اتهمت الجزائر، الحكومة الإسبانية بتعطيل تبني أولويات الشراكة التي تم التفاوض بشأنها ووضع صيغتها النهائية منذ عدة أشهر في إطار سياسة الجوار، وأكدت رفضها لما وصفته بـ«التحركات الاستعراضية والضغوطات التي تمارسها إسبانيا عبر الاتحاد الأوروبي»، كما اتهمت مسؤولا أوروبيا بـالإدلاء بتصريحات تتضمن مزاعم غير دقيقة تكرس اللبس عمدا بين البعد السياسي و التجاري، من خلال حديثه عن «إجراءات ردعية» مزعومة اتخذتها الحكومة الجزائرية ضد إسبانيا.
ردّت وزارة الخارجية، على تصريحات مسؤول في المفوضية الأوروبية، الذي زعم استمرار القيود التجارية التي تفرضها الجزائر على المنتجات الإسبانية. واتهمت الجزائر مدريد بعرقلة انعقاد مجلس الشراكة بينها وبين الاتحاد الأوروبي الذي يفترض أن يجسد الأولويات الجديدة للطرفين، بحيث لا تكون الجزائر مجرد سوق.
و أكد مسؤول سامٍ بوزارة الشؤون الخارجية، في تصريحات لوكالة الأنباء الجزائرية، الخميس، أن المدير العام المساعد المكلف بالتجارة في مفوضية الاتحاد الأوروبي “كرس اللبس عمدا بين البعد السياسي والتجاري” من خلال إعرابه عن “قلق” الاتحاد الأوروبي وتطرقه لـ”إجراءات ردعية” مزعومة اتخذتها الحكومة الجزائرية ضد إسبانيا.
وأبرز المتحدث، أن هذا المسؤول الأوروبي لم يتطرق البتة، بطبيعة الحال، إلى الموقف المعرقل للحكومة الإسبانية التي تقف في وجه تبني أولويات الشراكة التي تم التفاوض بشأنها ووضع صيغتها النهائية منذ عدة أشهر في إطار سياسة الجوار الأوروبية، كما أنه غض الطرف أيضا عن موقف إسبانيا غير المسؤول، بحيث أنها تستغل بطريقة تعسفية قاعدة الإجماع لعرقلة انعقاد مجلس الشراكة، الذي يعتبر الهيئة السياسية القانونية المكلفة بالخوض في كافة الشؤون السياسية والاقتصادية والتجارية”.
وأكد الدبلوماسي الجزائري أن “هذه التحركات الاستعراضية والضغوطات التي تمارسها إسبانيا غير مجدية ولا تؤثر فينا بتاتا”. وفي الواقع، منذ بداية الأزمة مع إسبانيا قبل عام، على خلفية تغير سياسة مدريد من قضية الصحراء الغربية، تحتفظ الجزائر بنفس الموقف المتجاهل للجانب الإسباني الذي يستعمل تارة أسلوب التهديد عبر ورقة الاتحاد الأوروبي، وتارة أخرى الترغيب عبر سياسة اليد الممدودة.
ويأتي الرد الجزائري، بعد إعراب الاتحاد الأوروبي مجددا، الثلاثاء الماضي، عن “قلقه البالغ” إزاء ما اعتبره «انتهاك الجزائر لاتفاقية الشراكة بين الجزائر وبروكسل»، من خلال ترديد مزاعم بعرقلتها العمليات التجارية من جانب واحد مع إسبانيا، منذ جوان الماضي. وأكد نائب المدير العام للمديرية العامة للتجارة لدى المفوضية الأوروبية، دينيس ريدونيت، في تصريحات لوسائل الإعلام الإسبانية، خلال زيارة لفالنسيا، أن “الإجراءات التي اتخذتها السلطات الجزائرية تثير قلقا كبيرا، ليس فقط في إسبانيا، ولكن أيضا داخل الاتحاد الأوروبي، لأنها تؤثر على السياسة التجارية المشتركة”.
وتحاول إسبانيا منذ فترة إقحام الطرف الأوروبي في النزاع مع الجزائر، خاصة بعد تعليق اتفاقية الشراكة الإستراتيجية بين البلدين عقب تحول موقف مدريد من النزاع في الصحراء الغربية وإعلان تأييدها لمخطط الحكم الذاتي المزعوم، وهو التحول الذي ربطه البعض بفضيحة أخرى أكبر تتعلق بتجسس الاستخبارات المغربية على قادة أوروبيين من بينهم رئيس الحكومة الإسبانية، وتكون المخابرات المغربية قد استغلت معلومات حصلت عليها عبر التجسس لابتزاز الحكومة الإسبانية في قضية الصحراء الغربية. وتحدثت الجزائر صراحة ولأول مرة عن دور إسباني في عرقلة انعقاد مجلس الشراكة الذي كانت آخر دوراته في نهاية سنة 2021 عبر تقنية التواصل عن بعد، في ظل استحالة اللقاء بسبب جائحة كورونا. وخلص ذلك الاجتماع إلى إعادة النظر في أولويات اتفاق الشراكة الموقّع بين الطرفين سنة 2002، فالجزائر أصبحت تمتعض من كونها في نظر شركائها الأوروبيين مجرد سوق لتصريف سلعهم، وهي تبحث عن مساعدة في تنويع اقتصادها وإيجاد حصص تصديرية في بلدان الاتحاد خارج مجالات الطاقة.
وتعود رغبة الطرف الإسباني الملحة في طلب تدخل الاتحاد الأوروبي في أزمته مع الجزائر، إلى الضرر الكبير الذي لحق بالشراكات الإسبانية. وتشير التقديرات إلى أن خسائر جميع الشركات الإسبانية التي لها تعاملات في الجزائر تتجاوز الآن 600 مليون يورو.
ولجبر هذه الأضرار، تعتزم شركات إسبانية، مقاضاة حكومة رئيس الوزراء بيدرو سانشيز، للمطالبة بتعويضات. وتنطلق الشركات في دعواها، من أن تغير موقف الحكومة الإسبانية في النزاع على الصحراء الغربية، بعد 47 عاما من الحياد النشط، قد تسبب في خسائر اقتصادية تتزايد يوميا، وهو سيناريو لا يمكن تحمله على المدى المتوسط والطويل ويعرض للخطر استمرار بعض الشركات. وباتت الحكومة الإسبانية تعترف وفق ما أوردته صحيفة “أندبندنت”، بأنها لم تقدر عواقب تغير موقفها من قضية الصحراء الغربية على علاقاتها مع الجزائر. ع سمير