؤسسات أجنبية لتفادي وضع المعلومات الرسمية والشخصية للجزائريين تحت تصرف هذه المؤسسات.
كيف يمكن للجزائر أن تقتحم السوق الافريقية ؟
إفريقا الأمس ليست إفريقيا اليوم وللجزائر منافسون، لما نأخذ مثلا 14 دولة من إفريقيا الغربية نجد 60 في المائة من ميزانيتها ممولة من فرنسا، بالإضافة إلى النزاعات الموجودة في هذه القارة، وبالتالي لا بد من بناء ترسانة على مستوى الحدود وبناء منظومة وشبكة اقتصادية خاصة بالنسبة للولايات الجنوبية ولا بد أن تتحول إلى ولايات اقتصادية، مع توفير الهياكل القاعدية للعملية، ونعطي أكثر فرصة وامتياز بالنسبة للمستثمر في الجنوب.
ويمكن القول إن المناخ ملائم إذا ما نظرنا إلى امكانيات الجزائر وحدودها مع إفريقيا ومن المفروض لما تتوفر طريق الوحدة الافريقية تكون تكلفة النقل بسيطة ولا بد من التركيز على هذا الجانب لا سيما وأن الجزائر لها علاقات طيبة مع دول إفريقا، كما وجب الاستثمار وفتح الجهاز المصرفي في الجزائر، خاصة أن رئيس الجمهورية أعطى قرارات في هذا الشأن وننتظر أن نرى إجراءات فعلية تتجسد على أرض الواقع.
قلت في كلمتك بأن الثـراء يتحقق عندما تخلق مؤسسة مصغرة، كيف ذلك ؟
بالفعل مثلا في التعليم العالي يعتقد الكثير أن نظام (أل أم دي) نظام فاشل، بالعكس فهو نظام ناجح وجيد لأن الفكرة تنطلق من أن لكل طالب جامعي فكرة أو مشروع في ذهنه وتصبح فكرة الوظيفة هي من تسببت في أزمة في الجزائر لأن الجامعة أصبحت تخرج جامعيين كلهم ينتظرون الوظيفة وفقط ولا بد أن نفهم أن الوظيفة لا تحقق الثراء وإنما خلق مؤسسة مصغرة هو من يحقق ذلك، خاصة لما ترى شبابا متشبعين بروح المقاولاتية أنجزوا نماذج من أعمال لا تجدها في دول أوروبية، لكن للأسف يتخبطون في مشاكل التسويق والتصدير، وهنا يظهر دور الدبلوماسية الاقتصادية لمرافقة هؤلاء الشباب.
ماذا تنتظرون من لقاء الحكومة مع الولاة ؟
ننتظر أن يترجم ما جاء في هذا اللقاء الهام وكيفية تطبيق برنامج الحكومة على أرض الواقع وفق الأولوية، ولدينا ثقة كبيرة في رئيس الجمهورية الذي وضع خمسة مخططات للنهوض بالاقتصاد وكذا الوزير الأول من أجل ترقية القطاع المالي لاعتماد استراتيجية في المراحل القادمة لأن لدينا امكانيات ومقومات قوية، واعتقد أنه من الممكن جدا هذه السنة ان ننتقل إلى اعتماد الرقمنة من خلال تخصيص الحكومة مبالغ ضخمة، وأريد التأكيد أن الاستثمار الوطني هو الذي بإمكانه أن يخرجنا من الأزمة لأن الجزائر تتوفر على مقومات لا تتوفر عليها دول استعمارية.