سيضع مشروع تعديل قانون العقوبات مستقبلا حدا للفوضى و ظاهرة التعدي على المرافق العمومية وغلقها وتعطيل مصالح المواطنين، التي انتشرت في السنوات الأخيرة وأخذت أبعادا خطيرة، وهو ما من شأنه تجسيد سيادة القانون وفرض هيبة الدولة.
أمر رئيس الجمهورية السيد، عبد المجيد تبون، خلال اجتماع مجلس الوزراء أول أمس- وفي إطار تعديل قانون العقوبات- بتشديد العقوبات على المتورطين في قضايا غلق المرافق العمومية و تعطيل مصالح المواطنين.
وإذا انطلقنا من كون أن المصلحة العامة هي المبرر الأساسي لوجود المرفق العمومي، وأيضا كون هذا الأخير يمثل رمزا من رموز الدولة ووجودها و سيادتها فإنه من الواجب حماية هذا المرفق من كل شكل من أشكال التعدي وإلحاق الضرر به، بما في ذلك غلقه أمام المواطنين لأن ذلك ينتفي بشكل مطلق مع علة وجوده التي هي خدمة المصلحة العامة للساكنة.
و الملاحظ أن ظاهرة غلق المرافق العمومية قد أخذت تكبر في السنوات الأخيرة وأخذت أبعادا خطيرة غيبت فيها مصلحة المواطن العادي بشكل كبير، حيث تلجأ بعض المجموعات من المواطنين لمجرد صداع بسيط في الرأس إلى غلق مقرات البلديات أو مصالح أخرى وغلق الطرقات، بل ووصل الأمر ببعضهم إلى حد بناء باب البلدية بالاسمنت والأجر وغلقه بشكل نهائي.
فقد أصبح المواطن الذي لم يجد اسمه في قوائم السكن الاجتماعي يلجأ بكل سهولة إلى غلق مقر البلدية أو الدائرة أو الطريق العمومي، وصار التلميذ الذي لم تساير الجهات التربوية الوصية نزواته الدراسية يقرر بكل بساطة غلق باب الثانوية، ونفس الشيء بالنسبة للطالب الجامعي، ووصل الأمر إلى حد غلق مكاتب التصويت في الانتخابات أمام الناخبين لا لشيء لكون من يقوم بذلك مقاطع للانتخابات، وهو سلوك يتنافى تماما مع مفهوم المقاطعة، إلى غير ذلك من السلوكات التي أصبحت سهلة بالنسبة لفئات من المواطنين الذين لم يألفوا صرامة القانون، حتى أصبحوا يستسهلون التعدي على رموز الدولة و على القانون.
و أصبحت ظاهرة غلق المرافق العمومية وتعطيل مصالح المواطنين من قبل بعض المواطنين كتعبير عن الاحتجاجات ذات الطابع الاجتماعي ضد مشكلة ما، أو عن عدم الرضا حول سياسة ما أو قرار معين.
و غالبا ما يكون هذا الأسلوب من الاحتجاج على حساب مصالح المواطنين التي تعطل دون وجه حق، وقد تسببت ظاهرة غلق الطرقات باعتبارها مرفقا عموميا في بعض الأحيان في بقاء المئات من المواطنين في العراء لساعات وساعات ليلا ونهارا وسببت لهم متاعب صحية كبيرة، كما أدت أيضا إلى حرمان مناطق بأكملها من التموين بالمواد الغذائية و غيرها.
و في الفقه القانوني فإن المصلحة العامة مرتبطة بالقانون، وعليه من واجب الدولة التي تسهر على الحفاظ على مصلحة المواطنين فرض سيادة القانون من أجل حماية المصلحة العامة.
ويمكن إدراج قرار رئيس الجمهورية تشديد العقوبات على المتورطين في غلق المرافق العامة وتعطيل سيرها وتعطيل مصالح المواطنين في خانة "أخلقة الحياة العامة" التي سبق لعبد المجيد تبون أن وعد بها في برنامجه الانتخابي، إذ من غير المعقول أن تبقى الحياة العمومية تسودها الفوضى وقانون الغاب، لأن غلق مرفق حيوي مثل البلدية أو مصلحة معينة يلجأ إليها المواطنون كل يوم لقضاء مصالحهم يدخل في خانة فرض القوي رأيه على الضعيف.
كما تندرج الخطوة أيضا في فصل فرض سلطان القانون على الجميع في سياق السعي إلى بناء دولة الحق والقانون والقطع مع الفوضى واللامبالاة.
ففرض عقوبات مشددة وقاسية على الذين يتورطون في غلق المرافق العمومية وتعطيل مصلحة المواطن من شأنه تهذيب الحياة العامة و الحفاظ على مفهوم المرفق العمومي، و ذلك سيساهم في تأطير عمليات الاحتجاج وإعطائها الأسلوب الحضاري بعيدا عن الفوضى.
إلياس -ب