* رئيس الجمهورية يستبعد عودة العلاقات إلى طبيعتها مع فرنسا قريبًا * الجيش بعيد عن القرار السياسي * الجزائر لن تقوم بـ"الخطوة الأولى" لتخفيف التوترات مع فرنسا
استبعد رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، عودة العلاقات إلى طبيعتها بين الجزائر وفرنسا، بعد التصريحات الاستفزازية التي جاءت على لسان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في حق الجزائر وتاريخها، وقال الرئيس تبون إن «تصريحات ماكرون مسّت كرامة الجزائريين»، معربا عن تشاؤمه من احتمال قرب نهاية الخلاف بين البلدين، مؤكدا أنه «لا يوجد جزائري سيقبل باستئناف العلاقات مع من أطلقوا الشتائم».
أكد رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون أن الجزائر لن تبادر بإجراء أي اتصالات سياسية مع باريس، ولن تقدم في الوقت الحالي على أي تطبيع للعلاقات معها، في أعقاب الأزمة الدبلوماسية الحادة التي نشبت بين البلدين بعد التصريحات الاستفزازية التي جاءت على لسان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، بحق تاريخ الجزائر وطبيعة النظام السياسي القائم في البلاد.
وقال الرئيس تبون، في مقابلة صحافية مع أسبوعية « دير شبيغل» الألمانية : «لن أكون أول من يتخذ الخطوة لاستئناف الاتصالات مع فرنسا، وإلا سأخسر كل الجزائريين»، مشيراً إلى أنها «مشكلة وطنية وليست مشكلة رئيس الجمهورية، ولن يقبل أي جزائري أن أعود إلى التواصل مع من أهانوا الشعب». وتابع: «لو قال (الصحفي اليميني المتطرّف) زيمور شيئاً من هذا القبيل، لا يهمّ، لا أحد ينتبه. لكن عندما يعلن رئيس دولة أن الجزائر ليست أمّة قائمة بذاتها، فهذا أمر خطير للغاية».
ولفت تبون إلى أن الرئيس الفرنسي ماكرون «أضر بكرامة الجزائريين»، ويعني هذا التصريح أن الجزائر لن تبادر بإجراء الاتصالات، وأنه يتعين على باريس أن تقوم بذلك إذا رغبت في تطبيع العلاقات مجدداً، لكنه يوحي في الوقت نفسه بندية سياسية وبتغير عميق في قواعد التعامل بين البلدين مقارنة مع العقود السابقة.
وقال رئيس الجمهورية رداً على سؤال حول عودة العلاقات بين البلدين على المدى القصير بـ»لا»، ما يشير إلى عدم وجود استعداد في الوقت الحالي بالنسبة للجزائر لإعادة الاتصالات السياسية مع باريس، وإعادة السفير الذي تم استدعاؤه للتشاور، منذ الثاني من أكتوبر المنصرم. وأوضح الرئيس تبون أن «تصريحات ماكرون خطيرة للغاية، ومسّت كرامة الجزائريين»، مضيفاً «لا يجب المساس بتاريخ الشعوب، ولن نقبل بأية إهانة للجزائريين»، إضافة إلى أن هذه التصريحات «أجلت تسوية الخلاف بين البلدين على المدى القصير». واعتبر أن «ما ظهر هو الكراهية القديمة للأسياد المستعمرين وأنا أعلم أن ماكرون بعيد عن التفكير بهذه الطريقة»، متسائلا «لماذا قال هذا؟ أعتقد أن ذلك أسبابه انتخابية إستراتيجية».
ويرى الرئيس تبون أن ماكرون «وقف بذلك في صف الذين يبررون الاستعمار».ولفت إلى أن الجزائر وفرنسا لم تعودا «مضطرتيْن للتعاون مع بعضهما البعض» متهما ماكرون بـ»المس بكرامة الجزائريين» ورد رئيس الجمهورية على التصريحات الاستفزازية للرئيس الفرنسي، قائلا: «لا نقبل المساس بتاريخ شعب ولن نسمح بأن يهان الجزائريون». وأشار إلى أن ماكرون تسبب بضرر كبير في العلاقات بين البلدين، كما أنه تعمد الإساءة للجزائر في لقاء جمعه بأحفاد وأبناء الحركى والأقدام السوداء، خلال اجتماعه مع مجموعة من الشباب بالتواطؤ حضرته ونقلت ما دار فيه صحيفة لوموند، بطريقة تبدو مرتبة.
وذكر رئيس الجمهورية، أن المرحلة التي وصلت إليها العلاقة بين الجزائر وفرنسا تعتبر الأخطر منذ 15 عامًا، حيث تشهد برودة في التعامل. ويفهم من تصريحات الرئيس تبون رفض رسمي لدعوات كان وجهها الرئيس الفرنسي لتهدئة الأزمة مع الجزائر، وتجاوز الخلافات بين البلدين، بمناسبة حضوره الرمزي لإحياء ذكرى مجازر 17 أكتوبر، حيث تشهد العلاقات بين البلدين تردّياً غير مسبوق، وتصاعداً لافتاً للأزمة السياسية بينهما منذ قرار باريس خفض عدد التأشيرات الممنوحة للرعايا الجزائريين. وتعقدت الأزمة أكثر بعد تصريحات الرئيس ماكرون المثيرة للجدل إزاء الجزائر، والتي ردّت عليها رئاسة الجمهورية بحدة، باستدعاء السفير من باريس وإغلاق الأجواء أمام الطيران العسكري الفرنسي المتوجه إلى إفريقيا والساحل.
وجدّد الرئيس تبون مطالبته باريس بالاعتراف الكامل بجرائم الاستعمار في الجزائر، وقال: «الجزائريون ليسوا بحاجة إلى اعتذار من ماكرون، ولكنهم يطالبون فرنسا بالاعتراف الكامل بجرائمها، لقد شردوا سكان القرى بالجزائر، وأحرقوهم بالحطب والنار». وقال الرئيس بهذا الخصوص: “بلدنا لا يحتاج إلى اعتذارات من ماكرون لشيء حدث في 1830 أو 1840، لكننا نريد اعترافا كاملا وغير مشروط بالجرائم التي ارتكبها الفرنسيون. وقد فعل ماكرون ذلك بالفعل. أعلن علنا في عام 2017 أن الاستعمار جريمة ضد الإنسانية. كما تعلمون، دمر الألمان قرية بأكملها في “أورادور سور غلان” في عام 1944. وحتى يومنا هذا، يتم إحياء ذكرى هذه المذبحة، ويتم الاحتفال بها عن حق. لكن في الجزائر كان هناك العشرات من “أورادور سور غلان”. أخذ الفرنسيون سكان العديد من القرى إلى الكهوف، وأضافوا الخشب وأضرموا النار فيها. ومات الناس مختنقون بصورة بائسة”.
توسيع التعاون مع ألمانيا
وبخصوص العلاقات الجزائرية-الألمانية، قال الرئيس تبون، إن الألمان يعاملون الجزائر باحترام، وأكد قائلا : «لطالما عاملنا الألمان باحترام، ولم يعاملونا أبدا بغطرسة، ولم تكن هناك أي خلافات في السياسة الخارجية. كما أنني معجب بمثابرة أنجيلا ميركل وتواضعها. يؤسفني كثيرا أنها ستغادر لن أنسى أبدا كيف اعتنت بي شخصيا عندما كنت في العلاج الطبي في ألمانيا. إن ألمانيا قدوة لنا من نواح كثيرة».كما تحدث الرئيس تبون عن توسيع التعاون مع ألمانيا اقتصاديا ، مشيرا إلى رغبة الجزائر في توسيع التعاون في كل المجالات، وقال تبون: “بصراحة، كل ما هو ممكن. على سبيل المثال، أود أن نبني مستشفى كبيرا في الجزائر العاصمة معا. بيت يغطي كل تخصصات الطب، للمغرب العربي بأكمله. ويمكن للرئيس الأفريقي أن يسعى أخيرا إلى الحصول على العلاج هنا، في قارته، بدلا من سويسرا. ونحن على استعداد لتمويل جزء كبير من هذا المشروع. وهناك أيضا الكثير من الإمكانات للطاقات المتجددة. بمساعدة ألمانية، يمكننا تزويد أوروبا بالطاقة الشمسية”.
زمن دفع الرشاوى للمسؤولين انتهى
وتطرق الرئيس تبون إلى التدابير التي تم اتخاذها منذ انتخابه رئيسا للبلاد، وقال بهذا الخصوص : «ألغيت الضرائب على جميع الرواتب التي تقل عن 30 ألف دينار، أي أقل بقليل من 190 يورو، لقد رفعت الحد الأدنى للأجور. وتحظى المناطق الريفية المنسية سابقا (مناطق الظل) الآن بدعم خاص». ومع ذلك، أكد الرئيس أن إحدى أهم المهام حاليا هي إدخال أخلاقيات جديدة في الإدارة والأعمال.
وأكد أنه يعمل منذ وصوله إلى الرئاسة على محاربة الفساد واقتلاعه من جذوره، وقال بأن ما عرفته البلاد «كان مضيعة ومشكلة لا تغتفر لثروات هذا البلد». مشيرا بأن المواطن هو من يدفع ثمن فساد المسؤولين، مشيرا إلى أن الممارسات التي كانت تحدث سابقا قد انتهت الآن، وتابع قائلا: «لا ينبغي لأحد أن يقدم رشوة مرة أخرى للحصول على جواز سفر جديد». وأكد الرئيس تبون، إنه تم الشروع في إعادة بناء الدولة بالكامل، بالموازاة مع وضع تدابير ضد تهريب الأموال. وإقرار دستور جديد يمنح المواطنين المزيد من الحقوق.
الرئيس هو من يقرر لا الجيش
كما رد الرئيس تبون على تساؤلات بخصوص موقع الجيش في المعادلة السياسية، وقال إنه وبالإضافة إلى الرئاسة، فإنه يتولي منصب وزير الدفاع. مشيرا إلى أن أجهزة الاستخبارات وضعت تحت سلطة رئيس الجمهورية ولم تعد تحت سيطرة الجيش. مشيرا إلى أن رئيس أركان الجيش يتلقى التعليمات من الرئيس بخصوص تحديث الجيش، علاوة على ذلك –يصيف الرئيس- فإن قائد الجيش «لديه ما يكفي من الاهتمام بالوضع الحساس على حدودنا».
وشدد رئيس الجمهورية على أن الشق السياسي يعود له والقرار بيده ولا يعود للجيش، وقال : «لا أحد سيفعل ذلك في مكاني»، موضحا أنه هو صاحب القرار بمنع تحليق الطائرات العسكرية الفرنسية، حيث قال: «أنا من أمر بإغلاق المجال الجوي الجزائري أمام الطائرات العسكرية الفرنسية. وأنا من أمر بتنفيذ نفس الإجراء بالنسبة للطائرات المغربية».
المخزن أبدى دعمه لتقسيم الجزائر
ورد الرئيس تبون عن سؤال حول قرار حظر تحليق الطائرات المغربية في الأجواء الجزائرية، وقال بأن المغرب أعلن صراحة دعمه لتقسيم الجزائر. وهو ما عبر عنه ممثل المملكة المغربية في الأمم المتحدة الذي عبر عن ذلك بوضوح عندما أشار إلى استقلال منطقة القبائل. وتابع قائلا: "لم يصحح أقواله لا هو ولا المسؤولون المغاربة ولا حتى الملك المغربي .. في النهاية قطعنا العلاقات". مؤكدا دعم الجزائر لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير.
كما رد الرئيس على النظرة الخاطئة التي ترسمت لدى الدول الأوروبية عن المغرب، وقال "هناك شيء يزعجني في التصور العام لكلا البلدين. في المغرب، الملك غني، لكن نسبة الأمية لا تزال 45 في المائة، وفي بلادنا تبلغ 9 في المائة فقط. تتخيل أوروبا عن طريق الخطأ أن المغرب بطاقة بريدية جميلة، وتصورنا كنظام مشابه لنظام كوريا الشمالية. نحن دولة منفتحة للغاية".
وبخصوص إمكانية إرسال الجيش الجزائري إلى الخارج. قال الرئيس تبون، إن التدخل مرهون بتقديم طلب من الأمم المتحدة أو الاتحاد الأفريقي يمكن له الآن مخاطبتنا بهذا الأمر. مشيرا إلى إمكانية التدخل في مالي، وربط ذلك بإمكانية تعرض مالي لاعتداء عسكري وبناء على طلب من السلطات المالية، وتابع قائلا: "جنودنا جزائريون لهم عائلات. لن أرسلهم إلى موتهم من أجل مصالح الآخرين. لقد مات ما يكفي من الجزائريين في الماضي". واستطرد يقول السؤال الكبير في مالي هو كيفية إعادة توحيد البلاد. على أية حال، فإن الجزائر لن تقبل أبداً بتقسيم مالي.
ع سمير